شبكة قدس الإخبارية

الشهيد محمد الفقيه... البطل الفرد

نائلة خليل

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: استشهد محمد الفقيه فجر اليوم الأربعاء، لتضاف إلى سجل الهبّة الفلسطينية المستمرة منذ الخريف الماضي، أسطورة جديدة، بعدما طاردته قوات الاحتلال نحو شهر، ليستبسل خلال اشتباك عسكري، محسوم النتائج سلفاً، لكنه قرر المقاومة حتى الرمق الأخير، والطلقة الأخيرة.

على مدار شهر كامل، كانت الخليل تعيش على وقع ممارسات الاحتلال الوحشية بصورة غير مسبوقة، بحثاً عن الفقيه الذي بات المطلوب رقم واحد في الخليل بشكل خاص، والضفة الغربية المحتلة بشكل عام. الاحتلال أعلن أن الفقيه يقف وراء عملية قتل أحد قادة المستوطنين الإرهابيين، وجرح زوجته، مطلع الشهر الجاري، قرب مستوطنة مقامة على أراضي الخليل، وعلى مشارف طريق التفافي يستخدمه المستوطنون، بحثاً عن الأمان.

قاوم محمد الفقيه الاحتلال في اشتباك مسلح استمر سبع ساعات، حتى استشهاده، فيما استخدمت قوات الاحتلال الطائرات والصورايخ المحمولة "الأنريجا"، والجرافات، وكل أنواع الأسلحة الممكنة، لهدم بيت من أربع طبقات، على الفقيه واثنين آخرين، لم تعرف هويتهما بعد، وتم اعتقالهما.

بدأ الأمر منتصف الليل عندما حاصرت قوات الاحتلال بيت الحيح في بلدة صوريف شمال الخليل، والذي استحكم فيه الفقيه، وصرخ الجنود عبر مكبرات الصوت "محمد سلّم نفسك"، فرد عليهم محمد بالرصاص حتى مطلع الفجر، إلى أن نفدت ذخيرته وتم اغتياله. محمد، ابن عم الشهيد الفقيه قال "إنه لم يتم تبليغهم بشكل رسمي من قبل الارتباط الفلسطيني باستشهاده، لكن مصادر غير رسمية بالارتباط، سربت لهم الخبر. واحتجزت قوات الاحتلال جثمان الفقيه، في حين اعتقلت صاحب المنزل وزوجته، واثنين آخرين، بتهمة مساعدة الفقيه على تنفيذ عمليته.

أما خالد، صهر الشهيد فأوضح لـ"العربي الجديد": "نخضع لعقوبات جماعية وعائلية وحشية، لقد اعتقلوا زوجتي، شقيقة محمد، وابني بعد يومين من العملية، إذ أعلن ضباط الاحتلال الذين كانوا ينفذون الاقتحام أن محمد مطلوب لدى سلطات الاحتلال".

وأضاف "اقتحموا بيتي وبيت عائلة محمد، عشرات المرات، وفي كل مرة يرعبون الأطفال والمسنين بالكلاب البوليسية المتوحشة، ويكيلون الشتائم بحق محمد، ويتوعدون والدته المسنة أنهم سيقتلونه".

حتى الوالدة السبعينية لم تسلم، إذ استدعتها قوات الاحتلال وتم التحقيق معها في معسكر للاحتلال على مدار يوم كامل، وتم أخذ عينات من الحمض النووي الخاص بها بشكل قسري، بحسب ما يؤكد خالد.

إلى ذلك، تعتبر عملية الخليل التي أسفرت عن مقتل زعيم للمستوطنين وجرح عدد من عائلته، قرب مستوطنة "عتنائيل"، تتويجاً لفشل إسرائيلي ذريع في القضاء على الهبة الفلسطينية، إذ استطاع المنفذون إطلاق النار وقتل المستوطن وجرح عائلته. وفي حين تم اعتقال رفيق الفقيه، الأسير محمد عمايرة بعد أيام من العملية، تمت مطاردة الفقيه على مدار شهر كامل، خضعت فيه عائلته وبلدته "دوار" والبلدات والقرى المجاورة لها، لشتى صنوف العقوبات الجماعية من حصار، وإغلاق، وسحب تصاريح العمل، ومنع من السفر إلى خارج الأراضي المحتلة.

انزعاج إسرائيلي من عملية الخليل

وعلى عكس ما يروجه الاحتلال وبعض الأصوات المأزومة فلسطينياً، أن منفذي العمليات يعانون من بعض المشاكل العائلية أو صغار بالسن تدفعهم الحماسة لتنفيذ عمليات المقاومة، جاءت عملية قتل المستوطن لتعارض الادعاءات، وتبقي إسرائيل في حيرة من أمرها، تحول دون الوصول إلى ملامح ومحددات واضحة، لمنفذي العمليات الفدائية المحتملين.

محمد الفقيه (29 عاماً)، أسير محرر أمضى خمس سنوات في معتقلات الاحتلال، حفظ خلالها القرآن الكريم، وأطلق سراحه قبل نحو عامين.

يعمل بشركة هواتف خليوية فلسطينية، ويمتلك بيتاً وسيارة، ومتزوج؛ أي أنه يمتلك من الشروط المادية ما يعجز عن توفيره 42% من الشباب الفلسطيني خريجي الجامعات العاطلين عن العمل حسب الإحصاءات.

أما عمايرة (38 عاما) فهو ضابط في الأمن الوطني الفلسطيني، وهو أسير محرر أيضاً، أطلق سراحه في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2010، ومتزوج ولديه طفل، ما يعني أن الاعتقال لم يعد يشكل رادعا للمقاومين عن استمرارهم في المقاومة، تماما كما لم تعد العقوبات الجماعية للبلدات والقرى والمدن مجدية أيضاً، في ردع مقاومين جدد عن تنفيذ المزيد من العمليات.

وفي هذا السياق، يشير الخبير في الشؤون الإسرائيلية وابن مدينة دورا، عادل شديد لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "هناك انزعاجاً إسرائيلياً من العملية، والسبب بحسب الإعلام الإسرائيلي، هو أن هناك شاباً بتوجه حزبي إسلامي، وآخر من الأمن الوطني، أي عناصر منتمية لتيارات سياسية ودينية مختلفة، نجحا في تنفيذ عملية مشتركة، ما يعني أن تبلور جماعات مقاومة بخلفيات سياسية مختلفة أصبح وارداً جداً، بعد نجاح هذه العملية".

ويعتبر أنّه "رغم اغتيال الفقيه واعتقال رفيقه عمايرة قبل ثلاثة أسابيع، إلا أن إسرائيل تدرك أن التوظيف الإسرائيلي للانقسام الفلسطيني الداخلي قد فشل، والتوظيف الإسرائيلي لحالة الأزمة السياسية الاقتصادية الفلسطينية فشل أيضاً، ولا شيء يمكنه ردع المنفذين المحتملين لهذه العمليات، فقد جرب الاحتلال كل أساليب الردع المعروفة والمبتكرة دون جدوى".

نقلا عن العربي الجديد