شبكة قدس الإخبارية

فتح وفياض وتبادل الأوزار!

لمى خاطر

ما زلنا نذكر تصريحات محمود عباس المدافعة بشدة عن رئيس حكومته سلام فياض أيام مظاهرات الغلاء التي عمّت الضفة الغربية قبل عدة أشهر، حيث قال يومها بوضوح: هذه حكومتي وأنا المسؤول عنها، ولا يجوز تحميل فياض مسؤولية التقصير!

يبدو تذكّر هذا الموقف وغيره ضرورياً بين يدي حالة شيطنة فياض التي تنتهجها قيادات بعينها في حركة فتح، إذ إنه مفهوم ومقبول تقييم فياض وسياساته المختلفة من قبل المراقبين والسياسيين على الساحة الفلسطينية، لكنّ فتح على وجه الخصوص لا تملك أن تدير الآن فقط ضده حملة تدلّل على فشل تجربته وكارثية سياساته، لأن التقييم الفتحوي يمس القشور فقط ولا يطال الجوهر، ولأن له أهدافاً كثيرة ليس من بينها الحرص على تغيير إيجابي يفضي إلى بديل جيّد من ناحية مهنية، ولا من بينها وضع حد لسياسة الإملاءات الخارجية، فسلام فيّاض كان أصلاً إحدى تجليات سياسة الإملاءات التي قبلت بها فتح وتعاطت معها سنوات طويلة، وإن كانت قد عجزت عن ردّها أيام الراحل عرفات فلن تقدر على ذلك الآن، وقد أصبح هناك ثمن أمني وسياسي معلن لكل مدعّمات السلطة وعوامل استمرارها!

كان فياض عنواناً لمرحلة التنمية الموهومة والرخاء الشكلي الذي يخفي أرتالاً من الأزمات، كما كان تجلّياً للتدخل الخارجي السافر في الإرادة الوطنية وفي تقزيم طموحاتها، وكان كذلك واجهة للعصا الأمنية الغليظة التي اجتهدت في ملاحقة المقاومة وتجفيف منابعها البشرية والمالية. لكن كل ذلك ما كان ليكون دون دعم حركة فتح كتنظيم وكقيادة سلطة، ليس فقط لأن قوام مؤسسات السلطة التي يديرها فيّاض في الضفة يرتكز على عناصر حركة فتح، بل كذلك لأن الرجل لا يمتلك رصيداً شعبياً ولم يمكنه الوقوف على قدميه دون إسناد من تنظيم كبير كحركة فتح!

وإذا كانت فتح قد تنبّهت حديثاً فقط إلى أن الرجل الذي يتغنى الغرب بقدراته في إيقاف الفساد الإداري والمالي داخل مؤسسات السلطة قد جلب في المقابل كوارث اقتصادية للشعب الفلسطيني وقيّده ورهن قراره، فلن يكفي هذا لإعفائها من مسؤوليتها عن التمكين له، ولا لإقناع الجمهور ببراءتها من آثار التهشيم في مشروع سلطتها.

ملاحظة: قد تكون الإدارة الأمريكية غير راغبة ببديل فتحوي لفياض، ولكن ليس خوفاً من (ثوريته)، بل لخشيتها من استشراء الفساد الإداري والمالي من جديد في أوصال السلطة، لأنها حريصة على الصورة العامة لسلطة قدّمت وتقدّم للمحتل من الخدمات أكثر مما قدّمت لشعبها.

ختاما؛ فتّشوا دائما عما وراء الخلاف الفياضي الفتحوي، وعن دوافع التدخّل الأمريكي في تفاصيل سياسات السلطة، ثم انظروا في نهجها إن طرأ عليه جديد عقب رحيل فيّاض (إن كان سيرحل فعلا)، وستجدون كم هو سخيف أن يخرج أحدهم ليقول بكل ثقة: إن عباس قال لا بملء فيه لأمريكا!