شبكة قدس الإخبارية

لروحٍ تسكُنني

محمد نشبت

حلمُ الطفولةِ البعيد، ومعناها القريب، بين ارتباطِ حبلهِ السِّري وضمةِ سرب لامتناهية الحد، ظل يتصدرُ خاطر القلب، فكم حلقَ الخيال بأن يكون لي صديقا صدوقا يعرف ماهية الصداقة وما لها وما عليها، وقد تشكلت لي هذه الصورة الراقية عن الصديق من قصص ما قبل النوم، التي كانت تتلوها على مسامعي أختي الكبرى، كذلك جملةُ ما عززته الرسوم المتحركة التي كانت تغرسُ قلوبنا بأبهى المعاني، فكان عهد الأصدقاء مثالًا واضحًا لما أصبوا اليه.

مثل عناقيد قمحٍ ذهبية كانت تتفتح التجارب في حياتِي، وبعد أن عجنتني أحداثها طال عمرها أو قصر، فشلت روحي التي أملكها بأن تلتقي بروحي المشتهاة، كنت دائمًا ما أردد في سرّي كم أنا بحاجة لروح تسكنني، لصديقٍ يحتويني، يفرد لي مساحة منه لا ينافسني عليها أحد، نتّحد، يكملني ولا يشبهني.

أذكر مرة أن التقيت بأحد "الأصدقاء" على شاطئ البحر اتكأ الى ظهري تنهد بصوت مسموع ثم قال لي ما الصداقة سرحت بالأفق ثم قلت الصداقة يا عزيزي علاقة إنسانية تربط اثنين أو أكثر من النّاس معاً، تكون مبنيّةً على الاحترام المتبادل والمودّة والصّدق والأمانة، وتميل غالباً في الاهتمامات والنشاطات والسّلوكات المشتركة بين هؤلاء الأشخاص، لُذت للصمت لحظة، ثم قلت: "هذا كلام إنشائي لا يمتّ للواقع بِصلة" الصداقة بالنسبة لي أن تكون لي مرآة أرى فيها عيوبي، أن تكون قادر على تقويم سلوكي لو أخطأت، أن تكملني. يبدو أن ما جال به خاطري لم يعجبه فلم يُكتب لنا النجاح.

هي الأقدار ربما أو الاختيار الخاطئ الذي يقودنا في نهاية المطاف لقطع العلاقة مع ما كنا نعتبره أعز أصدقائنا.

كثرٌ قالوا لي: "لا يوجد صديقٌ بمعناه الحقيقي والواقعي الذي ترسمه بمدينتك الفاضلة" حتى أقرب الناس إليّ والدي الذي دائما ما يردد على مسامعي "صاحبك جيبتك يابا والناس أمر ثانوي" كنت ألجأ لابتسامتي لمواجهتهم جميعًا، مؤمنًا بما يدور في القلب ويخلّده العقل وتحتاجه الروح.

قد يتغلب البعض منا ويختار أكثر الجوانب متانة لينسج خيوط الصداقة فيها فتكون الزوجة أو الأم أو الأب والأخت أو الزوجة والابن علاقة جميلة وراقية هي لكن أعدها نوع من الاستسلام في معترك الأرواح.

تاريخنا الإنساني مليء بالأحداث التي تثبت أننا بحاجة لأرواح تسكننا لنكوّن صداقة متينة كم من صديق تألم لألم صديقه وفرح لفرحه بل كم من قصة قرأنا فيها أن صديقًا توفيّ بعد وفاة صديقه بأيام أو ساعات، كيف أنّ روحه لم تستطع أن تجوب الدنيا وحدها فاختارت أن تلحق بأختها حتى السماء.

 بل إن تاريخنا الإسلامي شاهدٌ على علاقات حيةٍ بين الصحابة أجلّها وأجملها علاقة الصحابي الجليل أبو بكر الصديق برسولنا الكريم اذ قال " كنا في الهجرة وأنا عطشان جدًا، فجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول صلى الله عليه وسلم، وقلت له: اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر: فشرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت" فاستحق بذلك أن يكون صاحبة في الدنيا والأخرة.

تاهت روحي عامين وأربعة أشهر ثم كتبت الأقدار ما كان الله أمرها به في لوحه المحفوظ ليكون تموز 2014 ميلادًا جديدًا، التقاءً روحيًا خالصًا، لم يكن له شبيه من قبل في عز الخوف والحرب حوّمَ طائر السلام والدفء والوفاء حول قلبي، فكانت روح صديقي الأريب، جمعني به حسن الكلمة وجمال التفكير، سعة القلب ورقي الروح فسكنتني روحه، أذكر وقتها رغم ما ألم بنا من خوف وفزع، وقلة مقومات البقاء إلا أنني كنت أحدثه ما يزيد عن 17 ساعة يوميا بكافة وسائل التواصل.

كان يُشجع أحدنا الآخر ويحثه على الثبات، نشترك بالقلق والطمأنينة، وكأننا جسدان في تلك الليلة كتب لروحينا الاتحاد، هو نعمة ألقاها الله على روحي فازدهرت، وأصبح بوابة للفرح وعنوانه. أبتهل الى الله كثيرًا في صلواتي وخلواتي ألا يحرمني منه وأن أكون عبدًا شكورًا بارًا به على نعمته تلك، كنتُ أعلم جيدًا أنه:" من الأفضل لك أن تبحث عن شخص، شخص يكون بمثابة مرآة لك. تذكر أنك لا تستطيع أن ترى نفسك حقاً، إلا في قلب شخص آخر "وما الحياة إلا رحلة فابحثوا عن أرواح تسكنكم لتأنس وحشة الطريق كما فعلت".