شبكة قدس الإخبارية

السياسة الفلسطينية بعد إقرار اللجنة التنفيذية توصيات اللجنة السياسية

هاني المصري

مقدمة

أقرّت اللجنة التنفيذية في اجتماعها الأخير، يوم الأربعاء الموافق 4 تشرين الثاني 2015، التوصيات التي رفعتها اللجنة السياسية تنفيذًا للتكليف الذي جاء في خطاب الرئيس محمود عباس أمام الدورة الـ (70) للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 30 أيلول 2015، وذلك استنادًا إلى قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الصادرة في 5 آذار 2015.

لم تعلن هذه التوصيات رسميًا التي باتت قرارات بعد مصادقة اللجنة التنفيذية، إلا أن ما صدر من تصريحات حولها وما تناولته وسائل الإعلام نقلًا عن مصادر مطلعة، وما حصلنا عليه من معلومات؛ كلها تشير إلى أنها كما يلي.

قرارات اللجنة التنفيذية

تضمنت قرارات اللحنة التنفيدية قيام الرئيس محمود عباس بإرسال رسائل خطية متطابقة إلى كل من: رئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس الأميركي، والرئيس الروسي، والرئيس الصيني، والمفوضة السامية للعلاقات الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي، ولمن يراه مناسبًا من رؤوساء أو غيرهم؛ تتضمن طلبًا من الحكومة الإسرائيلية مع إعطاء فترة محددة قصيرة تصل إلى أسبوعين للرد على الاعتراف بدولة فلسطين، والموافقة على ترسيم الحدود، وتحديد جدول زمني للانتهاء من مفاوضات الوضع النهائي، وجدول زمني لانتهاء الانسحاب من أراضي دولة فلسطين المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفقًا لقرار الجمعية العامة 19/67 الصادر في العام 2012، وبإشراف دولي مناسب، إضافة إلى اقتراح أن يتم ذلك من خلال مؤتمر دولي للسلام.

كما تتضمن الرسائل المطالبة بوقف النشاطات الاستيطانية كافة، وبما يشمل القدس، والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، وبالتوازي، الالتزام بتنفيذ الاتفاقات، والتأكيد على الوحدة الجغرافية، والولاية السياسية والقانونية.

وفي حال رفضت الحكومة الإسرائيلية التجاوب مع هذه المطالَب، يقوم الرئيس بالإعلان عن انتهاء المرحلة الانتقالية، والانتقال من مرحلة السلطة إلى الدولة تطبيقًا لقرار الجمعية العامة المذكور سابقًا، وإنهاء العمل بكافة الاتفاقيات الانتقالية، وكذلك دعوة الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن أراضي دولة فلسطين المحتلة، وإنشاء نظام حماية دولية خاص للشعب الفلسطيني إلى حين تحقيق ذلك.

وتضمنت قرارات اللجنة التنفيذية تزامن ما سبق مع تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، والاتفاق على الشراكة السياسية من خلال الاتفاقات السابقة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات عامة، ودعوة لجنة تطوير منظمة التحرير الفلسطينية إلى الانعقاد ومتابعة التنفيذ، وتحديد موعد لعقد المجلس الوطني من أجل إقرار دستور دولة فلسطين، والإعلان عن البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتخاب لجنة تنفيذية ومجلس مركزي جديدين، بما يتيح تفعيل كافة دوائر منظمة التحرير الفلسطينية.

كما تضمنت القرارات استمرار بناء مؤسسات الدولة، واتخاذ الخطوات لفرض السيادة والانتقال من السلطة إلى الدولة بخطوات تصبح من خلالها اللجنة التنفيذية الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين، والمجلس الوطني الفلسطيني برلمان دولة فلسطين، والرئيس هو رئيس دولة فلسطين، وذلك عملًا بقرار الجمعية العامة.

ومن ضمن القرارات أيضًا، طرح مشاريع قرارات أمام مجلس الأمن حول القدس والاستيطان وغيرها من قضايا، وإعلان منظمة التحرير عن استمرار التزامها بقرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة، ومرجعيات "عملية السلام" (مؤتمر مدريد، مبادرة السلام العربية، خارطة الطريق)، وبما يضمن تحقيق حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، إضافة إلى تأكيد حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، وتعزيز مقاومته الشعبية للاحتلال.  وكذلك رفض استمرار الأمر الراهن، ورفض الحلول الانتقالية وإبقاء قطاع غزة خارج إطار الفضاء الفلسطيني، ورفض مبدأ الدولة بنظامين أو دولة ذات حدود مؤقتة، والتأكيد على أن لا دولة فلسطينية في قطاع غزة ولا دولة فلسطينية دون قطاع غزة.

وتضمنت القرارات كذلك أن يطرح المجلس الوطني في جلسته القادمة دراسة إمكانية إعادة النظر في اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، والمطالبة بأن يكون الاعتراف متبادلًا بين دولة فلسطين ودولة إسرائيل، والقيام بخطوات اقتصادية تشمل منع وتجريم الاستيراد غير المباشر للبضائع والمنتجات الأجنبية من السوق الإسرائيلية، وفرض رسوم مالية وقيود على الاستيراد غير المباشر (إذا لم يتم إلغاؤه)، وسن قانون جديد لتنظيم الاستيراد، والاستمرار في الحملة الوطنية والدولية لضرب اقتصاد المستوطنات في كافة المجالات، بما يشمل منع العمالة الفلسطينية في المستوطنات، والانتقال من المقاطعة الشعبية للمنتجات الإسرائيلية إلى المقاطعة الرسمية الشاملة، وبشكل تدريجي، على أساس المعاملة بالمثل.

أخيرًا، جاء في القرارات أن يقوم الرئيس فورًا بزيارات إلى الأردن ومصر والسعودية، وأن يدعو إلى اجتماع طارئ للجنة مبادرة السلام العربية من أجل الحصول على الدعم.

ملاحظات على القرارات

بالرغم من أن القرارات شاملة، وفي حال تطبيقها تنقل الوضع الفلسطيني من حال إلى حال؛ إلا أن هناك جملة من المسائل تستوجب التوقف عندها، وتبرز أنه لا توجد نية حقيقية لتطبيقها، وهي:

  • إنّ جوهر ما هو وارد في القرارات، وبعضها حتى فيما يتعلق بالتفاصيل، بدأ يُطرح في أروقة القيادة الفلسطينية منذ فشل المفاوضات التي انطلقت بعد "مؤتمر أنابوليس" المنعقد في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2007، والتي استمرت طوال العام 2008، وانتهت تمامًا بمجيء حكومة نتنياهو السابقة ورفضها لكل الجهود التي بذلت لاستئناف ما سمي "عملية السلام".

كما تبلور هذا الطرح بشكل واضح من خلال ما تضمنه خطاب الرئيس محمود عباس في قمة سرت العربية المنعقدة العام 2010 عن "الخيارات السبعة" التي ستطبق بالتتابع.  فالكل يتذكر، خصوصًا التهديدات التي أطلقها الرئيس بحل السلطة التي أصبحت بلا سلطة، وتسليم مفاتيحها إلى إسرائيل . ومن خلال تهديده بتفجير قنبلة في خطابه الأخير في الأمم المتحدة، وأخيرًا بما نقل عنه خلال زيارته إلى القاهرة (8 تشرين الثاني 2015) بأنه سيعمل بالتتابع على خمس قضايا آخرها المصالحة الوطنية.

ما سبق يجعل الكثيرون يشككون في جدية القيادة في تطبيق هذه القرارات، كونها تتصرف وكأن لديها فائضًا من الوقت ولا تزال بانتظار "غودو" الذي لن يأتي، لذا يعتبرونها مجرد ذر للرماد في العيون، لأن الأولوية لدى القيادة لا تزال المحافظة على السلطة، وما يجري من تهديدات وإجراءات من نوع الانضمام إلى المؤسسات الدولية، والتهديد بانتهاء المرحلة الانتقالية وغيرها، ليس إلّا مجرد أوراق ضغط تستهدف الحفاظ على بقاء السلطة، وشراء الوقت لعلّ وعسى تحدث تطورات جديدة تسمح باستئناف المفاوضات، مثل انتخاب رئيس أميركي جديد، أو مجيء حكومة إسرائيلية جديدة، بالرغم من أن انتظار التغييرات الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية لا يؤدي إلى حدوثها، وإذا حدثت لا تأتي في صالح القضية الفلسطينية، بل  يغلب عليها السلبية.

في كل الأحوال، إن الاستفادة من التغييرات الإيجابية ودرء السلبية سيتوقف على وحدة العامل الذاتي الفلسطيني وفعاليته، وهذا غير متوفر.

  • لم تتضمن القرارات إلغاء "اتفاق أوسلو"، بل إنهاء المرحلة الانتقالية، وإعلان الانتقال من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة، من خلال اتخاذ القرارات الضرورية نحو الانتقال من السلطة إلى الدولة استتنادًا إلى حقوقنا الوطنية المشروعة، ولم يتضح مع ذلك: هل سيتم وقف أو تعليق كلي لهذه الاتفاقات، أو تعليق العمل بأجزاء منها، وخاصة التنسيق الأمني، إلى أن تلتزم إسرائيل بها؟
  • استنادًا إلى النقطة السابقة، فإن القرارات على أهميتها البالغة لم تتضمن قطع الحبل السري الذي يربط السياسة الفلسطينية بما سمي "عملية السلام" وخيار المفاوضات الثنائية و"اتفاق أوسلو". وأكبر دليل على ما سبق أن القرارات تؤكد الالتزام بمرجعيات "عملية السلام"، وتحديدًا "مؤتمر مدريد"، و"مبادرة السلام العربية" و"خارطة الطريق" بالرغم من تجاوز الأحداث لـ"مؤتمر مدريد"، وموت "مبادرة السلام العربية" منذ ميلادها، ومن المستغرب تجديد التمسك بـ"خارطة الطريق"، لأن سقفها هابط عن الحقوق الفلسطينية ومرجعيتها الأساسية أمنية، إضافة إلى أن شارون وضع تحفظات عليها قضت على بعض النقاط الإيجابية التي تضمنتها، مثل المطالبة بوقف الاستيطان بما في ذلك التكاثر الطبيعي، وحولتها إلى "خارطة طريق" إسرائيلية.

ودليل آخر على تأجيل البت في الخيارات الفلسطينية الجديدة واستمرار المراهنة على الخيارات القديمة؛ أن الرئيس سيرسل رسائل، وسيقوم بزيارات، وسيدعو لجنة مبادرة السلام العربية إلى الانعقاد للحصول على دعمها، وإذا لم تدعم وطالبت بإبقاء الوضع على حاله فسيكون الموقف الفلسطيني محرجًا، فكيف سيمضي في تطبيق ما قررته القيادة الفلسطينية في ضوء ذلك؟ وفي المقابل، إذا لم يُطبِق هذه القرارات فسيضعف أكثر وسيفقد المزيد من مصداقيته الشعبية، الأمر الذي سيعمّق غياب المركز القيادي وحضور متزايد للأطراف وللاعبين جدد.

وقد يكون الانتظار مقصودًا، لأن تطبيق القرارات بالكيفية التي اتخذت بها بحاجة إلى وقت قد يطول، إذ لا يمكن التحكم بمواعيد من ننتظر ردودهم أو لقاءهم، وبعد أن نستمع إليهم ستبرز الحاجة إلى إعادة تقييم القرارات، وربما تنتهي هذه العملية بتغييرها، أو تعديلها، أو تأجيلها، فالأمر المقدّس الذي يعلو على أي شيء آخر هو بقاء السلطة وتوفير عوامل بقائها، لأنها بدأت بالانهيار في ظل توقف تام لما سمي زورًا وبهتانًا "عملية سلام".

  • إن تطبيق القرارات، أو حتى التلويح الجدي بتطبيقها، يستوجب استعدادات فلسطينية جدية تختلف عما نراه، فكل شيء بقي على حاله بعد إقرارها، فلم نلاحظ تشكيل خلايا أزمة تبحث وتستعد، لأن من أصدر هذه القرارات إذا كانت لديه نية لتنفيذها أو بعضها، فعليه أن يوفر متطلبات تنفيذها ويستعد لعواقبها. فإسرائيل لن تقف مكتوفة اليدين إذا تم وقف الالتزامات وتعاملت السلطة عمليًا بأنها دولة.

إن من يقرر الحرب عليه الاستعداد لها، وإلا فسيخسرها أو لا يقصد الوصول إليها أبدًا، فالمحافظة على السلطة في الضفة والقطاع تستوجب تجنب المجابهة الحقيقية مع الاحتلال.

  • هناك تناقض بين الدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في قرار، والدعوة إلى اعتبار اللجنة التنفيذية للمنظمة هي الحكومة في قرار آخر، إلا إذا كانت النية مبيتة لجعل فوارق زمنية طويلة بين تشكيل حكومة الوحدة واعتبار اللجنة التنفيذية هي الحكومة. وكذلك فهناك عدم انسجام في المهمات والصلاحيات والولاية القانونية بين اعتبار المجلس الوطني هو المرجعية للدولة الفسطينية بالرغم من أن الدولة حدودها الأراضي المحتلة العام 1967، بينما المجلس الوطني يمثل الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وخارجه.

إستراتيجية جديدة

المعضلة الكبرى في هذه القرارات أنها تتصور أو تُصَوِّر أن هناك إمكانية لتعديل بعض أسس "عملية السلام" ومواصلة الطريق لإقامة الدولة الفلسطينية، وأنها على مرمى حجر، ولكن هذه المرة من خلال وهم إمكانية فرضها من جانب واحد من دون نضال طويل يبدأ بتغيير قواعد اللعبة كليًّا، ويركز على النضال لتغيير الحقائق على الأرض وموازين القوى.

وهذا يظهر من خلال أشياء عدة، أبرزها: الدعوة إلى تجسيد الدولة على الأرض فورًا، وهو أمر بحاجة إلى وقت طويل وتوفير متطلباته، وإعطاء الأولوية لإقرار الدستور، مع أن إقراره يعني إمكانية توفر السيادة لدولة تتمكن من توفير حقوق المواطن حتى تطلب منه أداء واجباته، فالأولوية الآن هي لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها حركة تحرر وطني، عبر إقرار ميثاق وطني جديد يحفظ الرواية والحقوق التاريخية، ويحدد الأهداف والقيم المشتركة، ويأخذ الخبرات والمستجدات بالحسبان، وعبر إقرار برنامج يقوم على:

-  إنهاء إسرائيل لاحتلالها واستعمارها لكل الأراضي العربية (المحتلة العام 1967) وتفكيك الجدار.

-  الاعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين.

-  احترام وحماية ودعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم، كما هو منصوص عليه في قرار الأمم المتحدة رقم 194.

-  توفير مقومات الصمود والتواجد البشري والعيش الكريم للشعب الفلسطيني أينما تواجد، وخصوصًا على أرض وطنه.

إن الاختلال الفادح في ميزان القوى، خصوصًا في ظل الانقسام الفلسطيني والضعف والشرذمة والهوان العربي، وقيام الإدارة الأميركية بتعميق ارتباطها وزيادة دعمها لإسرائيل لتعويضها عن الاتفاق النووي الإيراني لضمان استمرار تفوقها العسكري؛ يجعل أي إمكانية لصدور قرار من مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال أو الحماية الدولية أو وقف وتفكيك المستوطنات أمرًا مستحيلًا.

لعل ما أعلن مؤخرًا من مواقف بأن الإدارة الأميركية اعتمدت سياسة مفادها أنه لا إمكانية للتوصل إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي، وأنه من الصعب حتى إجراء مفاوضات خلال الفترة المتبقية لها في الحكم، وأنّ أقصى ما يمكن تحقيقه هو الحفاظ على الوضع الراهن ومنع تدهوره؛ كل ذلك يؤكد أن الدولة لن تقام في القريب العاجل، ما يوجب التركيز على إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية والتمثيل ومؤسسات منظمة التحرير، على أسس وطنية وديمقراطية وشراكة سياسية حقيقية، وبما يؤدي إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، إضافة إلى وضع رؤية تنبثق منها إستراتيجية قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية.  فالوحدة الوطنية ضرورة لا غنى عنها، فهي ليست نقطة من النقاط، ولا يمكن تأجيلها كآخر نقطة، أو تطبيقها بالتوازي مع النقاط الأخرى مثلما جاء في القرارات.

إن وضع إستراتيجية على هذا الأساس يكون الاستجابة المطلوبة للتحديات المطروحة، وطريق توفير مستلزمات الانتصار في المجابهة التي تفرضها إسرائيل على مصراعيها ولم يخترها الفلسطينيون، ولعل الخشية من هذه المجابهة هو ما يفسر التردد ومحاولة الجمع ما بين الماضي والحاضر على سطح واحد.

السيناريوهات المحتملة إزاء التعامل مع قرارات اللجنة التنفيذية

السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن أكثر أو أقل قليلًا، بحيث تبقى هذه القرارات بالنسبة للقضايا الأساسية كما هي، ويتم الانضمام إلى مؤسسات دولية أخرى، وتسريع الخطوات في المحكمة الجنائية الدولية، وبناء فريق عربي ودولي لطرح إمكانية إنشاء نظام خاص للحماية الدولية للشعب الفلسطيني على أراضي دولة فلسطين، واتخاذ إجراءات قد تكون مهمة ولكن لا تصل إلى تغيير قواعد اللعبة التي حكمت العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية منذ توقيع "اتفاق أوسلو" وحتى الآن.

هذا الاحتمال وارد أكثر إذا تم استئناف المفاوضات برعاية دولية يشارك فيها العرب، وهذا مستبعد الآن بعد الإعلان عن الموقف الأميركي الجديد من المفاوضات، ووارد في حال أقنعت إدارة أوباما حكومة نتنياهو باتخاذ مبادرات حسن نية إزاء الفلسطينيين، وعدم اتخاذها خطوات تقضي على ما تبقى من وهم بخصوص ما يسمى "حل الدولتين".

كما أن هذا السيناريو سيكون هو الترجمة المرجحة لتنفيذ القرارات الفلسطينية في ظل أن الغائب الأكبر في الطرح الرسمي الفلسطيني هو الجواب عن سؤال: كيف ستُفرض السيادة ويجري الانتقال إلى الدولة؟ وهذا الغياب لأمر حاسم يعكس عدم الجدية، وأن ما يجري أقرب إلى شراء الوقت وغياب الخيارات الفعلية منه إلى أي شيء آخر.

السيناريو الثاني: تدهور العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية بشكل كبير، خصوصًا إذا استمرت الموجة الانتفاضية الحالية وتصاعدت أكثر، لا سيّما إذا تحولت إلى انتفاضة، أو إذا انهارت السلطة، أو تراجع دورها أكثر وأكثر، خصوصًا إذا نفّذت إسرائيل مخططها بإعادة تركيب السلطة لتكون أكثر طواعية لها مستعينة بخلق نوع من الفوضى.  فالرئيس أبو مازن لا يريد أن يستسلم لما تريده إسرائيل كليًّا، ولا يريد توفير مستلزمات المجابهة وإحباط مخططاتها، وهذا يفتح طريق العمل الإسرائيلي لإضعافه تمهيدًا لاستبداله وإيجاد خليفة له.

فما تسرّب من مقترح إسرائيلي حول توزيع مهمات الرئيس محمود عباس بحيث يبقى رئيسًا للسلطة، ويتم اختيار وانتخاب رئيس آخر لحركة فتح، وثالث للمنظمة، ورابع للحكومة؛ يذكرنا بما حدث من استحداث منصب رئيس الحكومة لإضعاف ياسر عرفات على أساس "حق يراد به باطل".

إنّ خطورة ترجيح حدوث السيناريو الأول تكبر من كونه يمهد الطريق للسيناريو الثاني.

السيناريو الثالث: تبني إستراتيجية جديدة للكفاح الوطني الفلسطيني على أساس وحدة الشعب، بمختلف قواه وأفراده وكفاءاته وأطيافه، تغيّر عمليًّا وجذريًّا قواعد اللعبة المعتمدة منذ توقيع "اتفاق أوسلو".

وهذا السيناريو مستبعد على المدى المنظور، وهو يمكن أن يتحقق بشكل تدريجي ضمن عملية تاريخية، خصوصًا إذا لم تسارع القيادة والقوى إلى التقاط زمام المبادرة وقيادة كفاح الشعب الفلسطيني، مما يلقي بالمسؤولية على عناصر وقيادات ومجموعات جديدة - من خلال تكاثر وتعاظم بوادر وإرهاصات لا تبادر إليها القيادات والقوى القائمة ولا تقاد من قبلها - تجسدت في الموجة الانتفاضية الحالية، وقبلها في حركة مقاطعة إسرائيل BDS، ولجان إحياء حق العودة، وتعاظم حركات التضامن، والنهضة الثقافية والفكرية التي يشهدها الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، والتي تعوض نسبيًا الانحدار السياسي، الذي يظهر في غياب المؤسسة الجامعة والقيادة الواحدة والبرنامج المشترك المستند إلى عقد اجتماعي جديد.

خلاصة لما سبق، فإن قرارات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي ستبقى في إطار التهديدات اللفظية أو ستطبق بشكل جزئي وانتقائي وتكتيكي من دون أن تحدث الأثر النوعي المطلوب؛ ما لم تتوفر قناعة وإرادة سياسية وآليات عمل واضحة تضمن تحققها، وهي غير متوفرة حتى الآن، بدليل استمرار الانقسام وتعمقه أفقيًا وعموديًا، وتبادل الاتهامات والتحريض الإعلامي، وحملات الاعتقال، ومنع تنظيم الاحتفال بذكرى استشهاد ياسر عرفات؛ بدلًا من إعطاء الأولوية للوحدة التي هي قانون الانتصار لأي حركة تحرر وطني.