شبكة قدس الإخبارية

الاحتلال يحل فتيل قنبلة الأقصى مجددا.. لماذا لا يحدث الانفجار؟!

أحمد العاروري

رام الله – خاص قُدس الإخبارية: يشهد المسجد الاقصى خلال الأيام الماضية تصعيدا هو الاعنف منذ سنوات، من حيث الاقتحامات والاعتداء على ما فيه ومن فيه أيضا، ما يذكر بواقعة اقتحام المسجد الاقصى من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ارئيل شارون عام 2000، التي جعلت الاقصى قنبلة انفجرت وأشعلت من حولها فلسطين بأكملها.

الاربعاء الماضي، زار بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال بلدات تسكنها اغلبية فلسطينية (شرقي القدس)، ثم تبعه بخطوة مماثلة وزير الامن الداخلي جلعاد اردان أمس الجمعة، ورغم أن هذه الجولات لم تشمل اقتحام الاقصى، إلا أن وزير الزراعة اوري ارئيل كان قد تولى هذه المهمة منتصف الاسبوع نيابة عن الجميع، ما يجعل أحداث اليوم شبيهة بالبارحة إلى حد كبير، إلا أن النتائج لم تكن كذلك.

ففي عام 2000 اندفعت الجماهير الفلسطينية في القدس والضفة وقطاع غزة وفي أراضي 48 بكل قوتها إلى الشارع، وانفجرت انتفاضة شعبية تدرجت من العمل الشعبي العفوي إلى العمل العسكري المنظم، أما هذه الايام فقد جاءت ردة الفعل خارج حدود القدس خجولة متواضعة، فما الذي تغيّر خلال 15 عامًا؟!

انهاك شعبي وعوامل محبطة

وتتعدد اسباب اختلاف الحال من وجهة راي مراقبين ومحللين، فيرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح عبد الستار قاسم، أن المجتمع الفلسطيني أصابه الإنهاك جرّاء عدة سياسات وبرامج اقتصادية وتربوية نفذّها الاحتلال طوال السنوات الماضية، مضيفًا، أن السلطة أنتجت أيضًا برامج تربوية وثقافة استهلاكية أسهمت في تحويل الأنظار عن "الهم الوطني" نحو "اهتمامات فارغة".

ويوضح قاسم، أن المجتمع الفلسطيني يعيش حالة من "التشتت"، تتعدى الانقسام السياسي بين فتح وحماس، لتخلق حالة من الشك الاجتماعي، سببّها تدخل الأجهزة الأمنية في كل شيء، بحيث أسهمت في خلق انطباع مفاده أن الكل تحوّل إلى "مندوب" للأجهزة الأمنية، وهذا الأمر يخنق اندلاع الانتفاضة التي تقوم أساسًا على التعاون والثقة والعمل المشترك.

ويعتقد الباحث في شؤون المقاومة ياسين عز الدين، بوجود اختلافين رئيسيين بين ظروف انتفاضة الأقصى والظروف الحالية؛ ففي العام 2000 كانت قيادة السلطة الفلسطينية معنيّة باندلاع انتفاضة للضغط على الاحتلال، وهو ما لا يريده الرئيس أبو مازن حاليًا، ويرفض أي عمل فاعل على الأرض، مبيّنًا أن "الثمن الباهظ المدفوع في انتفاضة اﻷقصى، لا يزال ماثلًا في أذهان الكثيرين، ممن عاصروا تلك المرحلة".

أما الكاتب عادل سمارة رئيس تحرير مجلة كنعان، فيقول إنه في العام 2000 لم يكن وجه السلطة الحقيقي مكشوفا بشكل كبير كما هو اليوم، كما أن كثيرا من القوى لم تكن "مستسلمة لأوسلو"، معتبرًا أن "عدم انخراط عدد من القوى في الانتخابات، كان يولد أملًا في الشارع الفلسطيني، أمًا الأن فتم إسقاط السقف الوطني بشكل كبير".

ويضيف سمارة، بأن حالة "التقاسم" بين فتح وحماس، تدفع قطاعًا واسعًا من المجتمع لاعتزال العمل السياسي، فالكثير من العائلات الفلسطينية صارت تخاطب أبناءها بعبارات من قبيل:  "بتضيّع حالك"، وذلك لدفعهم لترك العمل النضالي.

فقدان القيادة

محمود خصيب، أسير محرر أمضى 9 سنوات في سجون الاحتلال، بتهمة العمل مع القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي، يقول من جانبه بأن الناس فقدت الثقة في التنظيمات الموجودة، وأن المواجهة مع الاحتلال فرّغت الشارع الفلسطيني من قيادات وازنة شكلت مظلة للشعب، لافتًا إلى أنه في العام ألفين حصلت مكاشفة بين الشارع والقيادة؛ فالمفاوضات فشلت ويجب اتخاذ خيارات أخرى في المواجهة.

ويقارن خصيب بين اندفاع الناس في بداية الانتفاضة للعمل بكل إخلاص واستعداد كبير لدفع الثمن، للخلاص من الاحتلال، وبين شعور عائلات الشهداء واﻷسرى والجرحى بالغبن والظلم في هذه الأيام.

ولا يذهب خصيب بعيدًا في تشاؤمه؛ فهو يرى أن "التجمعات والمسيرات الحالية تبعث على اﻷمل لعفويتها؛ حيث تتحرك دون أوامر تنظيمية".

قيود اقتصادية

ولان السياسة والاقتصاد عاملان متلازمان في كل وقت وكل مكان، فإنه لا يمكن الفصل بين اندلاع انتفاضة والاوضاع الاقتصادية في البلاد، وهذا ما أكده موقع "واللا" الإسرائيلي في تقرير له اليوم السبت، أكد فيه أن "التسهيلات" التي قدمتها "إسرائيل" من طرف واحد لأهالي الضفة ودون التنسيق مع السلطة الفلسطينية، كان لها دور مهم في منع أي حراك بالشارع الفلسطيني، خوفا من فقدانها.

وتوافق على هذه الفرضية، الصحفية الشابة إيمان أبو شلبك، والتي رأت أن "التسهيلات الوهميّة" التي يمنحها الاحتلال للشبّان وتتمثّل بالسماح لهم بدخول المدن المحتلة، شكّلت حالة من التحرر الوهمي، داخل العقل الباطن.

وتضيف إيمان، أن المشاكل الاجتماعية التي أظهرت مؤخرًا تزايد نسب القتل ومعدلات الانتحار، تعكس عمق الأزمة، فالشباب لا يسمع رأيهم، وتم إغراقهم بهموم ذاتية، أسهمت في تبدّل الأولويات لديهم.

لكن تسهيلات الاحتلال ليست وحدها العامل المؤثر، فيقول عبدالستار قاسم، إن نفسية المواطن الفلسطيني، هي "نفسية المتسوّل"، بسبب سياسة تسهيل القروض والمساعدات التي تنتهجها الحكومة، مضيفا، أن المتسوّل لا عزّة له، ولا يثأر لنفسه أو لمجتمعه.

ويقول عادل سمارة إن الثورات تتركز في الريف، أما الان فقد تحولت أغلب العناصر الشابة في الريف الفلسطيني لعناصر أمنية وموظفين، ولم يعد الريف منتجا كما كان في السابق، ما يمنع خروج أي حراك من مناطق واسعة في الضفة المحتلة.

ويعلق على المطالبات بخلق اقتصاد فلسطيني تحرري، قائلا، "لا نسمع إلا الكلام، ولا يوجد شيء حقيقي على الأرض، وبداية الشغل الحقيقي في تنمية الزراعة، وتكثيف العمل التطوعي".

أما الأسير المحرر خصيب فيقول، إن العامل الاقتصادي قبل سنوات لم يكن يشكل مانعًا للتحرك في وجه الاحتلال، "فالظروف الاقتصادية كانت صعبة على الغالبيّة الساحقة، فيما كانت أقليّة صغيرة تتمتع برفاهية عالية".

رغم ذلك؛ "إسرائيل" خائفة

تقرير موقع "واللا" المذكور أعلاه، كشف عن تحذيرات من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية من انفجار في الضفة، نتيجة تدهور الوضع الامني في القدس، مبينا، أن هذه الاجهزة أوصت بتخفيف التوتر في المسجد الاقصى.

ويقول الموقع، إن الاحتلال نجح في عزل الضفة عن القدس خلال السنوات الماضية بأساليب مختلفة، من بينها "التسهيلات" التي قدمها مؤخرا، لكن "حدثا إرهابيا" واحدا من شأنه أن ينهي هذه العزلة ويدمر التوازن ويعيد ربط المواجهات بين القدس والضفة، مبينا، أن هذا الحدث قد يكون إلغاء التنسيق الامني مثلا.

ويشير إلى اندلاع مواجهات في البلدة التابعة للقدس خارج الجدار (ابوديس، العيزرية، حزما وغيرها)، وذلك نتيجة إهمال بلدية الاحتلال في القدس من جهة والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى لهذه المناطق، مضيفا، أن الامن الاسرائيلي قرر عدم تصعيد عملياته في هذه المناطق لتجنب انتقال المواجهات فيها إلى بقية مدن الضفة.

تجدر الإشارة إلى أن الضفة شهدت أمس مواجهات عنيفة في مختلف المناطق، أدت لإصابة العشرات بالرصاص الحي والمطاطي، وإصابة المئات بحالات الاختناق، وذلك بعد الدعوة لجمعة غضب نصرة للمسجد الاقصى والقدس، إلا أن وتيرة المواجهات في الضفة ظلت أضعف مما حدث في القدس أمس وفي الايام الماضية.