شبكة قدس الإخبارية

نتنياهو إذ يكشف أميركا في كذبة "حل الدولتين"

هيئة التحرير
عبلد الوهاب بدرخان: شهدت "إسرائيل" الأسبوع الماضي، علناً وعلى رؤوس الأشهاد، أكبر احتفال واحتفاء بالتطرف كـ «ميزة وطنية» لصيقة بشخصية المجتمع، إلى حدّ أن تهمة جديدة قد تُوجَّه إلى منتقدي "إسرائيل" بأن معاداة تطرّفها مساوية لـ «معاداة السامية» أو أنها وجه آخر لها. لم يجد بنيامين نتنياهو سبيلاً آخر لتعزيز حظوظه الانتخابية إلا بالعزف بقوّة على وتر العنصرية، وقد أظهرت الانتخابات أن نزوله إلى هذا المستنقع العفن صعد به إلى ذروة الانتصار، حاصداً من مقاعد الكنيست أكثر بكثير مما كان يطمح إليه. فاز زعيم «ليكود» ليقوم بالمزيد من الشيء نفسه، أي تجاهل احتلال "إسرائيل" للأرض الفلسطينية كأنه غير حاصل، وتجاهل الشعب الفلسطيني كأنه غير موجود. لا عزاء لمن راهنوا على عودة رمق من «العقلانية» إلى السياسة الإسرائيلية. كان صعود التيار اليساري، المنضوي فيما سمي «المعسكر الصهيوني»، مجرد سراب ووهم أسهمت استطلاعات الرأي في تلفيق انتصار مؤكّد له، وكذلك في شحذ غرائز ناخبي اليمين. برهن نتنياهو أن واقع المجتمع وحقيقته مستقرّان في يده ويحرّكهما كيفما يشاء. نسي المحللون أن تصلّب هذا المجتمع وتطرّفه هما اللذان دشّنا موجة التشدد الراهنة في كل الشرق الأوسط. وفي أجواء كهذه تكفي كلمة واحدة، ويكفي تحذير واحد واضح، لإحداث أكبر تأثير، ولم يضطر زعيم «ليكود» للتنقيب بعيداً عن أفاعٍ نادرة لإخافة جمهوره بل أمكنه أن يقول فقط إن العرب و «داعش» شيء واحد و«إذا انتخبتم خصومي فستجدون العرب «داعش» في حكومتكم»... كان نتنياهو اختار المخاطرة بالذهاب إلى انتخابات مبكّرة بعدما ازدادت عليه ضغوط الشارع بسبب الأزمة الاقتصادية، وكذلك ضغوط حلفائه في الائتلاف الحكومي، بسبب تعارض مصالحهم الخاصة ومصالح أحزابهم في شؤون داخلية، مالية واجتماعية وخدماتية، فضلاً عن ضغوط دولية بدأت غداة انتهاء حرب غزة وواكبت الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به السلطة الفلسطينية. اعتقد خصومه اليساريون أن تركيزهم على إيجاد حلول للمسائل الداخلية سيكون له صدى جيّد لدى الناخبين، وتلقوا فعلاً استجابة وتفاعلاً من جانب الرأي العام، بل إنهم لعبوا أيضاً لعبة اليمين عندما جعلوا من القضية الفلسطينية شأناً ثانوياً. وكان نتنياهو يتطلع إلى أن تساعد الانتخابات في خلط الأوراق وتغيير التوازنات السياسية، ورغم الاهتمام الانتخاب الذي أولاه لمطالب المجتمع التي عجز (وسيعجز) عن حلّها، إلا أنه ارتأى أن يغير استراتيجيته عشية الاقتراع. كانت تلك مجازفة لكنها نجحت. كان أفيغدور ليبرمان سبّاقاً في إلهاب غرائز الإسرائيليين و«استدعاشهم» عندما صنّف عرب الـ48 بـ «من هم معنا ولا بدّ أن يحصلوا على «كل شيء» ومن هم ضدّنا ويجب رفع الفأس لقطع رؤوسهم»، مستبعداً أي تسوية «ثنائية» لمصلحة «تسوية إقليمية شاملة» في إشارة إلى «الخيار الأردني». وما لبث نتنياهو أن زايد على عنصرية وزير خارجيته في تخويف الناخبين من تحالف اليسار مع العرب، لكنه فضّل استخدام سكين لقطع رأس أي تسوية أو سلام من أي نوع مع الفلسطينيين، وعدا لاءاته الثلاث للانسحاب (من الأراضي المحتلة) وللتنازل ولتقسيم القدس، فإنه كان بالغ الوضوح في مسألتين: «سنواصل الاستيطان» و«لن تكون هناك دولة فلسطينية ما دمت في السلطة». وكان وزير دفاعه موشي يعالون اعتبر أن «حل الدولتين غير قابل للتنفيذ» ولا يمكن الاتفاق عليه في إطار أي تسوية سياسية. بعد الاستقبال الفاتر لفوز المتطرفين في الانتخابات، حتى من جانب الإدارة الأميركية التي لم تنسَ تحدّي نتنياهو لها في الكونغرس، ظنّ كثيرون أن نتنياهو انزلق في الكلام مدفوعاً بحماسة انتخابية بحتة. لكنه كان يتحدّث عملياً عن نتائج سياسات حكومتيه السابقتين اللتين فعلتا كل ما يلزم لقتل «حل الدولتين»، وبالتالي لم يبقَ سوى نعي هذا الحل رسمياً. أي أن نتنياهو كان يبلغ ناخبيه عنوان برنامج حكومته المقبلة التي ستكون مشابهة لتلك التي يقودها حالياً، حتى إنه لم يبدِ أي تفكير في ائتلاف مع خصومه الذين خسروا الانتخابات وحلّ تكتلهم في المرتبة الثانية. فهؤلاء ليسوا «حمائم سلام» يناقضون صقوريته، وإنما هم واقعيون ويعتقدون بأنه يجب التعاون مع واشنطن والبحث عن حل مع العرب. وهاتان مسألتان ذهب نتنياهو بعيداً في إفسادهما، فالعلاقة مع إدارة باراك أوباما متدهورة والمفاوضات مع الفلسطينيين مجمّدة والعزلة الدبلوماسية ل"إسرائيل" لا تنفكّ تزداد. لم يصدّق أحد عندما قالت إدارة أوباما إنها ستراجع نهجها حيال "إسرائيل"، وبالأخص في مجلس الأمن، ما يعني أن أميركا قد لا تستخدم «الفيتو» ضد أي إدانة لـ"إسرائيل"، وضد قرار يعترف بـ «دولة فلسطينية»، وضد قرارات أخرى مزعجة كإحالة شكاوى فلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية. لا أحد يصدّق أن أوباما يمكن أن يجتاز عتبةً كهذه، لأن حزبه سيمنعه. فالقول إن الولايات المتحدة تستنكر اللغة العنصرية تجاه العرب، وأنها تدافع دولياً عن "إسرائيل" بناء على التزام «مشترك» بـ «حل الدولتين»، وما دام نتنياهو أخلّ به فإنه يضطر واشنطن إلى مراجعة سياستها، هو ببساطة قولٌ مضللٌ. فاللغة العنصرية سائدة في ممارسات نتنياهو وعصابته منذ أعوام، ولو كانت أميركا ملتزمة فعلاً بـ «حل الدولتين» لكانت لوّحت منذ زمن بـ «مراجعة نهجها»، أقلّه لمنع حكومة المتطرفين الموتورين من ارتكاب كل هذه الجرائم والانتهاكات التي تغتال يومياً مقومات الدولة الفلسطينية لمنع إقامتها. كل ما في الأمر أن إدارة أوباما أرادت من جهة أن تردّ على تجييش نتنياهو الكونجرس ضدّها، وأن تحذّره من جهة أخرى إلى أنه اختار توقيتاً سيئاً لكشف كذبة «الدولتين» التي تشكل ورقة توت لتغطية السياسة الأميركية.