شبكة قدس الإخبارية

آذار...الكرامة......الأم

راسم عبيدات

آذار شهر تزهر فيه الأزهار والأشجار...شهر تستمع فيه العائلات والأسر بطبيعته الخلابة.....تسافر وتخرج في رحل جماعية ....هناك إلى الجذر الفلسطيني في المثلث والجليل....في حيفا ويافا .....في عكا وصفد ورأس الناقورة...حيث فلسطين هي جنة الله على أرضه....مناظر جذابة وخلابة وآثار لشعوب وأقوام تعاقبت على هذه البلاد... وذكريات وتجديد على العهد بالعودة لمن طردوا وهجروا قسراً من أرضهم وبيوتهم بفعل العصابات الصهيونية....

مفاتيح تحمل في الصدور وتسلم من جيل إلى جيل لتؤكد بأن حق العودة لن يسقط بالتقادم ولن تلغيه لا قرارات ولا مبادرات ولا مؤامرات، حق جمعي وفردي وتاريخي وقانوني...وأناشيد وأهازيج وطنية...وشرح وتذكير للأطفال بأن هذه فلسطين غزتها العصابات الصهيونية تحت شعار خادع ومضلل "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، فهذه الأرض لها شعب عمره يمتد لآلاف السنين.

في آذار كانت الكرامة...تلك المعركة التي خاضتها مقاومتنا الفلسطينية إلى جانب الجيش الأردني ولتحقق فيها نصراً استعادة جزء من الكرامة العربية والفلسطينية المسلوبة... بعد هزيمة نكراء مني فيها العرب في حرب حزيران/ 1967- حرب الأيام الستة، لم يستعد لها العرب ويحشدوا سوى في الإعلام و"الجعجعات و"العنتريات" لتكون الطامة الكبرى ضياع ما تبقى من فلسطين وجزء من أراض ثلاث دول عربية أخرى.

معركة الكرامة كانت نقطة تحول على صعيد النضال الوطني الفلسطيني، حيث أن الفلسطينيين قد تولوا زمام أمورهم، وتلك المعركة أثبتت للقاصي والداني بان جيش الاحتلال الذي لا يقهر، قد قهرته مجموعة مناضلين امتلكوا الإرادة وآمنوا بأن طريق عودتهم وحريتهم، لن تكون إلا عبر هذه البوابة، تلك المعركة شكلت بروفا لنصر عربي قادم تحقق في حرب تشرين/1973، وكذلك سلطت الضوء على القضية الفلسطينية عربياً وعالمياً، بان هناك شعبا طرد وشرد من وعن أرضه قسراً، وهو لن يتخلى عن حقوقه طال الزمن او قصر، معركة تقاطر فيها المنتسبين والمنتمين للعمل الوطني الفلسطيني بفصائله المختلفة من مخيمات شعبنا في أرض اللجوء، ومن مختلف البلدان العربية، حيث كان العرب يعتبرون فلسطين قضيتهم الأولى، ومعيار وطنية أي نظام عربي هو وقوفه إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني وثورته وقضيته العادلة.

معركة الكرامة هي من صنعت وأوجدت للفلسطينيين مكانة في المحافل العربية والدولية، هي من جعلت العرب يعترفون بأن منظمة التحرير الفلسطينية، بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي من أوصلت القائد الراحل الرئيس أبا عمار ليخاطب العالم في عام 1974 من على منصة الأمم المتحدة كزعيم للشعب الفلسطيني.

في آذار من كل عام تحتفل كل نساء العالم بعيد الأم، تقديراً للأم وما تقدمه وما تبذله وما تقوم به من تضحيات وخدمات وجهود في سبيل عزة ورفعة مجتمعاتها، عبر خلق وبناء أجيال تلعب دوراً فاعلاً في تغيير واقع مجتمعاتها والنهوض بها نحو مستقبل أفضل، يوفر لشعوبها حياة كريمة.

فالأم هي اللبنة الأساسية في بناء الأسرة والمجتمع، فهي من تتحمل المسؤولية الأولى في التربية والتنشئة والتعليم، والتضحية في سبيل أن يكون هناك مستقبل واعد لأبنائها في الحياة والمجتمع.

ولكن حال الأم الفلسطينية يختلف عن حال أي أم أخرى في العالم، فهي استثناء على صعيد كل ما تقدمه، فهي لا تعرف طريقها للاحتفال بعيد الأم كباقي نساء العالم، فهناك الأم التي تصحو مع خيوط الفجر الأولى لكي تستقل الحافلة مارة بالكثير من حواجز الذل والإهانة، لكي تزور أبنها في إحدى سجون الاحتلال الإسرائيلي، رحلة عذاب حقيقي تمتد من ساعات الفجر الأولى ولتنتهي في ساعات متأخرة من الليل، وليس هذا فحسب فهناك الأمهات الفلسطينيات اللواتي فقدن أبنائهن شهداء في مسيرة الكفاح والنضال والحرية، يذهبن للمقابر لوضع أكاليل العز والغار على قبور أبنائهن الشهداء، وهناك من فقدت زوجها شهيداً تكابد صعوبة العيش والحياة من اجل تربية أطفالها، وهناك من فقدت زوجها وبيتها بفعل العدوان الصهيوني، كما هو الحال مع الكثير من نساء شعبنا في قطاع غزة، حيث تفترش الأرض وتلتحف السماء، تحت سمع وبصر المتشدقين بحقوق الإنسان والديمقراطيات الزائفة.

وهناك من تنتظر منذ عشرات السنين أن تكحل عينيها برؤية ابنها الأسير، وتحلم بضمه إلى صدرها قبل أن تغادر هذه الدنيا، وهناك من تنتظر عودة ابنها من منفاه القسري لنفس الغاية والغرض، وهناك أيضاً الأم الفلسطينية القابعة خلف قضبان سجون الاحتلال، والمحرومة من ضم أطفالها إلى صدرها واحتضانهم.

ولا ننسى كذلك الأم التي تكدح من الصباح إلى المساء في ظل ظروف اقتصادية صعبة، لكي توفر لأبنائها الأطفال لقمة العيش بعزة وكرامة وتقيهم شر العوز والجوع والتسول والوقوف على أبواب جمعيات الذل والإعانة، وهناك الأم التي كانت ضحية قوانين وتقاليد اجتماعية بالية تجعلها تعاني من الاضطهاد وتكبل حريتها وحركتها تحت عنوان أنها أضحت أرملة، ولا يحق لها أن تمارس حياتها الطبيعية، وهناك أمهات فقدن حياتهن بسبب شكوك وإشاعات مغرضة أو اتهامات باطلة وملفقة.

ولا ننسى الأم الفلسطينية المرابطة في المسجد الأقصى المدافعة عن مقدساتنا وحمايتها من الاقتحامات الاستيطانية المتكررة، والتي تتعرض للضرب والإهانة والإبعاد والاعتقال، فهؤلاء هن ماجدات فلسطين، وكذلك الأم الفلسطيني التي تحمي طفلها بجسدها،لكي تمنع اعتقاله وإرهابه من قبل عدو غادر يتسلل مع ساعات الفجر الأولى لانتزاعه من حضنها واعتقاله.

الأم الفلسطينية تتحمل الكثير الكثير، والتضحيات التي قدمتها وتقدمها، لم تقدمها أي أم أخرى في العالم، فهي ليس فقط تستحق التكريم في مثل هذا اليوم والاحتفاء بها، بل لو منحت الكثير من الأوسمة والنياشين وكل شهادات التقدير، فهي لن توافيها حقها وتقديرها.

وفي عيد الأم....في آذار شهر الربيع والأزهار والأقحوان...في آذار نوجه كل التحية إلى كل نساء شعبنا الفلسطيني، هؤلاء النساء اللواتي يصنعن فجراً لحرية قادمة، إلى أم الشهيد....إلى أم الأسير...إلى زوجة وأخت الشهيد والأسير...إلى الأم المناضلة بعرقها والكادحة بجهدها لتصنع فجراً لأطفالها.. إلى الأمهات اللواتي يتقدمن الصفوف في المسيرات والاعتصامات للدفاع ليس عن حقوقهن فقط، بل من اجل التضامن مع أبنائهن في سجون الاحتلال، ومن أجل الدفاع عن حقوق وثوابت شعبهن.

كل آذار ونساء امتنا العربية وشعبنا الفلسطيني بألف خير..كل آذار وهن يتقدمن الصفوف ويصنعن فجراً لحرية قادمة...ستشرق شمسها على ربوع فلسطين، وكل البلدان العربية المغتصبة والتي تتعرض نساؤها على وجهة التحديد للقتل والاغتصاب والبيع في سوق النخاسة على يد تتار القرن الحادي والعشرين من عصابات مجرمة تتلفع وتتستر بالدين.