شبكة قدس الإخبارية

بين وهم السلطة ووهم الدولة

هيئة التحرير

كتب: إبراهيم أبوعتيلة

منذ أن تم توقيع اتفاقية أوسلو بتاريخ 13 أيلول سبتمبر /1993 واختلاق ما سُمي بالسلطة الوطنية الفلسطينية على بعض من الأراضي الفلسطينية التي أُحتلت سنة 1967 بدلاً من تسميتها بسلطة الحكم الذاتي الواردة في اتفاقية الشؤم المذكورة ونحن نلاحظ تراجعاً وتدهوراً في الحركة الوطنية الفلسطينية إذ تعتمد السلطة في بقائها وفي أغلب الأحوال على تدفق المنح والمساعدات وبما انعكس ايجاباً على حالة رجالاتها وتحسن في دخول موظفيها على حساب الهم والحلم والهدف والمقاومة ، فقد فعل المال والامتيازات المرتبطة به فعلهما ساندهما في ذلك بأن السلطة قد عملت بكل امكاناتها شرطيةً لدى سلطات الاحتلال تقمع وتضرب وتكمم الأفواه منسجمة بذلك مع ما نصت عليه اتفاقية الشؤم والذل والعار من نصوص تتعلق بانصياع السلطة  لقرارات الاحتلال وتوجيهاته لضمان وأد أي حركة شعبية قد تتطور الى انتفاضة وثورة تقض مضاجع سلطات الاحتلال ، كل ذلك يجري ورجالات سلطة رام الله يتباهون ويتشدقون بامتيازاتهم مصورين للبعض بأنهم على درجة من السطوة والنفوذ تلك السطوة وذلك النفوذ الذي لا يتجاوز ما نسبته 18 % من اراضي الضفة الغربية أو ما اصطلح على تسميته في تلك الاتفاقية بمناطق (A  ) فوفقاً للاتفاقية فقد تم تقسيم أراضي الضفة الغربية لثلاث مناطق كما يلي:-

مناطق A: وهي المناطق التي تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة (أمنيًا وإداريًا) وتبلغ مساحتها 1005 كيلو متر مربع أي ما نسبته 18% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.

مناطق B: وهي المناطق التي تقع المسؤولية فيها عن النظام العام على عاتق السلطة الفلسطينية، فيما تمارس سلطات الاحتلال السلطة الكاملة على الأمور الأمنية، وتبلغ مساحة هذه المناطق  1035 كيلو متر مربع ، أي ما نسبته 18.3% من مساحة الضفة الغربية الإجمالية.

  مناطق C: وهي المناطق التي تقع تحت السيطرة الكاملة لسلطات الاحتلال ، وتشكل 61% من المساحة الكلية للضفة الغربية.

ولو اضفنا لتلك المساحة مساحة قطاع غزة البالغة 360 كم مربع فسنصل إلى ما نسبته 5% تقريباً من اراضي فلسطين التاريخية هي إجمالي المناطق الخاضعة سكاناً وليس أرضاً للسيطرة الفلسطينية –3.7% في الضفة الغربية و 1.33 % في قطاع غزة -  وبسيطرة فلسطينية منقوصة أرضاً وشؤون سكان على 3.8% وهي أراضي الجزء B ، أي أن المساحة التي أصبحت تحت سلطة الاحتلال المطلقة 91 % يضاف إليها ما نسبته 4 % تقريباً من اراضي فلسطين التاريخية يسيطر عليها الاحتلال سيطرة أمنية كاملة ، وباختصار فقد عمقت وعززت اتفاقية الشؤم والذل الشهيرة باتفاقية اوسلو وجود الصهاينة في فلسطين ومنحتهم المزيد من الأرض بحيث وصلت المساحة التي يتحكمون بها بشكل مطلق إلى ما نسبته 91 % على اقل تقدير و 95 % كم هو واقع الحال بدلاً من نسبة 78 % من أراضي فلسطين التاريخية التي كان الصهاينة يتحكمون بها والتي أعلنوا فيها كيانهم البغيض من جانب واحد قبل أوسلو ، وبهذا تكون سلطة رام الله ومن وقع الاتفاقية مع الكيان قد اعترفوا ليس فقط باسرائيل كدولة بل ومنحها المزيد من الاراضي صاحب ذلك تقليص الوجود والحق الفلسطينيين .

ولو أتينا إلى ما فرضه الواقع وما أثبتته الأحداث فإننا نصل إلى نتيجة مؤداها أن لا سلطة فعلية للفلسطينيين على أي جزء من أرض فلسطين التاريخية باستثناء سلطة محدودة جداً ومقلمة الأظافر في قطاع غزة وبنسبة 1.33 %من أراضي فلسطين التاريخية في الوقت الذي يمارس فيه الاحتلال كل ما يريد من بطش واعتقال وتهديد على كافة أراضي الضفة الغربية إذ يقرر من يدخل إليها ومن يخرج منها بمن فيهم رئيس السلطة نفسه ففي الضفة لا سلطة للسلطة على الأرض ولا سلطة للسلطة إلا على ابناء الشعب الفلسطيني تهديداً وترويعاً واعتقالاً .

وعلى الرغم مما نصت عليه الاتقاقية المشؤومة بضرورة التوصل إلى حل شامل يبدأ التفاوض بشأنه بعد توقيع الاتفاقية ، إلا اننا وبعد مرور عشرين عاماً ما زلنا نشهد مفاوضات عبثية لا يستفيد منه إلا سلطات الاحتلال ورجالات السلطة الذين ازدادوا ثراءً من بدلات السفر والإقامة في مناطق كثيرة من العالم فطاب لهم موضوع المفاوضات واصبح استمرارها هدفاً يحقق لهم أمانيهم في الثروة والجاه .

مناورات وخطابات وتهديدات نسمعها من رجالات السلطة مهددين بوقف التنسيق الأمني تارة وبحل السلطة تارة أخرى وبإعلان الدولة تارة ثالثة والكيان الصهيوني يرتع ويلعب في فلسطين على هواه ، يقابله في ذلك خلق نجوم إعلامية فلسطينية يتم تقديمها عبر وسائل الاعلام المختلفة ينظرون ويتشدقون بما لايمكنهم تحقيقه ، فبقاء التنسيق الأمني يضمن لرجالات السلطة البقاء فهؤلاء على دراية كاملة بأن ذلك الوقف سيعني بالضرورة تصاعد وتطور المقاومة وبروز قيادات جديدة تؤمن بالحق الفلسطيني وبتحقيق الأهداف المشروعة لهذا الشعب بدلاً منهم ، ويكونوا بذلك قد قاموا بإنهاء وجودهم بايديهم ، ويساوي ذلك بالنتيجة إعلانهم بحل السلطة ، وبالرغم من أن تلك السلطة لا سلطة لها إلا في المجالات الإعلامية إلا انها توفر لهم النجومية والتباهي وتصديق أنفسهم بأنهم متساوين مع غيرهم من الوزراء والسفراء الممثلين لدول العالم المختلفة ، فقد أطلقوا على أنفسهم ألقاب الوزراء وأطلقوا لقب السفراء على رؤساء مكاتب التمثيل وأصبح عدد سفاراتهم في العالم يضاهي عدد سفارات دول عظمى واصبحت تلك السفارت أماكن للسطوة والامتيازات وتحقيق كل شيء إلا الحق الفلسطيني ، الأمر الذي لن يسهل على رجالات السلطة حلها والرجوع إلى قواعدهم بين ابناء شعبهم " سالمين " .

وتبرز في الوقت الراهن صورة أخرى ، فهاهي أمريكا تحذر من حل السلطة لإنها تعي تماماً أن في حلها خلق جديد للقضية وانبعاث جديد للحق والثورة ، فبعد أن اوقف الصهاينة تحويل عائدات الرسوم والضرائب للسلطة ، بدأ الوضعها المالي يزداد سوءاً وقد يفرض نفسه على الرواتب والامتيازات ، فتأتي الولايات المتحدة لتحذر من ذلك مشددة على ضرورة بقاء السلطة مضيفةً بذلك لغماً جديداً في تحذيرها فحل السلطة في نظرها سيأتي بحركات الاسلام السياسي لتولي القيادة في الضفة الغربية كما هو الحال في غزة ، متناسيةً أن للشعب دوماً كلمته باختيار قادته ، فلولا الدعم المباشر وغير المباشر لبعض الفصائل على الأرض الفلسطينية لرأينا قيادة شعبية هناك تختلف عن سلطة اوسلو وعن حركات الاسلام السياسي.

وفي ذات الوقت يبرز سيناريو مسرحية أمريكية هوليودية جديدة ، فبالرغم من تحذير أمريكا وضرورة توفير المال للسلطة الفلسطينية ، أصدرت هيئة المحلفين في المحكمة الاتحادية الأمريكية في نيويورك، قبل يومين حكمها بتغريم السلطة الفلسطينية 218 مليون دولار في القضية التي رفعها مواطنون أمريكيون يحملون الجنسية الإسرائيلية ضد السلطة، حيث اعتبرت هيئة المحلفين في حكمها أن السلطة الفلسطينية “مسئولة عن هجمات شنها فلسطينيون ضد مواطنين أمريكيين بداية الانتفاضة الثانية من تاريخ 2001 حتى 2004 وبحسب قرار الإتهام الذي أصدرته هيئة المحلفين، فإن السلطة الفلسطينية قامت بـ”دعم ورعاية وتدريب المتورطين في تلك الهجمات، كما قامت بتقديم دعم مالي إلى أسرهم وعائلاتهم بعد ذلك، وبالتالي فهي مسؤولة عن وقوع تلك الهجمات ، ولعل في ذلك تلويح بتهديد جديد فإن لم تخضع السلطة في رام الله بشكل أكبر للصهاينة ولأمريكا فإن الدعم الأمريكي أو الدعم الموجه من أمريكا سيتوقف لحين قيام السلطة في رام الله بدفع تلك الغرامة وسيكون القضاء الأمريكي لهم بالمرصاد .

وفي هذا الظلمة الحالكة ، يخرج علينا من يسوق بأن تقوم السلطة في رام الله بإعلان الدولة الفلسطينية مبررين ومعللين ومجملين ذاك الإعلان ، ولكن ، ألا يتوجب أن تكون لتلك الدولة سيادة ، ألا يتوجب أن يكون لها حدود معترف بها ، وعاصمة معتمدة ، فهم يقولون أن في إعلان الدولة مكاسب جمه إذ سيحرر ذلك الاعلان الدولة من كل الارتباطات والاتفاقيات الموقعة بين السلطة والكيان الصهيوني، وستحدد تلك الدولة عاصمتها حتى لو كانت عاصمة مغتصبة وتحت الاحتلال ، وأقول ، أولا يستلزم ذلك الإعلان وجود آلية واضحة لتحقيقه غير قرارت الجمعية العامة التي مضى على قرارها رقم 194 ما يزيد على ستين عاما ، أم انهم بإعلان الدولة سيقومون بنقل الشعب الفلسطيني ومن كذبة السلطة ووهمها إلى دولة لا توجد إلا على الورق ... ألم يحن الوقت لإعادة النبض لروح لمقاومة وتعزيزها باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي تكفل طرد الاحتلال فتجاربنا وتجارب شعوب العالم كثيرة وتثبت ذلك في كل لحظة ... وهنا أقول ... لتعتزل سلطة رام الله العمل ولتتنحى جانباً تاركةً المجال للشعب لقول كلمته دونما خوف أو رهبة ودونما دولارات مغموسة برائحة بيع الحق والوطن .....

نشر سابقًا في وكالة وطن للأنباء - فلسطين