شبكة قدس الإخبارية

أيها المحتفلون.. عدنا لأيام الغضب!

براء القاضي

على صوت الموسيقى الشعبية الصاخبة "الزمر" دخل الفنان الأردني حسين السلمان المسرح، حيا الجمهور المتحمس و حيا الشعب الفلسطيني الشقيق وختم كلامه المقتضب: "و تحية للشهداء الأبطال نسمعلهم كف" وبدأ بغناء أغان وطنية وسرعان ما تحول إلى أغنية "مريعية يا البنت مرعية، مرعية يا البنت وبلا راعي"، و عند بلوغه هو و الجمهور لذروة الحماسة بدأ بغناء الأغنية المشهورة التي غناها لملك الأردن "يا بيراقنا العالي عبد الله الثاني يا بيراقنا العالي".

قبله بقليل، و عند بداية الحفل الغنائي الذي يندرج تحت أسبوع فلسطين التراثي الذي يقيمه مجلس طلبة جامعة بيرزيت كل عام، وقف الجمهور دقيقة صمت لروح شهداء القدس ثم ألقى رئيس المجلس كلمة افتتاحية قال فيها إن الحفل هو تحدٍ لإرادة الاحتلال في تنغيص حياتنا، فالشعب الفلسطيني إذا قرر النضال سيناضل، وإذا قرر الفرح سيفرح، وإذا قرر سيقض مضاجع دولة الاحتلال، وإن هذا الكلام يتجسد بكلمة واحدة هي "القدس"، "وختم كلامه بهنيئاً لنا الفرح بالدم الصهيوني الحقير"، (مشيرا الى عملية قتل المستوطنين داخل كنيس في القدس).

افتتح الحفل الفنان الفلسطيني قاسم النجار، التزم النجار بالأغاني والمواويل الوطنية، وقبل أن يبدأ بالغناء أراد تحميس الجمهور فقال لهم نحن هنا لنغني ونهتف للأقصى وروى لهم قصة محاورته لنتنياهو في الحلم ثم صرخ بصوت حماسي "إلي بحب الشهدا يسمعنا صوتو" وبدأ بالغناء، وعند وصوله لذروة الحماس صرخ مجدداً: "إلي بحب أبو عمار والياسين وأبو مصطفى يسمعنا صوتو.. شباب وصبايا إيدينا لفوق يلا..بدنا الزقفة توصل يسمعوها أهل القدس".

أسبوع فلسطين التراثي، هو أسبوع ينظمه كل عام مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت ويذهب ريعه لصندوق الطالب، يتضمن فعاليات تراثية وثقافية ووطنية وترفيهية، هذا العام تزامن أسبوع فلسطين مع اشتعال الأحداث في كل فلسطين و انفجارها في مدينة القدس لتصل إلى نقطة اللاعودة ومعلنة انتفاضة فلسطينية جديدة.

في بداية الأسبوع انسحبت لجان الكتلة الإسلامية في مجلس الطلاب من المشاركة بسبب عدم ملائمة النشاطات لمبادئ الكتلة وللظروف الراهنة، ثم لحقت بها لجان القطب الطلابي التابعة للجبهة الشعبية وانسحبت أيضا من المشاركة في الحفل الغنائي بسبب عدم ملائمة الظروف.

بقيت لجان حركة الشبيبة الطلابية التابعة لحركة فتح، مبررة بقائها واستمرار الحفل الغنائي بعدة أسباب منها أن ريع الحفل سيعود لصندوق الطالب وإنهم سيقومون بالتبرع لأهالي شهداء القدس المهددة بيوتهم بالهدم، وبأن الحفل سيقتصر على الأغاني الوطنية وسيتم منع الجهور من الرقص، وأيضاً بسبب الشرط الجزائي بقيمة 10,000 دولار في عقد الفنان الأردني حسين السلمان وتكاليف غير مستردة أخرى بنفس القيمة تقريباً.

لأجل كل هذه الأسباب والذرائع أقيم الحفل الغنائي، وحاول المنظمون كل جهدهم أن يصبغوه بطابع وطني داعم للانتفاضة في القدس وليخرجوه بشكل أو بآخر متماشيا وحجم التضحيات لأهلنا هناك، ولكن محاولاتهم باءت بفشل ذريع.

بشكل عام، نحن الفلسطينيون لا شيء يدعونا للبكاء على شهدائنا، فهم الأبطال وهم الأحياء وهم منارات الطريق التي نسير بها أملاً بالحرية أو اللحاق بهم ونيل هذا الشرف العظيم، لكن الشيء الحقيقي والأهم الذي يزرعه فينا الشهداء ويروونه بدمائهم الطاهرة هو الغضب، مع كل شهيد يرتقي منا نبتسم فرحاً لما ناله من شرف، ونلتهب غضباً وننشد الثأر ما استطعنا من رؤوس ودماء قاتلينا، يحاول البعض تحويل هذه المعادلة إلى معادلة سخيفة حقاً تتلخص في جملة قالها أحدهم مدافعاً عن الحفل الغنائي "إحنا من حقنا نفرح مش دايماً حزن حزن".

لم يتوقف الشعب الفلسطيني يوماً عن الفرح وعن محاولة عيش حياته بصورة طبيعية رغم حجم المآسي وهول التضحيات التي يقدمها منذ الأزل، ولكن ما معنى أن نصفق لدماء الشهداء وأن نرفع أيادينا عالياً لأننا نحب الياسر والياسين وأبو علي مصطفى، كيف نسمح أن يقف أحدهم في حفل نقول أنه باسم الشهداء ولدعم انتفاضة القدس ويغني لبطولات العائلة الهاشمية الأردنية؟!، ما معنى أن نسمع أهل القدس صوت تصفيقنا في حفل غنائي وهم يعيشون الآن الانفجار بذاته، وكأننا نقول لهم انتبهوا لنا وانظروا جيداً نحن نحي حفلا غنائياً لدعمكم في حربكم وانتفاضتكم!

نعيش اليوم أياما سيكتبها التاريخ بلون الدم، أيام غضب وثأر وكرامة لا تحتمل أي شيء آخر، ما كان مسموحاً ومقبولا في السنوات الماضية من احتفالات ومهرجانات وكل الفعاليات تحت مبدأ "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" سيضحي اليوم تنكراً لدماء الشهداء وخذلاناً للثائرين على هذه الأرض وتخلفاً عن الاندماج في المعركة القائمة، سيكتب التاريخ كل شيء بالتفصيل ولن يرحم أحداً، وكلي يقين بأن جامعة الشهداء جامعة بيرزيت لن ترضى إلا أن تشارك مشاركة حقيقية في كتابة تاريخ هذا الشعب الجبار وأن ما حدث بالأمس ما هو إلا خطأ مارق وليس نهجا جديداً لهذه القلعة الوطنية.