شبكة قدس الإخبارية

انتخابات الجامعات الفلسطينية: كأنّ المصالحة حصلت ولم تحصل

نائلة خليل

عكست نتائج الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت، يوم الأربعاء، وهي أول انتخابات طلابية منذ انقسام العام 2007، المشهد السياسي الفلسطيني، فبقيت الحركتان تستأثران بأصوات الطلاب، في ظل تراجع غير مفاجئ لليسار الفلسطيني.

وترى كلا الحركتين في انتخابات بيرزيت، رام الله، ثاني أكبر الجامعات الفلسطينية، مؤشرات على حيوية نشاطهما حركتهما وقدرتهما على حصد الأصوات، ليس على مستوى القاعدة الطلابية حالياً فحسب، بل أيضاً على مستوى الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني المرتقبة، لا سيّما وسط أجواءٍ من "الديمقراطية" بين الحركتين فرضتها أجواء انهاء الإنقسام الذي بدأ خطواته العملية في 23 إبريل/نيسان الماضي. وأسفرت نتائج الانتخابات في جامعة بيرزيت عن فوز "حركة الشبيبة الطلابية"، الذراع الطلابية لحركة "فتح"، حاصدة 23 مقعداً من أصل 51، وتلتها "كتلة الوفاء الإسلامية" التابعة لحركة "حماس" مع 20 مقعداً، بفارق نحو 400 صوت. وقد حاز "القطب الطلابي الديمقراطي" (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) على سبعة مقاعد فقط، ومقعد واحد لـ"الجبهة الديمقراطية"، ممثلة بـ"كلتة الوحدة الطلابية"، وبلغت نسبة الاقتراع 74 في المئة، في الجامعة التي تضمّ حوالي 8500 طالب وطالبة.

ورغم أنّ الانتخابات جرت في الحرم الجامعي، لكن القيادات السياسية للحركتين كانتا تدعمان كل خطوة من خطوات الطلبة عن كثب، متابعة سياسية ومالية أيضاً. وترجم ذلك الاهتمام، نظرة كل من "حماس" وفتح" إلى انتخابات جامعة بيرزيت على أنها مؤشر قوي على شعبيتهما. وبعد الإعلان عن النتائج، أعلنت الحركتان عن نصرهما. وسارع مفوض التعبئة والتنظيم وعضو المجلس المركزي لحركة "فتح"، محمود العالول، إلى التأكيد، في تصريحات إعلامية، أن نتائج الانتخابات لها دلالات عامة تؤكد على "استمرار ثقة الشارع الفلسطيني بحركة فتح، والتفاف الطلبة حول إطار الشبيبة، ما يدلّ على صحة الموقف السياسي المتمسك بثوابت الشعب الفلسطيني الرافض للضغوط والابتزاز الذي يمثله الرئيس محمود عباس". وأشار إلى أنه يمكن النظر إلى الانتخابات المقبلة على ضوء انتخابات الطلبة، قائلاً إنّ "الفوز بالجامعات مؤشر مهم وأساسي، ويعكس نفسه على الوضع الفسطيني بشكل عام، ويمثل الخطوة الأولى للذهاب إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية".

"فتح" تحرق صور الهباش وسعت "فتح"، من خلال الانتخابات الجامعية، إلى معرفة مقدار رضا الشارع عنها، بعد المفاوضات الفاشلة التي خاضتها مع الاحتلال الإسرائيلي من دون مباركة من فصائل منظمة التحرير، إضافة إلى تردّي الوضع الاقتصادي والبطالة في الضفة الغربية، إذ لا يزال كثيرون يعيبون على "فتح" كونها هي "السلطة"، الأمر الذي يرفضه دائماً كوادر الحركة، لا سيّما في مواسم الانتخابات.

وهذا ما عكسته الدعاية الانتخابية والمناظرة بين الكتل الطلابية في اليوم الذي سبق موعد الاقتراع، فقام نشطاء "الشبيبة" بالتأكيد على المقاومة المسلحة، ورفض المفاوضات واتفاقية أوسلو. وفي خطوة استعراضية، قاموا بحرق صور وزير الأوقاف الفلسطيني محمود الهباش، الشخصية المقربة من عباس، والذي يؤم الصلاة في مسجد التشريفات في المقاطعة بشكل شبه أسبوعي. وهدف حرق صور الهباش من قبل نشطاء "الشبيبة" إلى قطع الطريق على كوادر "حماس"، حتى لا تستخدم الأخيرة تصريحات الهباش حول "مساواة الدم الفلسطيني بالإسرائيلي" ضد أنصار "الشبيبة" في الانتخابات. ولم تُقابَل الخطوة بغضب من الأجهزة الأمنية أو حتى الاستنكار، وهي المطلعة على كل خطوات الانتخابات، ليصدر بعد ذلك توضيح من قادة الحركة مفاده أن حرق صور الهباش "يمثل تصرفات فردية".

وقد ابتعدت الدعاية الانتخابية للكتلتين، عن مطالب الحركة الطلابية، وركزت على جوهر المناكفات السياسية بين "حماس" و"فتح"، إذ وجّه انصار الحركة الإسلامية في المناظرة، الاتهامات لأنصار "فتح" على خلفية استمرار الاعتقال السياسي في الضفة، والتنسيق الأمني مع الاحتلال، والمفاوضات الفاشلة، فيما انصبّ هجوم "فتح" على "حماس" ــ الذين رفعوا اشارة رابعة (تيمناً بالأخوان المسلمين في مصر) ــ من بوابة "المسؤولية حماس عن الانقسام". وبعدما أوغل الطرفين في النقد وكيل الاتهامات، قاموا بمصافحة وتقبيل بعضهم بعضا، معلنين انتهاء المناظرة، في مشهد يذكّر بلقاء قادة الحركتين أمام الكاميرات. "حماس": جاهزون للانتخابات العامة وجاء فوز "فتح" في انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت، ليتوّج انتصارها، قبل أسبوعين، في انتخابات مجلس طلبة جامعة الخليل (21 مقعداً لفتح مقابل 19 لحماس)، وجامعة "البوليتكنيك" في الخليل (15 مقعداً لفتح مقابل 14 لحماس). إلا أن "حماس" في المقابل تعتبر أن تخلفها عن "فتح" ببضعة عشرات من الأصوات، هو نجاح كبير لها، بعد سنوات من عدم قدرة الحركة على المشاركة في الانتخابات في الضفة، بسبب إقصائها عن المشهد السياسي منذ العام 2007، على حد تعبير أحد كوادرها.

وقال القيادي في "حماس"، حسن يوسف، إنّ نتائج الانتخابات "أكدت تقدم الحركة الإسلامية وعودتها لقيادة الشارع من جديد، رغم الظروف الأمنية وإغداق المال السياسي". وأشار يوسف  بعد نتائج "بيرزيت"، إلى أن حركته "باتت على أتم الاستعداد للذهاب إلى صناديق الاقتراع جميعها". وأكدت مصادر من الحركة من محافظة الخليل، أن النتائج في الخليل كانت لصالح "حماس"، التي عادت لتشارك في انتخابات مجالس الطلبة منذ العام 2012، ورغم ذلك، "حصدت أصواتاً تقترب من منافستها" (فتح)، وهو ما ينطبق على بيرزيت.

وكان لافتاً في انتخابات جامعات الخليل وبيرزيت حجم المال المغدق من كلا الطرفين. وبحسب معلومات لـ"العربي الجديد"، فقد دفعت مفوضية التعبئة والتنظيم في "فتح" حوالي 35 ألف دولار، للدعاية الانتخابية التي قامت بها "كتلة الشبيية"، في مقابل مبالغ مشابهة دفعتها الكتلة الإسلامية. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، باسم الزبيدي، إن "فتح ضخت أموالاً أكثر في انتخابات جامعة بيرزيت، على شكل رصيد موبايل ومواصلات وغيرها، نظراً لقرب الجامعة من العاصمة السياسية رام الله".

يسار متراجع وكتلة صامتة ما يثير القلق برأي الزبيدي، هو وجود المجموعة الثالثة من الناخبين الذين امتنعوا عن التصويت لعدم ثقتهم بأي من الحركات السياسية. ويقول عن هذا الموضوع إن "هذه الفئة تستحق أن نقف امامها، لأنها تحمل كل أنواع المفاجآت". وقد بلغت نسبة الامتناع عن التصويت في بيزريت حوالي 30 في المئة من الأصوات. ويذكّر الزبيدي بالمشهد السياسي عشية الانتخابات التشريعية للعام 2006، والتي فازت فيها "حماس"، ووصل خلالها الاستقطاب حدّ التناحر بين "فتح" و"حماس"، ليخلص إلى أن الأمور لم تتغير كثيراً منذ تلك الفترة.

ويرى الزبيدي أن اليسار في تراجع مستمر نظراً لما حصده في بيرزيت من سبعة مقاعد، ومقعد وحيد في جامعة الخليل، فيما خرج من جامعة "البوليتكنيك" بالكامل. أما خبير علم الاجتماع، علاء العزة، فيعتبر أن "ما حقّقه اليسار في جامعة بيرزيت أفضل بكثير ممّا حققه اليسار في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006"، مؤكداً ان وضع اليسار في الجامعات أفضل منه في الواقع السياسي حيث تراجعه كبير جداً. تتجه أنظار الحركتين اليوم إلى جامعة النجاح الوطنية، أكبر الجامعات في شمال الضفة الغربية المحتلة، والتي تضم أكثر من ضعف طلاب بيرزيت، أي نحو 22 ألف طالب. ومن المتوقع أن تنظَّم انتخابات مجلس الطلبة فيها في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الحالي.

نشرت  على العربي الجديد