شبكة قدس الإخبارية

محمد دحلان.. ونظرة سريعة على صراع الديوك

مصطفى بدر

بكل صدق، فقد انتابني الفضول الشديد عندما سمعت عن مقابلة محمد دحلان على قناة "دريم 2" المصرية هذه الليلة، ولم أسمح لأي عائقٍ من أن يثنيني عن مشاهدة هذه المقابلة التي توقعت فيها رداً ناضجاً ومتوازناً من شخصٍ لطالما أثنى المقربون منه بحنكته وبراعته في التخطيط الإستراتيجي. ولكن اهتمامي في متابعة هذه المقابلة قد بدأ يقل تدريجياً حتى تركتها في أول فرصةٍ سمحت لي بذلك. ولي تعليقٌ على كل جملةٍ سمعتها من دحلان خلال اللقاء، ولو أردت حقاً الخوض في ذلك فإنني سأنتهي بصفحاتٍ طويلة، ولكنني قررت أن أعطي ملاحظاتٍ عامةٍ عن هذه المقابلة باختصارٍ شديد.

التوقيت

لماذا اختار دحلان هذا التوقيت بالذات؟ ولم يقم بالرد فوراً بعد خطاب الرئيس عباس أمام المجلس الثوري رغم توافر المصادر التي اختارها للرد بين يديه منذ وقت طويل؟ إختياره لهذا التوقيت ليس إلا دبوساً لفرقعة بالون دعاية أبو مازن في التوجّه إلى واشنطن، والتي كانت النقطة الوحيدة في المقابلة التي أتفق معه فيها، وهي أن الرئيس لم يذهب إلا لتمديد المفاوضات، وكما تمنى فأنا أيضاً أتمنى أن أكون مخطئاً. تناقضات دحلان فضح نفسه بكثيرٍ من التناقضات التي ربما دلّت على خيبته خلال المقابلة، فمن قوله أنه لن يرد على الإتهامات بالإتهامات، إلى اتهاماته المفرطة التي إن كان بعضها جدياً، فالقسم الآخر منها في غاية التفاهة، ولا يسعى إلا للنيل من سمعة الرئيس عباس. كذلك فإن صيت الفساد، والعلاقة السيئة مع الراحل ياسر عرفات طالت دحلان منذ التسعينات، وصعود دحلان المفاجئ والمشبوه في حركة فتح، ناهيك عن اتهام دحلان للرئيس عباس بعرقلة المصالحة رغم أن دحلان كان بشخصه من أسباب الإنقسام، كل هذا وأكثر جعل ردّ محمد دحلان هشّاً، ويفتقر للعديد من الأطر، وكما نقول المثل المشهور في فلسطين: "الي دارو من كزاز (زجاج) ميضربش حجار".

الإجابة الناقصة

مما زاد هشاشة ردّ دحلان هشاشةً، هو نقص إجاباته، والحياد عن الغوص إلى مدىً أبعد من القشور في بعض القضايا والمواضيع التي لا زالت ضبابية. مثل اتهامات الفساد، واتهامات اغتياله لبعض القادة، وعلى الرغم من إجابته على بعضٍ منها، إلا أنه لم يكمل الإجابة على معظمها. طابع الخلاف الشخصي لم تغب أجواء الخلاف الشخصي بين الرئيس عباس ومحمد دحلان عن المقابلة، بل هي كانت فحوى المقابلة كلها. وقد تطرق إلى أمورٍ شخصية واستخدم أسلوب التشهير والإهانات، مثل التشكيك بالقوى العقلية للرئيس محمود عباس، ووصفه بالجنون، وبأنه كارثة. كذلك ذكر أسماءٍ لأفراد عائلته، والمقربين منه، لم بدت المقابلة كأنه صراعٌ للديوك ترفيهاً للمشاهدين.

إستغلال "بروباجاندا" البرنامج

دحلان حاول كثيراً استغلال الدعاية الموجّهة والحرب الإعلامية التي شنّها البرنامج الذي استضافه ضد الإخوان المسلمين وحماس، في تهييج المشاهد المصري ضد الرئيس عباس، بشكلٍ وإن لم يكن منطقياً البتة للمشاهد الفلسطيني، إلا أنه قد يبدو منطقياً جداً للشعب المصري الموبوء بالدعايات المختلفة، كقوله أن الرئيس قد عمل مُخبراً لدى مرسي (أو كما نقول باللهجة العامية "فسّاداً" مثيراً للفتنة)، وقام بتشبيه الرئيس عباس بالرئيس مرسي، وهذا بالنسبة للعديد من المصريين يعتبر شتيمة. شخصياً لم أجد قيام دحلان بالتوجه إلى فضائيةٍ ذي رسالةٍ محليةٍ مصريةٍ أمراً لطيفاً، وكان من الأجدر له أن يتوجه لفضائيةٍ ذي طابعٍ عربيٍ أو فلسطيني.

سلاح دحلان الأخير

إن السلاح الأخير الذي يخفيه دحلان، والذي حشد آلافاً من الفلسطينيين الموالين له، هي الوعود التي قطعها للعديد من البؤساء، حيث استغل الوضع الاقتصادي التعيس لأبناء شعبنا في الوطن والشتات، وحاول مدّ نفوذه إليهم سواء بأعمالٍ خيرية كما حدث في مخيمات لبنان وقيل أنه يحدث في مناطق ومخيماتٍ في الأردن، أو عن طريق منح وعودٍ بالتوظيف للشبان العاطلين عن العمل، وغيرها. حركة فتح في حالٍ لا تحسد عليه، وخلافاتها الداخلية باتت أكثر عمقاً من خلافاتها الخارجية، ووجودها واستمرارها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ قضيتنا هو امرٌ ضروريٌ لا محالة، ومن يعتقد أن استبدال حركة فتح أمرٌ ممكن فهو مخطئ، فعلى الرغم من الأخطاء الجسيمة الحاصلة إلا أنها لبنةٌ أساسيةٌ في المسيرة الوطنية، ولا يمكن لأي بديلٍ أن يحل محل وسطيتها، وإصلاحها أمرٌ ضروريٌ لا يمكن العدول عنه رغم أنه مع مرور الوقت يصبح أكثر صعوبةً وكلفة، وفي السنوات القادمة سيدفع الفلسطينيون أثماناً غالية في سبيل ذلك، سببه ليس الإصلاح لكن صراع الحيتان في حركة فتح، والذي أفضل أن أسميه صراع الديوك.