شبكة قدس الإخبارية

كلاشينكوف بعيون تدمر!

لمى خاطر

لعلي، مثل كثيرين غيري- كنت ممن تشكلت في وعيهم صورة خرافية حول ذلك السلاح صاحب الاسم الفخم (كلاشينكوف) لكثرة ما تردد حوله من أساطير مرتبطة بالبطولة، ولكثافة استخدامه في أغاني الثورة الفلسطينية القديمة والمعاصرة.

ولعل كثيرين أيضاً، وأنا منهم، لم نعرف إلا لاحقا أن اسم السلاح يعود لصاحبه أو مخترعه الروسي (ميخائيل كلاشنكوف) الذي توفي قبل أيام.

 بقيت مفردة كلاشينكوف تثير في نفسي أجواء من الفخامة والإجلال إلى أن قرأت –قبل سنوات- شهادة بعض منفذي مجزرة سجن تدمر في سوريا، التي حدثت بتاريخ 27/6/1980، ونفّذتها سرايا الدفاع في الجيش السوري بقيادة رفعت الأسد، واستهدفت مئات من معتقلي سجن تدمر، تم اقتحام مهاجعهم وقتلهم بتلك البنادق الروسية، كردّ على محاولة اغتيال حافظ الأسد، رغم انتفاء علاقتهم بالمحاولة كونهم اعتقلوا قبلها بأشهر وسنوات.

 كان المشهد مغرقاً في الإيلام، وتصوره كفيل بإسكانك وجعاً ممتداً لا تفلح في التخلص سريعاً منه. ليس لأنها المجزرة المعاصرة الوحيدة، فالقتل الجماعي غدا أكثر الحكايات تكراراً في واقعنا العربي، وليس لأنها حصدت خلال نصف ساعة ما يتراوح بين 600 و900 معتقل (لاحظوا كيف أن مرور كل هذه السنوات على المجزرة لم يكفِ لرصد العدد الحقيقي لضحاياها)..! إنما ما يجبرك على التوقف عند تفاصيلها (خصوصا عند الاستماع لشهادة الجاني لا الضحية) أن القتل جرى بحقّ أسرى بعد تجميعهم في عدة مهاجع، وأن كثيراً منهم لم يملك سوى انتظار دوره وهو يرى تطاير دماء وأدمغة رفاقه، ثم كيف أن الجناة سمعوا استغاثات الضحايا المرتجفة، ولعلهم استمتعوا بها، ومع ذلك أنجزوا المجزرة دون أن يرفّ لهم جفن، وكان كلّ ما فعلوه بعدها تنظيف ثيابهم من دماء الضحايا، ثم الاستعداد لاستلام المكافأة المالية، بعد حمل الجثث بالجرافات ودفنها في مقبرة جماعية قرب تدمر!

 لم تأخذ مجزرة تدمر حقّها في الذاكرة العربية، رغم أنها واحدة من فصول الإنسانية الأكثر إيلاما، وأسباب ذلك كثيرة منها ظروفها التاريخية وطبيعة المستهدفين وقدرة الجاني على المراوغة ومراكمة الدجل. كما لم تأخذ بندقية (كلاشينكوف) صورتها القاتمة إلى جانب تلك الباذخة المطبوعة في أذهان من ولدوا وعاشوا في أوطان محتلة. أو لعلّ طبيعة الأشياء تقضي دائماً بأن يتخيّر المرء الوجه المحبب إليه من صور الظواهر وخلفيات المواقف، لكن محاولة استقصاء كل جوانب الصورة تبقى الخيار الأفضل لمن يُشفق على تصدّعات اليقين في بنائه العقلي، ولمن سيتعلّم لاحقاً فضائل الاعتدال في التصور وتكوين المواقف، بحيث تُقدّر كما هي، لا أكثر ولا أقل!