شبكة قدس الإخبارية

عين حوض: عن الصمود على ساحل المتوسط المسروق

صفاء خطيب

"هي قرية لا تقع على أعلى قمة في جبل الكرمل- السلسلة. إنها قرية تنام على ركبته اليسرى، لتصغي إلى وجيب قلبه وقد فتحت عيونها على زرقة المتوسط غربا، وبنايات حيفا، وفنار عكا، في نقطتين ما بين الشمال والغرب. إنها القرية التي تبصرها عيناك من ميناء حيفا ليلا لندهش أمام غفوة غير مستكينة لقناديل بيوتاتها، وأنفاس أهلها، وعجالتهم إلى استقبال سلطان النوم للاستيقاظ المبكر، وذكر رب العالمين ثم السعي في الأرض ما بين بستان "أبي رويس"و"خلة مرشد" و"الوسطاني"".(1)

DSC_1777

إنها "عين حوض" القرية الفلسطينية المهجرة بتاريخ 15/7/1948. والتي يعود سبب تسميتها إلى نبع الماء الذي يأخذ شكل الحوض. والتي شُرِّدّ أهلها البالغ تعدادهم في العام 1945 ب650 نسمة إلى عدة مناطق أبرزها صعودهم إلى أعالي الجبل الذي كانت فيه عزبهم والتي صارت فيما بعد "عين حوض الجديدة"، بالإضافة إلى بعض المدن الفلسطينية كجنين. ويقال أن القرية أنشئت من قبل "أبو الهيجاء" أحد قادة صلاح الدين الأيوبي الذي توفي بعد معركة حطين عام 1187. تقع القرية إلى الجنوب من مدينة حيفا ، وتبعد عنها حوالي 14.5كم، وترتفع 125 م عن سطح البحر . بلغت مساحة أراضيها 12605 دونمات، وتحيط بها أراضي قرى الطيرة، المزار، عتليت، ودالية الكرمل.

عين حوض التحتا للفن وأهله

إلى هناك.. كاننت وجهتي في جولة صيفية قصدت بها استشكاف محطة من "وادي الملح" والتي هي اليوم بحسب الطرق الإسرائيلية "شارع 70"، واستكشاف القرى المهجرة كصرفند وعتليت وغيرها، لكن لا تتوقع من عين حوض ما تتوقع من سائر القرى المهجرة، حيث من النادر أن تجد بيتاً كاملاً، كلها أرباع حوائط، أو أنصاف عُقد هدمت في معظمها. وأما في عين حوض.. فالبلدة الصغيرة الجميلة كما هي، إلا أهلها. ففي العام 1954 حولت السلطات الإسرائيلية عين حوض المهجرة قرية للفنانين خصيصا، بعد أن أبقت بيوتها المهجرة كما هي.

واستبدلت الهاء بالحاء في اسمها ليصيراسم القرية "عين هود". وهي القرية التي تحولت معظم بيوتها إلى استوديوهات خاصة للفنانين الإسرائيليين ومعارض لهم. بالإضافة إلى تحويل المسجد في أول القرية إلى مطعم وحانة للخمر. وتقام في القرية عدة ورشات لتعليم فنون الرسم والنحت، وتنتشر في شوارعها تماثيل لأجساد بشرية تطعن بتاريخ القرية وتراثها الفلسطيني المحافظ.

DSC_1812

هذا "الفن" الذي يعيش تحت اسمه هؤلاء الإسرائيليين يدعونا لنفكر كيف يحملون شعاره والفن كان دائما ملازما للأفراد الذين ينبذون العنف، وهو البديل للتعبير عن ذات الفرد الجوهرية. ولكن .. أي فن هذا الذي يقتحم الفنان فيه بيتا لا يملكه، ويسكن فيه، ويستخدم أواني مطبخه وكؤوسه التي كانت يوما لعائلة أبو الهيجا ليملأها بالماء ويغطس فيها فراشيه كلما أراد تغيير لونٍ في لوحته!

عين حوض الفوقا ومشوار الإعتراف

يعد تهجير أهالي عين حوض، ربض عدد كبير منهم في أراضيهم على سفوح جبال الكرمل الغربية التي لا تبعد سوى كيلومتر واحد عن قريتهم الأصلية. فأقاموا قرية مطلة على البحر الكبير، ويسكنها اليوم قرابة 250 نسمة، جميعهم من عائلة ابو الهيجاء، وهم سلالة الشيخ محمد محمود ابو الهيجاء، وكنيته "ابو حلمي".

كانت عين حوض تعد من القرى غير المعترف بها حتى سنوات التسعين من القرن الماضي حيث اعترفت الحكومة الاسرائيلية بالقرية ومنحتها مسطحا صغيرا جدا، واتبعتها للمجلس الاقليمي "حوف هكرمل" والذي يضم حوالي 30 مستوطنة، في حين تعتبر عين حوض القرية العربية الوحيدة في المجلس المذكور.

يوجد في القرية مسجد قائم منذ عام 1967 وأضيفت له مئذنة عام 1985 وكان يستعمل صالة لاستقبال الضيوف الا ان الشيخ ابو حلمي اوقفه ليكون مسجدا قبل وفاته عام 1982، وبالطبع تفتقر القرية لخدمات كثيرة مثل المدارس والصحيات والنوادي والى طرقات داخلية مع العلم ان وزارة الزراعة نفذت مشروعا جديدا حيث عبدت الشارع الرئيس بمدخل القرية، بالمقابل كان طلاب القرية يتعلمون المرحلة الابتدائية في القرية لكن الوزارة اغلقت المدرسة، وابقت على صف الروضة فحسب. مما يضطر جميع طلاب القرية للسفر يوميا إلى حيفا للدراسة هناك.

تجدر الاشارة انه ورغم الاعتراف منذ اكثر من 15 سنة فإن السكان لا يحظون بتراخيص بناء جديدة، أو أية مشاريع استثمارية كبيرة انما يوجد في القرية 3 مطاعم يعمل فيها العديد من ابناء القرية، في حين يعمل الشباب في المستوطنات المجاورة وفي أعمال حرة.

DSC_1790

افتراءات على التاريخ

تعرض تاريخ النكبة للعديد من عمليات التزوير والتحريف من قبل المؤرخين الإسرائيليين، ولم تسلم عين حوض من هذه العمليات فقد تعرضت لعملية تشويه لكيفية سقوطها. إحدى الأمثلة على ذلك ما قام به أحد سكان القرية الفنانين "عين هود"، إذ أوعز إلى إحدى الصحف العبرية حينها "مكور ريشون" لنشر تقرير في ملحقها بعنوان "من طرد أهالي عين حوض؟" والذي ادعى الكاتب "شوكي لبناي" في تقريره أن أهالي عين حوض خرجوا منها بأمر من المفتي الحاج أمين الحسيني ليتسنى له إقامة قيادة عسكرية في القرية.

كما منح الكاتب حقا لليهود في البيوت العربية في القرن الماضي. حيث زعم أن خمس عائلات يهودية سكنت في قرية عين حوض في القرن الماضي. ويضيف أن رئيس بلدية حيفا في حينه "أبا حوشي" زار القرية عام 1947 فلم يجد فيها أي إنسان. وفي تفنيد لهذه الرواية كما يروي الحاج حسني حسين أبو الهيجا في تقريه أعده الصحفي سمير أبو الهيجا ونشر في صحيفة صوت الحق والحرية، يقول : "بعد نشر التقرير خرجت وانا ابن القرية المنكوبة للبحث عن أهلي الذين شردهم الصهاينة من قريتنا لاستطلاع حقيقة مزاعم الكاتب اليهودي، فالتقيت المرحوم راشد رشيد أبو الهيجا الذي بلغ في حينه الخامسة والسبعين من العمره في بيته في مدينة جنين فأخبره أن لا أحد قام بأمر اهالي القرية للخروج منها، إنما بقي أهلها يدافعون عنها دفاع الأبطال حتى الدقيقة الأخيرة ودليل ذلك أننا أخرجنا اليهود عدة مرات من القرية، فكان هناك قتال وكان قتلى وجرحى. وأما بالنسبة للمفتي فيؤكد أبو رشيد أنه لم يقم بزيارة المنطقة مطلقا إنما جاء أبن أخيه "جمال الحسيني" ووضع حجر الأساس لمدرسة الأيتام المحاذية لشارع حيفا – تل أبيب. ولم يكن في حينه يهود إلا في عتليت.

عين حوض بخضرة طبيعتها، وزرقة البحر المتوسط الذي تطل عليه .. وبيوتها والكرمل الذي تنتمي إليه جنة حُرم منها أهلها.. ليروها كل يوم حين يمضون إلى أعمالهم وهي مغتصبة، ففي طريقهم إلى عين حوض الفوقا لا بد وأن يمروا بمدخل التحتا. وكيف لك أن تمر كل يوم من أمام بيتك الجميل الذي اغتصبه منه أعداؤك.. لتذهب إلى بيتِ أصغر، وأبعد، وأكثر مشقة في السفر. هل يمكنك؟ وهل يمكنك بعدُ أن تفكر بالتفريط بصفد وحيفا وعكا والناصرة وبئر السبع؟

DSC_1784

(1) ورد هذا الوصف في كتاب لسمير أبو الهيجا بعنوان "أنا من هناك ولي ذكريات"، وقد اقتبسها عن نواف أبو الهيجا أحد مهجري القرية.