شبكة قدس الإخبارية

حمزة شاهين شهيد انفجار البرج الشمالي.. سيرة ذاتية للسجن والغربة خاتمتها الشهادة

ueanfwztho81
كمال الجعبري

بيروت – خاص قدس الإخبارية: ليلة عصيبة شهدها مخيم البرج الشمالي، الواقع في جنوب لبنان، إلى الشرق من مدينة صور اللبنانية، بعد وقوع انفجار عنيف داخله ، وذلك صباح يوم الأحد 11 كانون أول/ديسمبر 2021، في إحدى مستودعات أنابيب الأوكسجين في المخيم، وبعد جملةٍ من الأخبار المتضاربة والمشكوك بصحتها من قبل عددٍ من وسائل الإعلام اللبنانية والعربية، التي تجد ضالتها في أي حدثٍ تشهده مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبعد بيان حركة حماس والذي نفى وجود أي مستودعات للسلاح في المخيم، بدا هناك خبرٌ واحدٌ يشغل الرأي العام الأردني، وهو خبر ارتقاء المهندس الأردني من أصل فلسطيني، حمزة إبراهيم شاهين، خلال هذا الانفجار.

الشهيد في سطور

ولد الشهيد حمزة إبراهيم شاهين في العام 1981، في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين، شمال غرب العاصمة الأردنية عمّان، لعائلةٍ تعود بأصولها إلى بلدة الفالوجة المهجرة خلال حرب عام 1948، والتي تقع إلى الغرب من مدينة الخليل. نشأ في بيتٍ ملتزمٍ، فوالده هو الشيخ إبراهيم شاهين "الداعية المعروف في مسجد القدس" وسط مخيم البقعة، والذي توفي قبل نحو عام من الآن، بعد إصابته بفايروس (كورونا).

بدأ الشهيد حمزة شاهين حياته في مسجد القدس في مخيم البقعة، والذي بدأ بالالتزام فيه وبدروسه منذ العام 1989، وبعد عدة سنوات انتقل إلى السكن في جبل التاج (أحد أبرز أحياء شرق عمّان)، في العام 1991، وخلال الفترة التي تواجد فيها في جبل التاج، كان الحي يضم العديد من الشخصيات الإسلامية البارزة ، ولعلّ أبرز تلك الشخصيات الشهيد رائد مسك، الذي كان من رواد مسجد أبي بكر الصديق في جبل التاج، قبل أن يغادره قبيل انتفاضة الأقصى إلى الضفة الغربية ، التي استشهد خلالها بعد تنفيذه لعمليةٍ استشهادية في القدس المحتلة .

في تلك الفترة التي امتدت بين عامي 1991 و2005 كان الشهيد حمزة شاهين من رواد مسجد البقاعي، في جبل التاج، ومن العاملين فيه ضمن أنشطة العمل المسجدي المختلفة، وبشهادة العديد ممن سكنوا في منطقة جبل التاج في تلك الفترة، فقد تميز المسجد في تلك الفترة بكثرة حلقات القرآن الكريم المتواجدة فيه، وتخريجها للعديد من حفاظ كتاب الله تعالى، والناشطين في العمل الدعوي والمجتمعي.

يروي العديد ممن عاصروا الشهيد حمزة شاهين عما تميز به الشهيد من صرامة في الحق وجلدٍ عليه، ولم يكن يبالي بما يمكن أن يدفعه من أجل الحق من أثمان.

عرف الشهيد حمزة شاهين لدى العديد من شباب المساجد والحركة الإسلامية في الأردن بنشاطه الدعوي، وبعد دخوله لكلية الهندسة التكنولوجية التابعة لجامعة البلقاء التطبيقية، والمعروفة باسم (البوليتكنك) نشط الشهيد حمزة شاهين في العمل الدعوي والحركي في صفوف الكتلة الإسلامية، وبحسب زميلٍ له في مرحلته الجامعية في تلك الفترة، فإنّ الشهيد حمزة شاهين كان (قطباً من أقطاب البوليتكنك)، إذ كان من أكثر الطلاب تأثيراً في الكلية ونشاطاً ضمن العمل الدعوي فيها.

يقول أحد أصدقاء الشهيد، من الذين رافقوه في حياته الجامعية في كلية (البوليتكنيك): "كان مشاركا بالعمل الطلابي في (البوليتكنك) وكان ممثلاً في الانتخابات الطلابية للاتجاه الإسلامي في الكلية، وكان يتميز بالعمل التربوي ومؤثر في كل من قابله، لم يغضب أحدا منه ابدا في حياته".

ويضيف قائلاً: " لم يكن الوعظ عنده والإرشاد بالكلام فقط، بل كان يتابع من يقوم على تربيتهم ودعوتهم وفي مرة من المرات قال لطلابه إنّ من يصلي الفجر أربعين يوما سأقوم بتأمين رحلة عمرة له في العشر الأواخر من رمضان كجائزة له".

وبعد تخرجه من الجامعة عمل في عدة شركات، وبحسب شهادة العديد من زملائه فقد تميز الشهيد بالأخلاق العالية، والاهتمام بتفاصيل من معه من زملاء حريصاً على دينهم ومشاعرهم، وفي العام 2005 تزوج الشهيد حمزة من زوجته آلاء.

وفي الفترة بين عامي 2006 وحتى تاريخ مغادرته الأردن انتقل الشهيد حمزة شاهين إلى منطقة الهاشمي الشمالي في عمّان، وهناك انتظم الشهيد في الصلاة والعمل الدعوي في مسجد الشهيد عبد الله عزام، وعرف لدى شباب المسجد بهمته وحسن خلقه والتزامه الشديد.

وعن تلك الفترة يحدثنا أحد أصدقاء الشهيد حمزة ويقول: عرفته في فترة العام من 2007 لـ 2009 وجمعتنا به بعض الأعمال التطوعية، وزرته في بيته عدة مرات، ومن أهم صفاته الجدية والحرص على العمل والمسؤولية، وكان كريم النفس، وكان حريصا جدا على تربية أبنائه تربية صالحة".

ويضيف قائلاً: "من أكثر الأمور التي كنت ألاحظها عند المهندس حمزة حرصه على العلم، وكان يحب تفسير القرآن كثيراً، كان حريصا على مواعيده ولا يتأخر عنها، ويلزم نفسه بمواعيد دعوية كثيرة ويلتزم بها جميعاً".

على موعدٍ مع زوار الليل والتهمة حب فلسطين

أواخر عام 2014، كان الشهيد حمزة شاهين على موعدٍ مع الاعتقال، من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية، التي قامت باعتقاله بعد تفتيش منزله تفتيشاً دقيقاً ومصادرة عدد من الحواسيب والهواتف النقالة والأوراق منه، ثم قامت باقتياده لمقر المخابرات الأردنية في منطقة الجندويل، غرب عمّان، لكن تم الإفراج عنه بعد اعتقال دام 40 يوماً وقبل تحويله لمحكمة أمن الدولة.

ومن الطرائف التي وقعت خلال اعتقال المهندس حمزة شاهين أن الأجهزة الأمنية صادرت صحن عدس (قديم) من سيارته بعد تفتيشها وقد كان نسيه في السيارة بعد أن قامت والدته بإعطائه الصحن ليرسله لزوجته الحامل، وكانت المفاجأة للأهل بأن تم تقييد العدس كمادة قابلة للاشتعال

والجدير بالذكر أنّ القضية التي تم اعتقال المهندس حمزة شاهين على خلفيتها، هي قضية (دعم المقاومة) والتي حوكم ضمنها حوالي 20 فرداً من موظفي نقابة المهندسين الأردنيين، ومنتسبيها، والأسرى المحررين من سجون الاحتلال، وعددٌ من المهندسين الزراعيين والمعلمين، بـ "تهمٍ" تتعلق بدعم المقاومة الفلسطينية في غزة، والتخطيط لعمليات فدائية في الضفة الغربية، ومن ضمن من حوكم في القضية الأسيرين المحررين مناف جبارة و المحرر عبد الله الزيتاوي الذي كان معتقلاً حينها في سجون الاحتلال، واللذان حكم عليهما بالسجن الغيابي لمدة 15 سنة على ذمة القضية، فيما تلقى باقي من حوكموا في القضية أحكاماً تراوحت بين السنة والـ 7 سنوات .

هجرة وغربة

عقب اعتقاله في الأردن وتصاعد الضغوط عليه فيها، غادر الشهيد حمزة شاهين الأردن، مع والدته وزوجته وأطفاله واستقرّ به في المقام في تركيا، التي لم يترك عمله الدعوي والحركي فيها، منضوياً ضمن حركة حماس، وعن تلك الفترة التي امتدت حتى استشهاده يتحدث عددٌ ممن عاصروا الشهيد، ومنهم صديق الشهيد في لبنان، والذي يقول : "لم أرى بتواضعه ودماثة أخلاقه تعرفت عليه في حلقة التربية في مركز ابن رشد في اسطنبول، هو مربي ومؤثر يحبه الشباب ومتعلقون به، يعاملهم كأنهم أبنائه، خدوم متواضع دمث الخلق كثير التسبيح و الاستغفار، يحدث نفسه دائماً بالشهادة والشهداء، أخلاقه و أدبه واحترامه لإخوانه صفات لازمته".

أما آية شاهين أخت الشهيد فتقول: "كان حنوناً جداً دائم الابتسامة، كريماً، وكله أمل وتفاؤل، كان يهتم بالجميع وباراً جداً بأمه وأبيه رحمه الله ويسأل عن أحوالنا دائما ويطمئن علينا، كان من رواد المساجد ويختم القرآن في رمضان كل يومين مرة تقريباً، هو أخونا الأكبر كان السند والظهر لنا، حتى مع أولاده كان مثل الصديق لهم، آخر مرة حكى معي بعد حفل تخرجي باركلي ووعدني ينزل على الأردن قريباً".

أحد أصدقاء الشهيد قال إنّه وقبل سفره إلى لبنان رأى في المنام ثلاث مرات أنه يتوضأ ويكمل الوضوء ثم يحلق بالسماء، وأضاف أنه عندما كان يستأجر بيتاً للسكن يقيس المسافة لأقرب مسجد لأنه يحب أن يكون بيته قرب المسجد.

موعدٌ مع الشهادة

خلال تواجد الشهيد حمزة شاهين في مخيم البرج الشمالي في لبنان، وكما وصف حماس، خلال تأديته لمهمةٍ جهادية، كان حمزة على موعدٍ مع الشهادة، بعد إصابته في انفجار لمستودعٍ لأسطوانات (الأكسجين)، وجاء في بيان الحركة تعقيباً على الحادث: "إنّ الانفجار ناتج عن تماس كهربائي في مخزن يحوي كمية من أسطوانات الأكسجين والغاز المخصصة لمرضى الكورونا، وكمية من المنظفات والمطهّرات والمواد الأولية المخصّصة لمكافحة وباء كورونا، والتي كانت مخصصة للتوزيع ضمن الجهود الإغاثية، وقد ألحقت النيران الضرر ببعض الممتلكات، وكانت الخسائر محدودة.

شهيدٌ يوحد الشتات الفلسطيني

من مخيم البقعة، حيث ولد الشهيد حمزة شاهين في العام 1981، انطلقت أولى الدعوات لعقد عرس الشهيد والتعزية به، ففتحت الحركة الإسلامية في البقعة وعين الباشا مقرها خلال يومي السبت والأحد لاستقبال المشيعين للشهيد، وقال القيادي في الحركة الإسلامية واللجنة الشعبية في مخيم البقعة، نعيم جعابو: "الحركة الإسلامية واللجنة الشعبية في مخيم البقعة تحتسب عند الله تعالى شهيدها البطل ابن مخيم البقعة".

وأضاف جعابو: "حمزة ابراهيم شاهين الذي قضى إثر انفجار في ساحة من ساحات الرباط على أرض لبنان المقاوم للعدو الصهيوني، هو ابنٌ للحركة الإسلامية في الأردن، فالعهد هو العهد والقسم هو القسم، حتى زوال هذا الاحتلال".

وتابع نعيم جعابو قائلاً: "الاستشهاد هبة من الله تعالى لا يستحقها إلا الشرفاء والأحرار، ولا ينالها إلا من أراده الله أن يكون شهيداً فطوبى لمن بذل روحه من أجل وطنه ومقدساته، وسيبقى الشهداء والأسرى منارات تضيء لنا طريق التحرر من كل القيود، وستبقى أسماؤكم محفورة بين الضلوع".

وفي اسطنبول، زار إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس)، وخليل الحية عضو المكتب السياسي في الحركة، بيت الشهيد حمزة شاهين، وقدما التعازي برفقة قيادات من الحركة لعائلة الشهيد.

وقال عضو المكتب السياسي في حركة حماس علي بركة: "في عرس الشهادة الذي أقامته عائلة الشهيد في تركيا وجدناهم عائلة مؤمنة صابرة محتسبة، وقد استقبلت أم حمزة وأبناء الشهيد المهنئين، قائلة: نذرت أولادي لفلسطين وقلبي مرتاح لأن حمزة نال الشهادة".

* هذه المادة جهد مشترك، من إعداد الزميلين كمال الجعبري وشيرين نافع.

#حمزة_شاهين