شبكة قدس الإخبارية

لماذا تصاعدت الخلافات الطلابية في جامعات الضفة؟

file_2021-12-05_083043
نداء بسومي

الضفة المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: شهدت معظم الجامعات في الضفة المحتلة، في الأسابيع القليلة الأخيرة توترات وخلافات متصاعدة بين الحركات الطلابية منفردين ومجتمعين، كان آخرها الشجار الداخلي للشبيبة الطلابية الذراع الطلابي لحركة فتح، يوم أمس السبت 4 ديسمبر 2021، في الجامعة العربية الأمريكية في مقرها الرئيسي في جنين، والذي أسفر عن مقتل الطالب مهران خليلية طعنًا بالسكين.

في حديثه لـ "شبكة قدس"، يرى وزير التربية والتعليم العالي الأسبق ناصر الدين الشاعر أن السبب المركزي لتصاعد هذه الخلافات يعود إلى تفريع النشاط الجامعي من الهم الوطني، وأن غياب هذا الهمّ قاد البيئة الجامعية لمشاكل بين الطلبة لا قيمة لها، إذ أصبح من الواضح غياب القاسم المشترك وهي الاهتمامات الوطنية بين الطلاب.

"من أمن العقاب أساء الأدب"

أما السبب الآخر لهذه المشاكل من وجهة نظر الشاعر فيرجع إلى الفلتان من العقاب، موضحًا أنه من الخطير لأي إنسان أن يشعر بأنه محميٌ وله معارف وواسطة معينة، وأنه قادر على أن ينجو من العقاب، ولو تم تطبيق العقوبة في أول مرة اخترق فيها القانون دون أي مجاملة، حينها لم يكن لأحد الجرأة على تكرار التجربة.

ويضيف: "بتقديري الشخصي، أن من يمارس هذه القضايا هم أناس يشعرون أنهم فوق القانون، وأن لا أحد يستطيع محاسبتهم."

ويتفق رئيس هيئة الشخصيات المستقلة خليل عساف مع وزير التربية والتعليم العالي الأسبق، في أن غياب القانون هو سبب رئيسٌ لما يحدثُ في الجامعات الفلسطينية، ويقول: "سنرى مثل هذه النتائج عندما لا يوجد احترام للقانون، وحين تطبق قوانين وقرارات الجامعات على أشخاص دون أشخاص آخرين، وهذا ما يزرعون."

ويتابع عساف، في حديثه لـ "شبكة قدس": عندما يتحكم طالب في إدارة جامعة، ويمارس ما يريد ويطبق ما يريد، نرى هذه الخلافات، فضلًا أننا سنصل لنتيجة بحكم هذه المرحلة التي فيها "أشرارها حكمت أخيارها"، وإن القانون جزء لا يتجرأ من الحياة، واحترامه هو الذي يصلنا إلى الحد الأدنى من الأمان.

وعن الحلول، يشدد عساف على أنه لن يتغير شيء في هذا الواقع، ويعزي ذلك إلى وجود نظام لا يعاقب "هؤلاء الناس المتسلطين، ويعتبرهم يده الضاربة في هذه الجامعات، في الوقت الذي لا يجب أن يكون في بيئة العلم والقيم أي أيدٍ ضاربة."

ويبيّن نائب رئيس لجنة الحريات في الضفة الغربية أن ما حصل اليوم في الجامعة العربية الأمريكية هو حالة ارتدادية لما حصل في الأمس من محاولة احتواء المشكلة دون سيادة القانون، داعيًا الناس إلى الوقوف وقفة واحدة للضغط على تطبيق القانون، و "أن هذه الأيدي المتطاولة يجب أن تخلع من جذورها"، بحسب وصفه.

في السياق ذاته، يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت بدر الأعرج أن سبب تصاعد المشاكل في الجامعات يرجع إلى غياب مبدأ سيادة القانون بدون محاباة، أن هذه مشكلة حقيقة في قطاع العدالة في فلسطين والضفة، وذلك لوجود ثغرات كثيرة جديدة، ونقص في قوانين معينة، وعدم حرص وجدية في تطبيق قوانين أخرى، وعدم تطبيق القانون على الجميع.

وحول دور إدارة الجامعات، ينوّه الأعرج في حديثه لـ "شبكة قدس" إن إدارة الجامعات هي جزء من المنظومة المجتمعية  وتستمد قوتها من الفضاء العام، موضحًا: "بمعنى أن الجامعة حين تشعر بأنها جزء من مجتمع يطبق القانون بحزم، فإن هذا يعطي قدرةً لإدارة الجامعة لتنفذ القانون بحزم، لكن في حالة التراخي الموجودة خارج الجامعة في المجتمع الواسع فإن هذا يلقي بظلاله عليها.

"في سياق أن الأشخاص الذين يقومون بهذه التجاوزات من "الحزب الحاكم" فإنه من المؤكد أن عملية المحاسبة لن تكون جدية بشكل كامل سواء التي ستقوم بها إدارة الجامعة أو الأجهزة الأمنية." بحسب الأعرج.

ويضيف أستاذ علم الاجتماع أن أحد أسباب المشاكل هو تراجع القيم الوطنية والجمعية، وظهور قيم أخرى تقوم على المصلحة الفردية، وتقدم الانتماء المصلحي على حساب الانتماء للحركة، إذ أنه لو يوجد انتماءٌ للحركة التي يمثلونها كان الأولى بعناصر الكتل حينها أن يفكروا ببعد تنظيمي بعيدًا عن المشاكل، ولكن الكثير من القيم فردية وأنانية.

ولم تكن الجامعة العربية الأمريكية وحدهما في خضم الخلافات الطلابية، بل شهدت جامعات بيرزيت وبيت لحم والخليل وأبو ديس خلال الفترة الماضية خلافات طلابية من جهة، ومن جهة أخرى خلافات بين الحركات الطلابية أيضًا، وبحسب الأعرج فإننا لا نستطيع الجزم بأن تصاعد الخلافات هي ظاهرة جامعية، وبالرغم من أن الحوادث تكررت في فترات متقاربة، لكنها جاءت في ظروف مختلفة، ففي أبوديس، كانت المشاكل ذات طابع بلدي ولقضية قديمة، وفي الخليل انعكست مشكلة العشائر والعائلات عليها، ومشكلة جامعة بيرزيت قبل عدة أسابيع كانت بين مسؤولي الشبيبة أنفسهم.

امتداد الواقع السياسي

يوم أمس، علّقت جامعة بيرزيت دوامها الوجاهي واستعاضت عنه بالإلكتروني وذلك على إثر نشوب خلاف بين الكتل الطلابية، الذي بدأ عقب إصدار الكتل الطلابية في الجامعة – باستثناء الشبيبة – بيانًا استنكروا فيه اقتحام الأجهزة الأمنية لسكنات الطلاب ومحاولة التضييق على نشاطهم الطلابي، الأمر الذي أفضى إلى تصاعد الخلاف، وتعرض منسق كتلة الوحدة الطلابية الذراع الطلابي للجبهة الديموقراطية للاعتداء والضرب.

من جانبه، يرجع الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي ظهور الخلافات بين الكتل الطلابية مع نشوء الجامعات الفلسطينية، مستذكرًا، مثلًا حينما تأسست الجامعات في الضفة الغربية أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات، عانت الكتلة الإسلامية من الإقصاء والتهميش من كل فصائل منظمة التحرير، وتعرض عناصرها للضرب والاعتداء وعدم الاعتراف بهم، ومحاولة منعهم من تنفيذ نشاطاتهم داخل الجامعات، وهذا كان الحال في أكثر الجامعات الوطنية في ذلك الحين."

ويشير عرابي، في حديثه لـ "شبكة قدس" إلى أن كتلة الشبيبة من بين كل الكتل دائمًا ما كانت تعاني من مشاكل تنعكس أمام الطلاب في ساحات الجامعة، ودائما كان هناك عنف جسدي ولفظي في تعامل الشبيبة فيما بينهم، وعادة ما تكون الخلافات على المواقع القيادية بناءً على المناطقية والجهوية أو مناطق النفوذ، وهذا ليس بالشيء الجديد.

ويستدرك عرابي: "لكن الخلافات الأخيرة بين الكتل الطلابية كما حصل في جامعة بيرزيت لها معنى جديد، هذا المعنى الجديد في أن الشبيبة لم تعد تمثل فقط حركة فتح، بل هي تمثل سياسات السلطة، وبالتالي سياسات السلطة سوف تنعكس على الجامعة وعلى مواقف الشبيبة، ولم تعد المشاكل تنحصر في التنافس بين كتل طلابية أو بين أحزاب سياسية."

وبحسب عرابي، فإن المشكلة الأخيرة ما بين الشبيبة وبقية الكتل الطلابية مجتمعة هي أن الشبيبة ترفض استنكار سياسات السلطة في استهداف الكتل الطلابية واقتحام سكناتها، ومحاولة الحد من نشاطها، وبالتالي أصبحت الشبيبة بهذا الاعتبار هي ذراع طلابي للسلطة السياسية وليس فقط للحزب السياسي القائم."

ويرى الكاتب والمحلل السياسي أن حركة فتح تاريخيًا كانت تتميز بوجود تيارات متعددة داخلها قد لا تلتزم بالكامل بالخط الرسمي لقيادة الحركة، ولكن ووفق عرابي، فإن هذه التيارات لم تعد موجود، بل أصبح هناك تطويعٌ لقيادة الحركة، بحيث أن الحركة بكل أذرعها وأطرها – من بينها الشبيبة- تعبر عن الموقف السياسي للسلطة.

وحول امتداد الواقع السياسي خارج أسوار الجامعة على داخلها، يعتقد عرابي أن السياسات خارج الجامعة، ورغبة السلطة في حصار العمل العام يؤثر على مواقف الشبيبة، وبالتالي يؤدي إلى اصطدام الشبيبة ببقية الكتل الطلابية وليست فقط بالكتلة الإسلامية، فالذي يجري الآن خارج الجامعة وداخل الجامعة هو ملاحقة لكل الكتل، فخارجها تتم ملاحقة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، والآن ما يجري داخل الجامعة ليس فقط اعتداء على الكتلة الإسلامية بل القطب الطلابي وكتلة الوحدة الطلابية، بمعنى أن هناك انعكاس حقيقي لسياسات السلطة داخل الجامعة.

ويخشى عرابي من "أن يجري إلحاق جامعة بيرزيت ببقية الجامعات داخل الضفة الغربية، بحيث تهيمن السلطة التنفيذية على ساحة الجامعة والتأثير على النشاط الطلابي وحرية الحركة الطلابية، وأن هذا التنامي في الخلافات سيؤثر بطبيعة الحال على أداء الحركة الوطنية الطلابية الذي كانت دومًا في طليعة العمل الوطني والنضالي."

#السلطة #فتح #الضفة #الشبيبة #الجامعات