شبكة قدس الإخبارية

خيارات فلسطينية في زمن التطبيع

تظاهرة غاضبة في البحرين رفضًا لاتفاق التطبيع مع الاحتلال.
نبيل عمرو

كان الامتناع العربي عن الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات رسمية معها، بمثابة اهم أوراق الضغط الأساسية بيد الفلسطينيين، ولقد بلغ الرهان خلاصته المحددة حين أنتج العرب وتبنوا بالإجماع مبادرتهم للسلام، التي جوهرها اشتراط تطبيع العلاقات العربية وحتى الإسلامية مع إسرائيل، بموافقتها على الانسحاب من الأراضي المحتلة ، ما يوفر للشعب الفلسطيني دولة مستقلة على الأراضي التي احتلت في العام 1967.

يضاف إلى ذلك حل قضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية ومن خلال صيغة متفق عليها بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

المبادرة العربية للسلام التي شارك الفلسطينيون في صياغتها وقرارات القمم العربية التي سبقتها ولحقتها، وكذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، جسدت المستند العربي والدولي السياسي والقانوني للحقوق الوطنية الفلسطينية، وأسهمت على نحو فعال في استقطاب تأييد دولي شعبي ورسمي للحقوق والمطالب الفلسطينية، ما تغذت عليه الحالة الفلسطينية على مدى عقود، وهذه المستندات إن لم تقدر على إنجاز حل سياسي يرضي الفلسطينيين، الا انها امنت لهم ولقضيتهم حضورا دوليا لا يستهان به ولا بأثره الإيجابي على بقاء القضية الفلسطينية على جدول أعمال العالم كقضية بحاجة إلى حل.

تغيرت المعادلة القديمة ويمكن القول إنه جرى انقلاب عليها وتأسست معادلة جديدة أبرز معطياتها تراجع المكانة الفلسطينية وتقدم المكانة الإسرائيلية في الواقع العربي، والمفارقة الملفتة أن المكانة الفلسطينية تراجعت بعد ان قدمت القيادة الشرعية اهم تنازل سياسي هو الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة ومعترف بها، بينما لم تعترف إسرائيل لهم بأي امر ذي شأن اللهم الا اذا اعتبرنا الاعتراف بالمنظمة يكفي مقابل ما حصلت إسرائيل عليه من كنز ثمين.

الطبقة السياسية الفلسطينية وبعد أن تغيرت مكانة إسرائيل في الواقع العربي الرسمي، وتحولت كما يقول الإسرائيليون من عشيقة سرية الى زوجة علنية، دون أن تقدم لقاء ذلك أي شيء للفلسطينيين بل على العكس، طورت إجراءاتها الهادفة الى مصادرة الحقوق الفلسطينية نهائيا وعلى الأرض.

هذه الطبقة الفلسطينية التي تتعامل مع نفسها على أنها الثابت الوحيد في الحالة الفلسطينية تقف الآن وربما دون انتباه من جانبها امام خيارين احلاهما مر.

الأول.. الاستثمار العلني والمباشر في التطبيع العربي وفق ما يطلب أصحابه، والرهان على المطبعين بأن يحصلوا لهم على بعض المزايا من الإسرائيليين البخلاء.

الثاني.. أن ينضموا إلى المعسكر المناوئ بل والرافض للتطبيع.

الخيار الأول يخالف الأساس الذي بنيت عليه الرواية الفلسطينية وسياساتها وبرامجها ووسائلها منذ انبثاق الثورة ومنظمة التحرير، فضلا عن أنهم دون غيرهم من العرب غير مرحب بهم من قبل إسرائيل.

والخيار الثاني يبدو انتحاريا إذا ما نظر للواقع والتحالفات والارتباطات، ذلك أن فلسطينيي السلطة والمنظمة وأوسلو غير مرحب بهم في تحالف من هذا النوع حتى لو أقسموا ايمانا مغلظة بأنهم انسحبوا من أوسلو.

الطبقة السياسية الفلسطينية المتشبثة بجمودها وضيق مساحات حركتها، تدرك أو لا تدرك أنها دخلت حالة الخيارات التي لها أثمان باهظة تدفع دون أن تقبض جراء أي منها أي ثمن، لهذا تبدو حالتها كحالة من في فمه ماء

فلا هو قادر على قول ما يجب أن يقال وهم يرون قضيتهم تتلاشى أعمدتها واحدا تلو الآخر، ولا هو قادر على جني ربح من الصمت الذي يميز الحال في زمن التطبيع، وهذه الخيارات التي يمكن وصفها بالقسرية والمكلفة فرضت نفسها على الطبقة السياسية الفلسطينية في الضفة كما غزة ووضعتها على الرصيف وليس بمقدورها سوى مراقبة مسار قطار التطبيع، فلا هي قادرة على ركوبه ولا هي قادرة على وقف اندفاعه .

لسان حالها يقول أنهم خلال أشهر قليلة سيتخذون قرارات حاسمة، ما هي هذه القرارات؟؟؟ لا أحد يعرف.

كان هناك خيار ثالث لم يعد يأتي على ذكره أحد هو التفرغ لترتيب البيت الفلسطيني، وعلى هذا الصعيد يتعين علينا أن نسأل موسكو والقاهرة والدوحة وتل أبيب أين وصلت الأمور.

#التطبيع