شبكة قدس الإخبارية

لماذا تصاعدت الاعتقالات السياسية وقمع الحريات في الضفة الغربية؟

file_2021-11-30_122818
نداء بسومي

الضفة المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: تشهد الأسابيع الأخيرة في الضفة المحتلة، حملة اعتقالات سياسية واسعة في صفوف نشطاء وصحفيين وطلاب جامعات وأسرى محررين من قبل الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، وقد تزامنت مع هذه الاعتقالات مشاهد موثقة بعدسات الكاميرات للتضييق على الحريات العامة وقمع حرية العمل السياسي، كما حدث في جنازة الشهيد أمجد أبو سلطان في مدينة بيت لحم، حيث اعتدى أفراد من الأجهزة الأمنية بلباس مدني على المشاركين في الجنازة من أبناء الجبهة الشعبية وحماس والجهاد الإسلامي، وصادروا راياتهم.

وقد بلغت هذه الاعتقالات ذروتها بشكل خاص في مدينة جنين في أعقاب الحديث عن خطة أمنية طرحت بشكل واضح بعد جنازة وزير الأسرى السابق والقيادي في حماس وصفي قبها، وكشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية أن الرئيس محمود عباس قرر تغيير قادة الأجهزة الأمنية في جنين، وأوعز بعملية عسكرية فيها، وتبعه تصريح محافظ جنين أكرم الرجوب بأن "أبناء المؤسسة الأمنية كافةً يبذلون جهودًا كبيرة في حفظ الأمن والنظام وإرساء سيادة القانون."

ومؤخرًا، وُثقت العديد من حالات الاعتقال السياسي في مختلف المدن الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، مثل عزت الأقطش ونسيم معلا ومحمد القط وأحمد ملحم وجاسر دويكات، وكان آخرها مشاهد اعتقال جهاز المخابرات العامة لاسلامبولي بدير من مدينة طولكرم، والذي أظهرت المقاطع المصورة الاعتداء عليه أثناء عملية اعتقالهن وذلك قبل الإفراج عنه صباح يوم الثلاثاء 30 نوفمبر 2021.

أزمات أكثر: تضييق أكثر

يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري "أن السلطة دائمًا ما تستسهل الاعتقالات وانتهاكات حقوق الإنسان، لأنها تعتقد أنها بهذه الطريقة تؤكد هيبتها وسيطرتها، خاصةً أنها تواجه تحديات كبيرة، مثل فشل برنامجها السياسي، وإلغاء الانتخابات والأزمة المالية، وتعتقد أن القمع يمكن أن يعوّض عن الوضع الذي تعيش فيه."

ويضيف المصري في حديثه لـ "شبكة قدس"، أن السلطة الفلسطينية قد تشعر بوضع غير مريح أمام هذه التحديات، وغير قادرة على أن تجد حلًا أو جوابًا لها، وهذا ما يجعلها تتخبط وتمعن في غيّها وفي القمع كطريق لحل الإشكالات والتحديات، الأمر الذي يفاقم الموقف بدلًا من حله.

وحول استخدام القوة ضد النشطاء والاعتداء عليهم، يقول المصري: "يبدو أن السلطة لم تتعلم درسها من استخدام القوة ضد نزار بنات، بالتزامن مع غياب مؤسسات التي تردعها، حيث لا يوجد مجلس تشريعي ولا قضاء ولا منظمات ولا وحدة وطنية، هذه الأمور التي يمكن أن تردعها غير متوفرة."

ويؤكد مدير مركز مسارات للسياسات أن هذا القمع والتضييق لن يجدي نفعًا، إذ لا بديل عن الوفاق والشراكة والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، وأن ما يجمعنا كفلسطينيين أكثر مما يفرقنا، وأن العدو هو المستفيد الوحيد من التنافس والفرقة بيننا.

وحول انعكاس أزماتها على تصاعد الاعتقالات السياسية، يوضح الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إلى أن السلطة تعاني من أزمة متعلقة بشرعياتها وقدرتها على القيام بدورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي تجاه الناس، حيث لا يوجد انتخابات وبالتالي لا يوجد تمثيل حقيقي لها، ولا يوجد مصالحة وبالتالي لا يوجد إجماع وطني على الإدارة والقيام، ولا سيما أن السلطة هي من ألغت الانتخابات.

ويستكمل عرابي في حديثه لـ "شبكة قدس": هناك إشكالية بأن الناس لا تشعر أن السياسات القضائية تخدم الناس بقدر متساوٍ، ولا يوجد مشروع سياسي الآن، فالسلطة تأسست بناء على وعد سياسي بأن تأتي للفلسطينيين بدولة، فضلًا عن مجموعة من الأزمات مثل اغتيال نزار بنات وصفقة اللقاحات وتأثيرات معركة سيف القدس، وبعد سلسلة من الحوادث التي تستهدف الاحتلال واضح أن السلطة تستشعر وجود مخاطر.

وبينما أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا رقم (5) لضمان الحريات العامة مطلع العام الجاري، يشير عرابي إلى أن الوعود بضمان الحريات كانت متعلقةً بخوض الانتخابات، بمعنى أنه لا أحد يستطيع خوض الانتخابات في ظل القمع وصدر المرسوم بناء على حوارات القاهرة، والانتخابات ألغيت وأصبحنا أمام واقع سياسي جديد، كما أن الجميع لم يعوّل على الحريات، في ظل أن أحد أدوار السلطة هو القيام بالشق الأمني الذي يمس بالحريات في الشارع الفلسطيني.

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي فإن القمع والقوة واستخدامها ضد النشطاء الفلسطينيين يدل على حالة توتر وارتباك ولجوء للأمن، بدلًا من سياسات أكثر حيوية عبر إشراك الجماهير أو اللجوء لخطوات المصالحة، وهو ما يدفع نحو سياسات أكثر عنفًا وقمعًا.

تصاعد العمل السياسي: تزايد الاعتقالات

في حديثه لـ "شبكة قدس" ينوّه مدير مجموعة محامون من أجل العدالة مهند كراجة إلى أن الاعتقالات السياسية حاليًا تصاعدت تجاه حزبين بشكل أساسي، وهما الجهاد الإسلامي وحركة حماس، حيث أن هناك اعتقالات بالعشرات لنشطاء في الجهاد الإسلامي، خاصة بعد أحداث جنين، والنشاط السياسي لحركة الجهاد في مدينة جنين، وكذلك اعتقالات لنشطاء حماس سواء طلبة الجامعات أو النشطاء السياسيين بشكل عام.

ويضيف كراجة إلى أن الاعتقالات السياسية تتصاعد مؤخرًا، "خاصة بعد إعادة التنسيق الأمني، وبعد فعاليات الشيخ جراح، ومن ثم الحرب على غزة، وفترة الانتخابات وإلغائها، وهناك اعتقالات سياسية تستهدف الطلاب، والنشطاء السياسيين في الحركات السياسية الفلسطينية، ومنظمي النشاطات السياسية علنية ومشاركين فيها مثل مظاهر استقبال الأسرى وجنازات الشهداء أو قيادات الأحزاب السياسية في الضفة الغربية، كما حدث وفاة المرحومين عمر البرغوثي "أبو عاصف" ووصفي كبها، والاعتقالات للمعارضين السياسيين ونشطاء حرية الرأي والتعبير والتي زادت بعد مقتل الشهيد نزار بنات."

غياب المؤسسات الحقوقية

يشير مدير مجموعة محامون من أجل العدالة إلى أن غياب التدخل المباشر من قبل الفصائل الفلسطينية بشكل أساسي يعدّ بمثابة ضوء أخضر لاستمرار مثل هذه الاعتقالات السياسية، هذا من جانب، من جانب آخر فإن عدم تدخل المؤسسات الحقوقية الفلسطينية يشكّل ارتياح لدى السلطة في هذه الحملة من الاعتقالات.

في السياق، تساءل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي حول سبب غياب عدد كبير من المؤسسات الحقوقية في استصدار البيانات، ومتابعة تصاعد التضييق وقمع الحريات، والتي كان آخرها اعتقال إسلامبولي بدير والاعتداء عليه، وسط غياب وتأخر بيانات للعديد من المؤسسات الأهلية والحقوقية في الساحة الفلسطينية.

وتعقيبًا على ذلك، يقول مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك في حديث لـ "شبكة قدس": نحن كهيئة تابعنا قضية إسلامبولي بدير منذ اللحظة الأولى مع الجهات ذات العلاقة، وإلى حين تحققنا من جميع الموضوع، رأينا أنه من المهم مخاطبة الرأي العام في قضيته، وقد أصدرنا بيانًا حولها."

ويضيف دويك: مع العلم أننا دائمًا نركز كهيئة على ما هو التدخل الأنسب كضحية، وليس وفق ما يطلبه الرأي العام الذي قد يكون مفيدًا وأحيانًا لا يكون كذلك، ونحن نقدّر الأمر حسب كل حالة، ولا نصدر بيانًا قبل التحقق وسماع وجهة النظر من الجهة الرسمية، وهذه سياستنا في الضفة وغزة، فإننا قبل إصدار أي بيان نسأل عن روايتهم الرسمية، وحين اكتمال كل العناصر تصدر الهيئة بيانها.

وكانت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان قد أصدرت، صباح الأمس الثلاثاء، بيانًا حول اعتقال الشاب بدير في يوم الإثنين29 نوفمبر2021، طالبت فيه النيابة العسكرية بالتحقيق في الحادث ومحاسبة المسؤولين عن تنفيذ عملية الاعتقال بهذه الطريقة، داعيةً وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية بعمل مراجعة شاملة للإجراءات المتبعة في التوقيف والقبض، بما يضمن سلامة الإجراءات ومراعاة حقوق المواطنين وكرامتهم وحسن معاملتهم.

 

 

 

#السلطة #حماس #الجهاد #الضفة #الاعتقالات السياسية