شبكة قدس الإخبارية

"يما أكلنا السمك".. هاجروا من غزة بحثا عن لقمة العيش وغرقوا في بحر إيجة التركي

163682124037311
هديل الغرباوي

غزة - خاص قُدس الإخبارية: أثارت حادثة غرق قارب ينقل مهاجرين فلسطينيين من قطاع غزة في بحر إيجة الفاصل بين تركيا واليونان؛ حالة من السخط والحزن في الشارع الغزي، حيث أثار تسجيل صوتي أرسله يحيى بربخ - أحد الناجين- إلى والدته قبيل الغرق وهو يقول: "يما أكلنا السمك.. يما ساعتين وإحنا بنغرق. يما الشباب ماتوا.. إحنا بنموت".

بهذه الاستغاثات الصوتية ودع  يحيى بربخ والدته، لينتشر خبر غرق مركب كان يقل 11 شابا غزيا من تركيا إلى اليونان، بحثاً عن لقمة عيش، وتضمنت استغاثته خبر غرق ووفاة صديقه نصر الله الفرا.

تقول محاسن بربخ، والدة يحيى لـ"شبكة قدس"، إن ابنها يحيى أرسل لها الكلمات السابقة في مقطع صوتي مسجل عبر تطبيق "واتساب"، يستغيث بها ويخبرها أن المركب الذي كان على متنه غرق في عرض البحر، ولم تتوجه أي فرق إنقاذ لمساعدتهم، وأنه سافر نتيجة عدم توفر أي فرصة عمل له منذ سبع سنوات، خاصة أنه يعيل أسرة مكونة من ثلاثة أفراد.

شهداء لقمة العيش

خيم الحزن على بيت  "شهيد لقمة العيش" نصر الله الفرا، من مدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، بعدما أُعلِن عن وفاته غرقاً قبالة شواطئ بحر إيجة التركي. 

المُسنّة الفلسطينية أم نصر الله الفرا، أجهشت بالبكاء حزنا على وفاة ابنها، واكتظ منزل آل الفرا بالأهالي الذين قدموا واجب العزاء، وكانت الوالدة المكلومة في حالة صدمة حتى اللحظة مما جرى مع ابنها، بعد ساعات طويلة من القلق والانتظار قبل إعلان وفاته.

وتقول لـ"شبكة قدس": "أبو أدهم سافر بسبب الفقر وقلّة فرص العمل، أراد السفر إلى اليونان للّحاق بزوجته وابنه حيث سافرا قبله إلى هناك، لكنه لقي حتفه قبل أن يلتقي بعائلته، أخبرونا في البداية بأنه مريض وفي المستشفى، ومن ثم ناشدنا جميع المسؤولين علاجه إلى أن أكدوا لنا فاجعة وفاته".

 وأشار شقيق نصر الله، إلى أن "شقيقه أراد السفر في قوارب الموت بحثا عن لقمة العيش وحياة أفضل بسبب انعدام فرص العمل وارتفاع البطالة في قطاع غزة، حيث بدأ عدة محاولات للهجرة، ولكنه تعرض ثلاث مرات للاعتقال من قبل السلطات التركية، إلى أن سافر بحرا، وفقدت آثاره منذ ذلك الوقت، إلى أن أعلن خفر السواحل التركية الأحد الماضي العثور على جثته.

وناشدت عائلة نصر الله الفرا السفارة الفلسطينية في تركيا نقل جثمانه إلى قطاع غزة، ولكن نظرا للتكلفة المادية الكبيرة التي يتطلبها نقل الجثمان فقد تم دفن جثمانه في تركيا.

أبناء غزة طعامٌ للأسماك

أما والد الشاب أنس أبو رجيلة الذي توفى أيضا على شواطئ بحر إيجة التركي، يقول لـ"شبكة قدس" باكيا: "تفاجأت بخبر وفاة ابني أنس، وطالبت  حينها السفارة الفلسطينية في تركيا والرئيس محمود عباس بأن يعيدوا جثة ولدي إلى أرض الوطن بأسرع وقت ممكن".

ووفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الفلسطينية، فقد تمكنت فرق الإنقاذ التركية من إنقاذ 8 فلسطينيين كانوا على متن قارب يقل مهاجرين غرق ببحر إيجة كان في طريقه من تركيا إلى اليونان، وتم نقلهم إلى مراكز إيواء تابعة لإدارة الهجرة التركية. 

وأوضحت السفارة الفلسطينية في تركيا أن 11 فلسطينيا من قطاع غزة كانوا على متن القارب الغارق قبالة مدينة بودروم إلى جانب عدد من المهاجرين من جنسيات عربية وشرق أوسطية.

وهناك، ما يزال مفقود آخر لم يعرف مصيره بعد ممن كانوا على متن القارب من الفلسطينيين، وهو محمود حسن أبو رجيلة.

بيانات وإحصاءات

ويعاني أكثر من 2 مليون فلسطيني في قطاع غزة من تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن معدلات البطالة والفقر ارتفعت في قطاع غزة في العام 2021 إلى ما نسبته 89%، أما معطيات نقابة العمال الفلسطينيين  فأشارت إلى وجود أكثر من 150 ألف عاطل عن العمل في غزة، فيما قدر إجمالي العاطلين عن العمل من فئة العمال أو الذين فقدوا مصدر رزقهم أو الخريجين بلا عمل قرابة ربع مليون شخص.

وأشارت وزارة الداخلية إلى أن أكثر من 74 ألف فلسطيني في قطاع غزة تمكنوا من السفر خارج القطاع عبر معبر رفح منذ بداية العام الحالي، فيما عاد منهم 57 ألفاً فقط. وبقي خارج القطاع نحو 17 ألفاً سواء سافروا بغرض هجرة شرعية عن طريق المعابر أو هجرة غير شرعية عبر قوارب الموت والتهريب.

رحلة محفوفة بالمخاطر

غياب الأفق وغموض المستقبل والانقسام؛ أسباب دفعت خيرة شبان غزة إلى الهجرة، سواء بصورة مؤقتة أو بصورة دائمة، وأغلبية الشبان الساعين إلى الهجرة من حملة الشهادات العلمية المرموقة، أو من أصحاب المهن، وأعداد كبيرة من هؤلاء الشبان هاجروا إلى المجهول دون خطة واضحة، أو تنسيق مسبق للعمل.

إذ يخاطر هؤلاء الشبان بحياتهم للحصول على حياة كريمة في إحدى الدول الإسكندنافية والتي تشمل: السويد والدنمارك والنرويج وفنلندا، أو بريطانيا وألمانيا، حيث تبدأ خطوات الرحلة الشاقة بالحصول على الفيزا التركية، ثم الحصول على موافقة السلطات المصرية لعبور الأراضي المصرية وبلوغ الأراضي التركية من خلال مطار القاهرة الدولي.

وتنطلق الخطوات اللاحقة من الأراضي التركية وخصوصا ولاية "إزمير"، إذ تتولى شبكات التهريب المنظمة عمليات التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، وهذه الشبكات في الكثير من الأحيان تكون سببا في هلاك المهاجرين أو تمكين إلقاء القبض عليهم أو المتاجرة بهم مقابل المال.

وغالبا ما تنطلق القوارب الممتلئة بالمهاجرين من غلاف ولاية إزمير إلى الجزر اليونانية القريبة مثل: جزر كيوس وشيوس وليفوس ورودوس، حيث تقدر المسافة التي تقطعها القوارب قرابة عشرة أميال فقط، تلك التي تفصل الجانب التركي عن اليوناني.

وتستغرق الرحلة نحو 45 دقيقة، تكلف الشخص الواحد قرابة 1500 يورو للهجرة من ولاية إزمير إلى جزيرة كيوس اليونانية، ويتم استخدام نوعين من القوارب، فثمة قوارب مطاطية تتسع لـ 12 شخصا فقط بينما يقوم المهاجرون بتحميل أكثر من 40 مهاجرا إلى جانب القارب "المعدل" و هو شبيه بالقارب المطاطي مع تعديل أرضيته بوضع الخشب لزيادة الحمولة. 

وفي الكثير من الأحيان تتعرض هذه القوارب للغرق بفعل ارتفاع الأمواج أو الأعطال الميكانيكية أو تعمد إغراقها سواء من قبل عناصر شبكة التهريب أو خفر السواحل، وثمة طريقة يتحدث عنها العديد من المهاجرين، حيث يستخدم  المهربون قاربا معطلا لإبعاد السلطات وخفر السواحل عن القوارب الأخرى أو الإبلاغ عنه وتسليمه إلى خفر السواحل اليونانية. 

ولا تنتهي رحلة المهاجر على الضفاف اليونانية المحفوفة بالمخاطر إذ يتوجب عليه عبور دول البلقان للوصول إلى مبتغاه، وينتقل من شبكة تهريب بحرية إلى شبكة تهريب برية أو جوية أخرى. 

وفي عام 2014، فقد 185 شابا من قطاع غزة كانوا على متن سفينة أبحرت من شواطئ الإسكندرية متجهة إلى إيطاليا، والتي اختفت آثارها وانقطع الاتصال بها.

ظروف اقتصادية صعبة

يعاني سكان قطاع غزة من أوضاع معيشية بالغة التعقيد، إذ يعتمد أكثر من 80 في المئة منهم على المساعدات الغذائية العاجلة، وتعيش 53 في المئة من الأسر تحت خط الفقر (التحصيل الشهري أقل من 300 دولار)، ونحو 33 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر المدقع (التحصيل اليومي أقل من خمسة دولارات)، فيما ارتفعت مؤشرات البطالة إلى 85 في المئة، وبلغ عدد الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل نحو 300 ألف، بحسب بيانات البنك الدولي.

أما تقرير الأمم المتحدة عام 2020، فوصف قطاع غزة بأنه منطقة منكوبة. ويقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية روبرت بايبر، إن جميع المؤشرات في غزة تسير في الاتجاه الخطأ.

السينما الفلسطينية

قامت السينما الفلسطينية بإخراج أفلام فلسطينية تحاكي واقع زوارق الموت والهجرة غير الشرعية، أبرزها فيلم "قارب الموت" الذي يوثق شهادات فلسطينيين هاجروا من سوريا عبر البحر المتوسط نحو أوروبا، وواجه العشرات منهم الموت غرقا قبل بلوغهم وجهتهم، وعرض الفيلم مشاهد لغرق سفينة صغيرة تقل 480 لاجئا، بينهم عدد كبير من الفلسطينيين والسوريين والأفارقة على بعد ستين ميلا من السواحل الإيطالية يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 2013.

أما فيلم "فرصة موت" الفلسطيني، فيعرض هواجس ومخاوف الهجرة لدى الشباب الفلسطيني في قطاع غزة مع انعدام الفرص المهنية والمعيشية، الذي فاز بالمركز الأول من بين 120 فيلماً في مهرجان "الأورومتوسطي لأفلام حقوق الإنسان القصيرة". 

 

#غزة #بطالة #هجرة #فرص_عمل #قوارب_الموت