شبكة قدس الإخبارية

لماذا أصبحت السلطة عبئا على الشعب الفلسطيني؟

506535
ناصر ناصر

 

يتزايد الاعتقاد في أوساط الرأي العام الفلسطيني بأن السلطة الوطنية الفلسطينية التي أُنشئت في أعقاب اتفاق أوسلو 1993 لتكون نواة للدولة الفلسطينية المستقبلية قد أصبحت عبئا على الشعب الفلسطيني، بل وأكثر من ذلك أداة من أدوات الاحتلال، وقد ظهر الأمر بوضوح في آراء وأطروحات العديد من الباحثين والمفكرين الوطنيين الفلسطينيين وأخيرا في استطلاعات الرأي العام والتي كان آخرها استطلاعان للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية: الأول في حزيران والثاني في أيلول من هذه السنة 2021 . ففي الأول أعرب 56% من المستطلعة آراؤهم من الفلسطينيين بأن السلطة أصبحت عبئا على شعبها، وقد ارتفعت النسبة في الاستطلاع الثاني لتصل إلى ما يقارب 60%، فلماذا يتزايد ويترسخ هذا الاعتقاد؟ من الممكن القول إن هناك سببين رئيسيين لتحول السلطة إلى عبء وبالتالي إلى ضرر على المشروع الوطني الفلسطيني، أما الأول فهو عدم نجاح السلطة وبعد أكثر من 20 عاما في تحقيق هدفها الرئيس،- بل المساهمة في إبعاد وإضعاف احتمالية تحقيق هذا الهدف الذي أنشئت من أجله وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة وأكثر من ذلك استمرار السلطة في اتباع نفس السياسات تقريباً رغم النتائج السلبية المتشابهة. أما السبب الثاني المتوقع فيتعلق بأداء ونجاعة وفاعلية السلطة حيث يعتقد الكثيرون باأ أدائها السياسي والأمني والإداري والاقتصادي ضعيف بوضوح وبالتالي تحولت إلى أداة يستخدمها الاحتلال بنجاح لخدمة سياساته الاستعمارية الغاشمة. 

أولاً- ولتوضيح السبب الأول فمن المعقول القول بأن ثلاث سياسات أساسية اتبعتها القيادة الرسمية الفلسطينية أدت فيما يبدو لفشل السلطة في الوصول إلى هدفها الوطني بإقامة الدولة وسمحت للاحتلال بالاستمرار في سياساته الغاشمة، أما السياسة الأولى فهي استمرار الإصرار على الخطأ التاريخي بالاعتراف "بدولة إسرائيل" لا بل والتعهد بالتعاون الأمني معها أو ضمان أمنها بشكل مسبق وشبه مجاني ودون قيام الاحتلال بأداء التزاماته في وقف الاستيطان المتزايد باستمرار حتى كاد يقضي أو قضى فعلا على إمكانية تحقيق هدف قيام الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران.

 أما السياسة الثانية فيمكن تسميتها بنظرية أبو مازن أو نهج "محمود عباس" القائم على سلوك "الولد الشاطر" أي الالتزام الدقيق بكل ما هو مطلوب منه أو يزيد لاتفاقات بغض النظر عن التزام الآخرين وهنا نقصد الاحتلال "وليس اتفاقات وطنية داخلية" على أمل موهوم وقد تبين فشله أن يصبح في موقع المهاجم المطالب بحقوقه من الآخرين-الاحتلال.

السياسة الثالثة استمرار عدم التعاون مع إسرائيل بندية بسبب عدم إدراك حجم وأهمية الفلسطيني بالنسبة للمحتل الإسرائيلي الغاشم والذي رغم امتلاكه أوراق قوة هائلة سياسيا وعسكريا واقتصاديا، إلا أنه ما زال يبحث عن الشرعية والتي لا يمكن أن تتم إلا من خلال الضحية الفلسطينية. 

من المناسب الإشارة إلى الندية التي تتعامل بها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وكيف حققت بعضا مهما من التوازنات السياسية والعسكرية المحدودة رغم أهميتها. 

ثانيا- ولتوضيح السبب الثاني المتعلق بأداء السلطة الضعيف كعامل من عوامل اعتقاد الفلسطينيين المتزايد بأن هذه السلطة قد أصبحت عبئا على الشعب الفلسطيني وضررا على مشروعه الوطني فمن ناحية الإدارة والحكم على سبيل المثال فإن غياب الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني بشكل دوري منتظم كما انتشار الفساد وضعف آليات الرقابة والمحاسبة أدى إلى إضعاف ثقة المواطن الفلسطيني بسلطته.

أما من الناحية السياسية والأمنية كمثال آخر فقد أدى أداء السلطة الملتزم أمنيا وسياسيا رغم عدم التزام الاحتلال الى إعفاء هذا الاحتلال من كثير من التزاماته كدولة احتلال يقر العالم بأن لديها مسؤوليات كثيرة، وبالتالي أصبح هذا الاحتلال رخيص الثمن وسمح لإسرائيل أن تستمر به دون رادع أو وازع، كما سمح لإسرائيل بتوظيف السلطة واستخدامها كي تتخلص من أعباء الديموغرافيا الفلسطينية وتحقيق الكثير من الأهداف المتضاربة. 

ومن ناحية ثالثة ظهرت السلطة كغير جدية وغير منضبطة في تعاملها مع أبناء شعبها ومن ذلك انفصام خطابها الإعلامي عن سلوكها الفعلي على الأرض تجاه الاحتلال والتعامل معه، وكذا تجاه القوى والفصائل الوطنية، إلى جانب عدم الالتزام بالاتفاقات الوطنية الداخلية كتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، مما جذر الانقسام البغيض من جهة وعزز الخلافات والمحاور داخل السلطة وحزبها الحاكم فتح، وهذا أدى إلى مظاهر سلبية كثيرة "كالزبائنية" والولاءات الشخصية والبحث عن المصالح الشخصية.

وأخيراً وعلى الرغم من تحول السلطة إلى عبءٍ على الشعب الفلسطيني فليس من المصلحة الوطنية انهيارها ذاتيا نتيجة العجز والفشل إنما المطلوب قرار وطني فلسطيني يعيدها إلى صوابها من حيث الهدف أي أن تكون نواة للدولة الفلسطينية فعلا وحقا وتحقيق قفزات نوعية باتجاه تحسين أدائها في كافة الجوانب، كي تصبح بهذا رافعة للمشروع الوطني، وليس عبئا أو ضررا عليه كما هو الحال الآن.