شبكة قدس الإخبارية

خوف من التخلي الأمريكي وتمدد فكرة المقاومة

كيف ينظر الاحتلال الإسرائيلي للتغيير في أفغانستان؟

237607848_882711879003456_4366985047054229701_n
نداء بسومي

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: بعد عشرين عامًا من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، انسحبت القوات الأمريكية من الدولة الآسيوية، وضاقت رقعة سيطرتها إلى مطار كابل وبشكل مؤقت لتمكين إجلاء مواطنيها وجنودها بشكل آمن، وسط سيطرة كاملة لحركة طالبان على الأرض الأفغانية، ومساعٍ ظهرت في تصريحات متتالية حول نية الحركة بالانفتاح على العالم والخوض في غمار العلاقات الدبلوماسية.

بطبيعة الحال، ينظر الاحتلال الإسرائيلي إلى ما يجري بأفغانستان بعيني المترقب الحذر، ما بين هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية حليفتها الأولى في المنطقة، وما بين وصول حركة إسلامية بأسلحتها إلى الحكم منتصرة على القوات الامريكية والمتعاونين الأفغان.

في تغريدة عبر تويتر، قال وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق موشيه يعالون إن "الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وسيطرة طالبان ستكون له تداعيات على مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وعلى أمن إسرائيل"، الأمر الذي فتح الباب واسعًا أمام المحليين وقرّاء الواقع السياسي في المنطقة للتساؤل حول كيف ترى "إسرائيل" الأحداث في أفغانستان؟

في حديثه لـ "شبكة قدس"، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد أن "إسرائيل" ترى أي تغيير في المنطقة سيؤثر عليها، وسيكون مقلقًا خاصة إذا كان هذا التغيير مضاداً لها، حتى لو لم يدخل الطرف الذي قاد التغيير الحرب معها، ولم يرفع أي تحدٍ عسكري ضدها، ووجود حكومة في أفغانستان تقبل- نوعًا ما- بـ "إسرائيل" أفضل لها من حكومة ترفضها.

قلق فقدان الحليف الأمريكي

من وجهة النظر الإسرائيلية، يعتقد الباحث ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق يعقوب عميدرور في ورقة تقدير موقف أن "الانسحاب الأميركي من أفغانستان وانهيار سياسات واشنطن وتفكك الالتزام والتدخل الأميركي الإقليمي يمثل إشكالية ومعضلة، لأن إسرائيل ستُترك وحدها لتحمل عبء التعامل مع الدول التي تهددها وتهدد المنطقة بأسرها، ولكن هذه فرصة حقيقية أيضا لتقود إسرائيل حلفا إقليميا لمواجهة إيران للدفاع عن نفسها وعن الدول العربية المعتدلة".

وتوضيحًا لذلك، يقول أبو عواد إن الانسحاب الأمريكي من وجهة نظر "إسرائيل" مؤشرٌ خطيرٌ جدًا، "لأن هذا ربما يؤكد ما تفكر به بعض مراكز البحث الإسرائيلية، بأن الولايات المتحدة ستنسحب يوماً ما من المنطقة وستترك إسرائيل تواجه مصيرها وحدها".

ويستطرد المحلل السياسي: بالتالي هذا التراجع للحليف الأمريكي في المنطقة، سيؤدي إلى وجود تحالفات أخرى ربما بعيدة عن "إسرائيل"، وبالتالي ستفقد شيئا فشيئا دورها الشُرَطي في المنطقة، وتبدأ بالشعور أنها لم تعد محورية، وبأن هناك من يملأ مكانها ودورها، وأنها لم تعد تؤدي المطلوب منها.

خلال الأشهر الماضية، مع بدء المفاوضات المباشرة بين الإدارة الأمريكية وحركة طالبان حول كيفية انسحاب القوات الأمريكية، لم توضع على أجندة المفاوضات وضع الحكومة الأفغانية التي أنشئت في ظل الاحتلال الأمريكي، ومع بدء توسع رقعة سيطرة طالبان على الولايات الأفغانية، بدأت هذه الحكومة الموالية لأمريكا بالتساقط شيئًا فشيئًا، انتهاءً بوصول مقاتلي طالبان إلى العاصمة كابل، ومغادرة رئيس الحكومة أشرف غني إلى الإمارات، برفقة بعضٍ من رؤوس النظام.

هذا التخلي الأمريكي الواضح عن الحكومة الأفغانية، وما رافقها من صور تخليهم عن المتعاونين الأفغان المتمسكين بطائرات الإجلاء في كابل، يخيف الاحتلال الإسرائيلي، ووفقًا للمختص في الشأن الإسرائيلي د. عمر جعارة فإن "إسرائيل" قلقة من أن الولايات المتحدة سترفع يدها عن دعمها، تمامًا كما رفعت الولايات المتحدة عن حكومة أفغانستان وأشرف غني.

ويضيف جعارة في حديثه لـ "شبكة قدس": يترقب الإسرائيليون بخوف، وهم يرون عجز الولايات الأمريكية عن تفعيل 200 ألف جندي أفغاني ضد طالبان، التي تمتلك 90 ألف مقاتل منظم.

الخوف من تصاعد تيار المقاومة

"وفق الإعلام الإسرائيلي فإن إسرائيل تنظر إلى حركة طالبان، بأفغانستان انها حركة ظلامية، وتريد العودة بأفغانستان إلى العصور الوسطى، وستمنع تعليم أو عمل النساء، وتريد وضع القيود عليهن، وأن دويلة إسرائيل والفكر الصهيوني يرى في الإسلام ألد أعدائه"، يقول جعارة في إشارة إلى محاولة الاحتلال "شيطنة" حركة طالبان كحركة مقاومة.

ويشير المختص في الشأن الإسرائيلي إلى أن "طالبان التي قالت أمريكا بأنها لن تتفاوض معها، جلست وأملت شروطها على الأمريكان، وهذا ما يقوله الاحتلال عن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لكنه بات يعلم الآن أنه سيجلس مع المقاومة لفرض شروطها".

في السياق، كان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قد هاتف الملا عبد الغني برادر رئيس المكتب السياسي لطالبان، مهنئًا "بزوال الاحتلال الأمريكي عن أفغانستان"، بينما تمنى برادر وفق بيان لحركة حماس" لفلسطين وشعبها المظلوم النصر والتمكين ثمرةً لجهادهم ومقاومتهم."

من جانبه، يقرأ المحلل السياسي والباحث في الشأن الإسرائيلي عادل شديد تداعيات كبيرة للأحداث في أفغانستان من وجهة نظر استراتيجية إسرائيلية، فهي تلامس جوهر العقيدة الأمنية الإسرائيلية، بأن هذا السلوك الأمريكي سيؤدي إلى هبوب رياح محملة بثقافة المقاومة، وسيعزز من ثقافة الكفاح ومناهضة الاحتلال والاستعمار وكل القوى الغربية، لدى كل معارضي المشروع الأمريكي والاستعماري في المنطقة.

ويقول شديد لـ "شبكة قدس" إن "هذا الانسحاب الذي حاول بايدن أن يقلل من فضيحته من أفغانستان وقبله من فيتنام وحاليًا في العراق بلمساته الأخيرة، يعني أن هذا الاحتلال الإسرائيلي بالنهاية مصيره الرحيل والزوال، وهذا يؤثر على مقومات بقاء إسرائيل، ونظرة إسرائيل لذاتها ولجيشها وعدوها".

ويتابع: بالمقابل تعزز الهزيمة الأمريكية في أفغانستان من ثقة الشعب الفلسطيني بذاته، وأنه مهما كانت الظروف سيئة فإنها ستتبدل، وبأن موازين القوى لن تبقى على حالها، تجربة أفغانستان أكدت للعالم أن الإرادة والوحدة والالتصاق بالشعب كفيلة بدحر الاحتلال، وتشكل نداً قوياً لموازين القوى، وتملأ الفجوة بين موازين الاستعمار والمستَعمَر.

وعلى صعيد آخر، يعتقد الباحث والمحلل السياسي عادل شديد أن أحداث أفغانستان ستعزز ثقة تيار الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، والذي هم على خلاف مع جوهر المشروع والسياسة الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة.

إضافة إلى ذلك، يرى شديد أن الانسحاب الأمريكي سيشكل ضربة قوية للمحور العربي المتحالف مع إسرائيل أو عملاء إسرائيل، أو الأنظمة التي تراهن على الحصول على شرعيتها من قِبَل إسرائيل وأمريكا، "بأن مصيرها سيكون كجماعة أنطوان لحد قبل عشرين سنة في لبنان، وكجماعة حكومة أشرف غني وحامد كرزاي في أفغانستان، بمعنى أنه سيقتل حافزية أو دافعية أو شرعية أو تبرير أي جهة ستتحدى إرادة شعبها وتتوجه للتحالف مع الإسرائيلي أو الأمريكي."