شبكة قدس الإخبارية

عناصر قوة ينبغي استحضارها في قضية الشيخ جراح 

60ad31613480b
زياد ابحيص

 

أربعة عناصر قوة مهمة ما تزال غائبة عن ميدان المواجهة على حي الشيخ جراح، ومن شأنها أن تعزز مسار الصمود والصبر الطويل الذي خاضه أهالي الحي، ونموذج الإرادة الاستثنائية الذي قدموه وقدمه الكثيرون ممن وقفوا إلى جانبهم وخاضوا المعركة معهم.

اليوم وبين يدي الموعد المضروب لمحكمة الاحتلال المسماة بالعليا بعد غدٍ الإثنين 2-8-2021 الساعة 11:00 صباحاً لتقرر ما إذا كانت ستنظر في قضية كرم الجاعوني في الشيخ جراح أم ستردها وتترك المجال لتنفيذ حكم "المحكمة المركزية" السابق بتهجيرهم من بيوتهم؛ فإن الأولوية يجب أن تنصب إلى اتجاهين: الاتجاه الأول هو متابعة المجريات الميدانية وفي القلب منها تحرك الأخوين التوأمين منى ومحمد الكرد وبالذات في المواعيد المحددة للمحاكمة أو محاولات تنفيذ التهجير القسري بحقهم، أما الاتجاه الثاني فهو استحضار المزيد من عناصر القوة التي تدعم نضالهم وتعزز موقفهم، وهذه مسؤولية كل المناصرين لهم من مواقعهم إن أرادوا أن يكونوا مؤثرين في تغيير مسار هذه القضية. 

أما عناصر القوة المطلوب استحضارها فهي: 

أولاً: تقويض الرواية التاريخية الصهيونية في الحي:

 لقد كان جزء كبير مما أنجز في قضية الشيخ جراح قائماً على التعاطف العالمي مع الحقيقة الناصعة لهذه القضية باعتبارها أنها تهجير لأهل الأرض وإحلالٌ لمستوطنين أغراب في مكانهم، وقد أسهمت في ذلك قوة الرواية الشخصية الصادقة للشقيقين منى ومحمد الكرد، والوقاحة التي حملها المستوطن الذي يسمي نفسه يعقوب فاوتشي والذي يحتل النصف الآخر من منزلهما.

الواقع أن الحقائق التاريخية التي يسوقها هؤلاء المستوطنون لملكيتهم للعقار لا تقل كذباً وافتضاحاً عما يجسده المستوطن يعقوب أمام الإعلام:

-         فالرواية الصهيونية تبني أهمية هذه الأرض على "الصديق شمعون" المذكور في التلمود باعتباره "كاهن أعظم" للمعبد المزعوم الذي كان في القدس عند دخول الإسكندر الأكبر إليها، والصديق شمعون بأسره شخصية وهمية لا يمكن إثبات وجودها، وحادثة دخول الإسكندر الأكبر بنفسه إلى القدس لا يمكن إثباتها هي الأخرى. 

-         وصف قبر هذا الشخص المزعوم جاء في القرن الثالث عشر الميلادي، أي بفارق ستة عشر قرناً من تاريخ وجوده ودفنه، وقد وصفه حاخام أندلسي هو موشيه بن نحمان المعروف بالـ"رامبان". وقبر الرامبان هذا نفسه غير معلوم المكان، فبعض الروايات اليهودية تقول إنه في حيفا، وأخرى تقول إنه في القدس في مغارةٍ تقع في وقف عائلة أبو جبنة المجاور للمغارة المزعومة لقبر "شمعون الصدّيق" المزعوم؛ وقد حاول وزير الأديان الصهيوني مصادرة وقف أبو جبنة عام 2000 انطلاقاً من زعم وجود القبر الأحدث الذي عمره لا يزيد نظرياً عن 7 قرون وفشل، إذ تمكنت عائلة أبو جبنة وأمام القضاء الصهيوني المنحاز أن تثبت ملكيتها بما لم يدع مجالاً للحكم لصالح الزعم الصهيوني بأي شكل، وخسرت القضية في المحكمة الصهيونية العليا عام 2008. 

-         إذا كان الرامبان نفسه وعمر وفاته 7 قرون غير معروف المكان، فكيف يمكن تحديد قبر لشخص افتراضي وصفه هو قبل 16 قرناً، ومر اليوم على وجوده المزعوم 23 قرناً من الزمن!

 -         النقش الموجود على القبر داخل المغارة عليه اسم "جوليا سابينا" وهو غالباً لسيدة رومانية في القرن الأول الميلادي متزامنة مع فترة ظهور المسيحية في فلسطين، وهو ما يقوض الافتراض بأنه لرجل دين يهودي. أما القبر في الغرفة خارج المغارة فهو للشيخ محمد معو الصغير السعدي الذي أوقف أرض كرم الجاعوني على ذريته التي باتت تعرف بعائلة حجازي السعدي.

-         إن قبر الصديق شمعون في المحصلة اختلاق توراتي ربط قسراً بالشيخ جراح، فلا شمعون شخص حقيقي يمكن إثباته، ولا قبره معلوم المكان، ولا حتى قبر واصف هذا القبر معلوم المكان!

-         تقول المصادر الصهيونية إن اليهود كانوا يحتفلون بهذه المناسبة في القدس بشكل منتظم في عيد الشعلة المسمى "لاج باعومير" منذ 1860 تقريباً، والوصف العربي المتوفر لهذا الاحتفال يقول بأنه كان يتم بالفعل نهاية القرن التاسع عشر لكن باعتبار أنه احتفال بمقام لا يختص باليهود وحدهم، والواضح أن الاحتفاء به كمقام كان أمراً عابراً ومؤقتاً لأنه ليس حاضراً في المصادر اللاحقة، وإلا لكان له ذكر حقيقي في مجريات ثورة البراق التي كانت الحدث الفاصل في العداء للمهاجرين اليهود شعبياً، والواضح أن التجمع عنده توقف قبلها وليس بحلولها. 

هذه الرواية الواهية المليئة بالاختلاقات هي التي يبنى عليها الزعم الصهيوني للوجود اليهودي المبكر هذه الأرض ما قبل عام 1948، وهي التي يجري على أساسها الاستيلاء على الحي باسم "استعادته" المزعومة؛ وواجب الأكاديميين الفلسطينيين والمؤرخين اليوم أن يقدموا جهدهم في تعرية هذه الرواية والبناء عليها كنموذج لهدم الرواية الصهيونية المختلقة، والباب مفتوح أمامهم لأداء هذا الواجب. 

ثانياً: تقويض الموقف القانوني للمستوطنين: 

تنبني الرواية الصهيونية في المبدأ على اعتبار هذه القضية "استعادة ملكية" لمستوطنين اشتروا هذه الأرض في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وتقدم وثيقة شراء تعرف بالوثيقة 37 وهذه الوثيقة ساقطة من جوانب عديدة جداً ما تزال غير حاضرة في نقاش القضية حتى اليوم: 

-         والمؤكد أن الوثيقة رقم 37 ليس لها أصل ولا رقم في أرشيف الطابو العثماني، ما يعني بالضرورة أنها مزورة. 

-         أما العقد الذي أسس للوجود اليهودي في هذا الوقف فهو في الغالب عقد "تحكير" أي عقد إجارة طويل الأمد كما كان شائعاً للأوقاف في تلك المرحلة، وليس عقد شراء كما يزعم الصهاينة، وجاء كبديل لرسم المرور الذي كان يؤخذ من الوافدين إلى المقام لقاء تخريبهم المحصول الربيعي المزروع في الأرض. عقود التحكير كانت في الغالب حججاً محلية تسجل في المحكمة الشرعية في القدس، وهذا يفسر غياب العقود عن هذه الأرض ما بعد وقفها لأبناء محمد معو السعدي وأبناء شقيقه في عام 1814، فهذه آخر وثيقة مؤكدة عثمانياً. 

-         هناك مؤرخون صهاينة يرفضون حقيقة وجود الكيانات المسماة "لجنة يهود القدس الشرقيين" ولجنة "يهود القدس الغربيين" الذين ينسب إليهم "شراء" هذه الأرض، وهم يؤكدون أن هذه العقود تمت بأسماء أفراد وليس كيانات، وبالتالي فإن الوثيقة الصهيونية ليست فقط مزورة، بل هي باسم شخص معنوي مختلق لم يكن قائماً عند حصول البيع المزعوم. 

-         لقد خاض المقدسي سليمان درويش حجازي معركة قضائية طويلة لإثبات أصل الأرض كوقف ذري متسلحاً بوثائق عثمانية أصلية، وقد أربك موقفه المستوطنين وفريقهم القانوني، فلجأوا بعد تحركه لبيع الأرض من هذه الكيانات المزعومة إلى جمعية استيطانية باسم "حُموت شالوم"، التي قامت خلال شهور بإعادة بيعها لشركة أمريكية تسمي نفسها "نحلات شمعون"، وقد لجأوا إلى تصفية الجمعية الوسيطة العام الماضي لتصبح استعادتها إلى القضية مستحيلة؛ أي أن القضية الصهيونية عملياً مبنية على "استحداث الوقائع" وهذا هو السلوك الصهيوني الدائم على الأرض، رواية مختلَقة مسنودة بفرض الوقائع.

 اليوم هناك فرص كبيرة لم تستثمر لإثبات تزوير وثيقة شراء كرم الجاعوني، وتأكيد اختلاق الكيانات التي يُزعم أنها اشترت الأرض، وتعزيز الموقف الأصلي بأنها كانت وقفاً ذرياً. ولا بد من حضور هذه العناصر كذلك في الخطاب الإعلامي والسياسي حول القضية لأنه يؤسس لما هو أهم.

ثالثاً: فتح ملف الملكيات الفلسطينية ما قبل عام 1948: 

أما الأهم الذي تؤسس له هذه المقدمات فهو اتخاذ هذه القضية منطلقاً لفتح ملف الملكيات الفلسطينية ما قبل عام 1948. اليوم تقر المحكمة الصهيونية بحق جمعيات يهودية مختلقة بحقها في استعادة ملكية كانت تستأجرها، بينما تمنع هذا الحق الواضح عن فلسطينيين في شرقي القدس من العودة إلى بيوتٍ كانوا يمتلكونها بوثائق رسمية على بعد مئات الأمتار من مكان سكنهم اليوم، وأملاكهم ماثلة في الطالبية والبقعة والقطمون، ومن بينهم بعض أهل الحي المهددين بالتهجير للمرة الثانية اليوم!

بما أن المحكمة الصهيونية تمارس بنفسها مبدأ حق استعادة الملكية لمن تثبت ملكيته لها، فنحن أول المعنيين بهذا المبدأ: أن تعود كل أرض في فلسطين لمن تثبت ملكيته الحقيقية لها، ولنبدأ بالمهجرين من أهل الشيخ جراح، ومن أهل الجليل والنقب في الأراضي المحتلة عام 1948، ولا داعي لأن نستجدي التبني الرسمي من السلطة أو حتى التبني الفصائلي لهذه المبادرة، والباب مفتوح لتفعل القضية على مستوياتها السياسية والقانونية بمبادرات مجتمعية.

رابعاً: إدخال المحكمة الجنائية الدولية طرفاً في القضية:   

أخيراً، فإن ما يريد الاحتلال اقترافه في الشيخ جراح هو جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية في الوقت عينه، بوصفه "تهجير جماعي" لأصحاب الأرض وإحلال لمستوطنين في مكانهم، وهذا بموجب ميثاق روما لعام 1998 وهو المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.

اليوم ورغم كل الإحراج الدولي لم نتوصل حتى الآن لأن تعلن أي دولة عربية أو إسلامية أو حتى صديقة إحالة القضية رسمياً إلى المحكمة، وكل ما تم حتى الآن هو مبادرة مجتمعية قدمت القضية كشكوى من الجمهور إلى مكتب تحقيق تابع للمدعي العام للجنائية الدولية، وهو تقديم غير ملزم، بوسع المدعي العام تفعيله أو التغاضي عنه، بعكس الإحالة من دولة، أو من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن. إن النظام الرسمي العربي بمن فيه الأردن –الدولة الضامنة لأهل الحي- والسلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير -باعتبارها تقدم نفسها على أنها "القيادة الفلسطينية"- ما زالوا جميعاً خارج مربع خوض هذه القضية كما يجب، وبوسع أي واحد منهم إحالة هذه القضية للجنائية الدولية بشكل يقلب الطاولة على الصهاينة، وهذا بتنا نعرف أنه لن يتم طوعاً، وأنه بحاجة لكثير من الضغوط والجهود لكي يجد أحد أولئك اللاعبين نفسه مضطراً لاتخاذ هذه الخطوة.

 

 

##أنقذوا_حي_الشيخ_جراح ##لن_يهزم