شبكة قدس الإخبارية

عن حاجة المشروع الوطني الفلسطيني إلى "التنظير"

الشباب-الفلسطيني
فراس أبو هلال

تتصاعد الأسئلة والنقاشات في نهاية كل حرب أو جولة مقاومة أو اشتباك بين الشعب الفلسطيني وفصائله من جهة وبين الاحتلال من جهة أخرى، وينشغل الناس في الإجابة على سؤال الانتصار والهزيمة، بينما تضيع القضية الأكثر أهمية وهي البحث في كيفية الاستثمار السياسي للمواجهة أو الحرب.

يحدث هذا في زمن لا تقل فيه أهمية السياسة عن القوة العسكرية أو المقاومة الشعبية، لأن السياسة هي التي يجب أن تحصد نتائج النضال في نهاية الأمر، ولا يمكن لأي حركة نضالية أن تحقق أهدافها -مهما بلغت من قوة وانتصار- دون رديف سياسي واع وقادر.

في هذا النقاش حول السياسة والحرب، تحضر تجربتا الانتفاضتين الأولى والثانية، وهما الجولتان الطويلتان اللتان قدم فيهما الشعب الفلسطيني وفصائله تضحيات عظيمة، ولكنهما في نهاية الأمر أفضيتا إلى نتائج سياسية كارثية، وهما أوسلو في نهاية الانتفاضة الأولى، وسلطة عباس بمشروع دايتون بعد انتهاء الانتفاضة الثانية. إن هذا الفشل السياسي لم يؤثر سلبا فقط على واقع الفلسطينيين، بل إنه يحمل آثارا مدمرة على مستقبل النضال الوطني الفلسطيني، لأن هاتين التجربتين ستبقيان حاضرتين في خلفية تفكير كل فلسطيني، وقد تمنعانه من البحث عن خيارات الاشتباك مع الاحتلال بذريعة أن آخر تجربتين للاشتباك انتهيتا بخسارة سياسية كبيرة رغم أهميتهما وحجم التضحيات فيهما.

وبدلا من تحليل أسباب هذا الفشل، يتم التوصل أحيانا لاستنتاجات قطعية، من قبيل أن النضال الفلسطيني حاليا لا يمكن أن يحقق نتائج سياسية بسبب اختلال موازين القوى الرهيب، أو أن كلا النموذجين -العسكري والشعبي- للنضال مع الاحتلال محكومان بالفشل، وأنهما ليسا سوى استنزاف لحياة الفلسطينيين ومواردهم دون تحقيق نتائج. هذا بلا شك استنتاج سهل ويريح الفاعل السياسي من التفكير، ويحمل مسؤولية الفشل السياسي "للمجهول" أو للآخر أو لموازين القوى، ولكنه استنتاج يعطل التفكير المنتج للأفكار والأفعال معا.

فشل الفلسطينيون في تحقيق نتائج سياسية مناسبة بعد الانتفاضة الأولى لأنهم لم يخططوا جيدا لذلك، ولأنهم لم يفكروا و"ينظّروا" لطريقة التعامل مع المرحلة بهدف الحصول على أفضل النتائج، وفشلوا كذلك في الانتفاضة الثانية لأنهم لم يضعوا "نظرية سياسية" تحسن استثمار الإنجازات التي تحققت على صعيد المواجهة مع الاحتلال وتحويلها لانتصارات سياسية.

يستمر هذا الفشل وبشكل أكبر فداحة منذ نهاية الانتفاضة الثانية، إذ يكاد يغيب التنظير عن الساحة الفلسطينية، وبالتالي تغيب الاقتراحات والخطط للخروج من المأزق الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وفصائله على أكثر من صعيد. يبدع الفلسطيني في المقاومة، ويقدم التضحيات، وتزداد قائمة شهدائه يوما بعد يوم، ولكن قائمة إنجازاته السياسية لا تبرح مكانها، كما أن معالم الانسداد السياسي في كافة الجبهات تبقى مغلقة كما هي، لأن فصائله تفتقد للتنظير وللتخطيط السياسي، وكأنها تعمل بنظام "المياومة"! إذ أنها تعد رد فعلها على كل حدث على حدة بدلا من التخطيط الاستراتيجي الذي يستبق الأحداث.

لو نظرنا الآن للواقع الفلسطيني سنجد الكثير من الملفات التي تراوح مكانها منذ عام 2006، بذريعة أنه لا حل لها، دون أن نعرف هل بحثت الفصائل عن حلول خلاقة ومبدعة لهذه الملفات أو أنها تركتها دون أن تتكلف عناء البحث والتنظير؟ وهذه بعض الأمثلة:

· كيف يمكن إنهاء الانقسام بعيدا عن سقف سلطة أوسلو؟ وكيف يمكن الفصل بين فتح والسلطة؟

· هل يمكن تبني خيار "حل السلطة" أو "تغيير وظيفتها" وما هي النتائج الممكنة لكل خيار؟

· في حال عدم إمكانية تنفيذ خيار "حل السلطة"، هل يمكن التعامل مع السلطة باعتبارها كيانا غير شرعي؟ وما هي النتائج السلبية والإيجابية لمثل هذا الخيار؟

· هل يمكن للفلسطينيين التخلي عن منظمة التحرير والبحث عن بديل آخر؟

· كيف يمكن بناء اقتصاد فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يتخلص تدريجيا من سيطرة الاحتلال وقدرته على فرض أجندته من خلال الحصار؟

· ما هي أشكال النضال الممكنة في الضفة الغربية في ظل وجود سلطة أوسلو والتنسيق الأمني؟

· هل يمكن قيام مقاومة شعبية شاملة متدرجة تصل للعصيان المدني؟

هذه بعض الأسئلة الكبرى التي يحتاج الفلسطينيون وفصائلهم للإجابة عليها، بحيث يكون التحرك للمستقبل مبنيا على قراءة علمية وتنظير واع، بدلا من الاكتفاء بالقول إن كل الخيارات غير ممكنة، وهو الجواب الجاهز على لسان كل قيادي في أي فصيل فلسطيني عندما يسأل عن هذا الخيار النضالي أو ذاك!

#مقاومة #اشتباك