شبكة قدس الإخبارية

الخطاب الحقوقي في مواجهة الانتهاكات

QklrZ-780x470
ماجد العاروري

لا زال الكثيرون من القادة السياسيين الفلسطينين ينظرون باستهتار شديد الى الخطاب الحقوقي المحلي والدولي، ويعتقدون أنه لا ينجم عن ذلك أكثر من بيانات إدانة واستنكار يتلاشى أثره خلال أيام قليلة، تماماً كما ينظرون إلى قضايا الرأي العام الفلسطينية.

هذه النظرة فيها عجز وجهالة وضعف بإدراك ما يسود في العالم من تحولات، فالخطاب الحقوقي اليوم بات أكثر تأثيراً من الخطاب السياسي بل أجزم أنه اكثر تاثيراً من الفعل العسكري أو حتى النزول إلى الشارع، هذا الخطاب هو المؤثر على سياسات عدد من دول العالم، فلا يمكن على سبيل المثال أن يعلن رئيس أكبر دولة في العالم عن دعمه لأي قيادة سياسية تتهم بإرتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان رغم قدرته على دعم أنظمة غير منتخبة، يمكن لصفقات تجارية أن تتوقف إذا جوبهت بلغة حقوق الإنسان، والأهم من ذلك أن أذرع محكمة الجنايات الدولية ممتدة إلى أعناق الدول التي وقعت على ميثاقها.

في هذا الشأن محكمة الجنايات الدولية مهدت طريقها بقوة نحو فلسطين، وثبتت بقرارات أصدرتها قبل عدة أسابيع أن الأراضي الفلسطينية تخضع لولاية المحكمة واختصاصها المكاني، ويمكن للمدعي العام أن يباشر التحقيق من تلقاء نفسه إذا توفرت لديه معلومات حول وقوع انتهاكات بغض النظر عن مصدر هذه المعلومات ذوي الضحايا أو المؤسسات الحقوقية أو وسائل الإعلام، وبالتالي لا يوجد حصانة لأي دولة وقعت على الميثاق من الملاحقة، والتعذيب هو أحد أهم اختصاصها.

المدعي العام في محكمة الجنايات لا تكون قراراته حبراً على ورق، قوته ارهبت كافة قادة أركان الجيش الإسرائيلي وحكومتهم، فما بالكم في دول ضعيفة أن قرر يمارس صلاحيته عليها؟ لا أعتقد أن هناك دولة أضعف منا من الموقعين على ميثاق المحكمة، أجزم أنها قادرة على ممارسة توقيف من يشتبه بهم مهما بلغ عددهم. فلماذا لا نحاكمهم بمحاكم علنية في فلسطين؟

الجانب الآخر الذي يغفله البعض أن القضايا الحقوقية هي المحرك لحركات التضامن الدولية، فالخطاب الحقوقي هو الذي حرك مسيرات التضامن مع الشعب الفلسطيني خلال هبة القدس والحرب على غزة في كل عواصم العالم، وليس البعد الوطني أو السياسي الفلسطيني إنما ممارسة التمييز العنصري وإنكار حقوق الإنسان الفلسطيني.

لا أعتقد أن مجموعة دولية حقوقية تدعو لمسيرة من أجل شأن سياسي أو حتى حقوقي كالانتخابات لكنها تنظر إلى التعذيب المؤدي للموت بحساسية تشبه حساسية نظرته للتمييز العنصري، لذا علينا أن ندرك حجم الضرر الذي سيلحق بالجميع إن طغى الخطاب الحقوقي على الرأي العام الدولي، وأن نتجنب أن تكون قضاينا الداخلية مرتع عمل الحركة الحقوقية الجماهيرية أن حققنا العدل داخلياً.

إن كان من شخص رشيد في السلطة وصاحب قرار، لا بد أن ينصحها دعكم من نظرية شارع مقابل شارع، وحشد يغزوا حشداً، أرسلوا الشرطة لحماية المتظاهرين، دعوهم يعبروا عن رأيهم بحرية، لا تلتفتوا إلى هتافتهم حتى لوكانت مؤذية، التفتوا فقط إلى مطالبهم وحقوقهم.

اعلموا إن إحساس الشارع بالاستجابة إلى مطالبة المشروعة يخفف عليهم الاحتقان، وبذلك نحل أزماتنا داخلياً ونحول دون أي فرصة لتدويل قضايانا الداخلية وهذا ما اتمناه وانصح فيه، خاصة أن السلطة هي من وقعت الاتفاقيات ومنحت ادوات التدويل الحقوقية المشروعية الاخلاقية والقانونية، والمشروعية تشمل نوع الانتهاك ولا تميز بين فاعليه.

كونوا على يقين أن التاريخ لا يعود إلى الوراء، واستثمروا بما هو مقبول للناس اليوم وما قد لا يكون مقبولاً يوم غد، مطالب الناس متواضعة جدا وبسيطة إنها "محاسبة من ارتكبوا الجريمة" و "إجراء الانتخابات العامة"، ولا أظنها تصغر أكثر من ذلك لكن التجارب تشير إلى أنها تكبر.

#نزار_بنات #الانتهاكات_في_الضفة