شبكة قدس الإخبارية

الإعلام الغربي والانسياق للرواية الإسرائيلية

11197946_0-348-3948-2223
معز كراجة

من المضلل إرجاع سبب هيمنة الرواية الإسرائيلية على الرأي العام الدولي طوال السنوات الماضية الى "العبقرية الاسرائيلية"، لأن ذلك يبعدنا عن السبب الأكثر أهمية وهو تواطؤ الجزء الأكبر والأهم من الإعلام الغربي مع تلك الرواية واستعداده الدائم لتبنيها، فتلك الهيمنة حدثت لأن هناك تكامل بين السياسة الإسرائيلية والإعلام الغربي

من أبرز مظاهر هذا التكامل بينهما أن "إسرائيل" وعند وقوع حدث ما تقدم روايتها له على شكل إدعاء أو كذبة معينة، مثل: إنها تقتل الكثير من الأطفال لأن حماس تطلق الصواريخ من بين البيوت السكنية.

أو إسرائيل اقتحمت المسجد الأقصى واعتدت على المصلين لأن حماس أو غيرها حولته إلى مكان للتحريض، أو قتلت ذلك الشاب على الحاجز لأنه كان يحاول الطعن… إلخ

هذه الادعاءات لا قيمة لها بدون الاعلام الغربي، فهو يأخذها كحقائق دون أن يطالب الإسرائيلي باثباتها، أو طلب الإثبات غالبا ما يكون على شكل سؤال عابر وسريع في مقابلة ما، ولكن المساهمة الأكبر في تحويل الادعاء إلى حقيقة تهيمن على وعي الجمهور، هو عندما يسارع هذا الإعلام لمطالبة الفلسطيني نفيه. بمعنى آخر، الاعلام الغربي لا يتبنى الكذب الاسرائيلي كحقيقة فقط، وإنما يلصق تلك الكذبة على شكل "إتهام" يطالب الفلسطيني إثبات "براءته" منه.

نجح الإعلام الغربي بتكامله وتواطئه مع الإسرائيلي في وضع الفلسطيني غالبا في موقع "المتهم" المجبر على الدفاع عن نفسه.

وقد كانت المقابلات التلفزيونية والإذاعية من أكثر وأهم الوسائل مساهمة في تحقيق ذلك النجاح، وهنا ليس المهم مدى نجاح الفلسطيني في نفي تلك "التهمة" أو مدى مهارته في تقديم إجابة مقنعة، لأنه وبغض النظر عن تلك الإجابات، مجرد القبول بمنطلق السؤال ومنطقه هو خسارة لنا ومكسب للإسرائيلي الذي أطلق كذبته واستراح ليكمل الإعلام الغربي المهمة عنه.

لنأخذ على سبيل المثال قضية استشهاد الأطفال في العدوان الأخير على غزة، فهنا لا يستطيع الإعلام الغربي تجاهل هكذا جريمة كبيرة وواضحة، لأنه سيفشل، ولكن الأسهل عليه تحويل تلك الجريمة الثابتة إلى قضية خلافية وإثارة الشك حول المتسبب بها.

وهذا ما قد حصل في جريمة قتل الطفل محمد الدرة حيث وبمجرد مطالبة الفلسطيني بنفي أنه ليس طرفا في هذه الجريمة، ومجرد قبول الفلسطيني بالاتهام ومحاولة نفيه، نكون قد ساهمنا في حرف الأنظار والاهتمام من الجريمة نفسها إلى سؤال من الفاعل.

ليس المهم فقط ماذا نجيب على أسئلة الاعلام، وإنما الأكثر أهمية هو فهم منطلق السؤال ومنطقه، وبناء عليه نقبله أو نرفضه.

لا يجدر بنا قبول السؤال مهما كان، لأن السؤال في الاعلام يحمل بالضرورة حقيقة ما أو وجهة نظر، والسؤال أيضا تحديد إطار قضية النقاش، والسؤال أيضا بقدر ما يلقي الضوء على جانب معين من قضية ما، فهو بالضرورة يهمل جانب أخر ويرميه في عتمة الوعي. لذلك فإن قبول أو رفض منطق ومنطلق السؤال يعني أنك تقبل أو ترفض من أين تبدأ مناقشة القضية وما هو المهم منها وما هو المهمل فيها.

انتبهوا مثلا، حتى عندما تقوم صحيفة إسرائيلية مثل "هآتس" أو حتى صحيفة أمريكية مثل نيويورك تايمز بنشر صور الأطفال الشهداء والحديث عنهم، يجب أن ندقق جيدا في أسلوب عرض هذه الجريمة، فمثلا قد يكون منطلق تلك الصحف أن الأطفال راحوا ضحية "حرب" تسبب بها كل من "إسرائيل" وحماس، بمعنى آخر، الصحف هنا تطرح الجريمة ولكنها تخفي المجرم أو على الأقل توزع إثمها على الطرفين.

أو قد تنجح تلك الصحف أيضا في تثبيت أن "حرب" إسرائيل على القطاع عادلة ولها أسبابها، ولكن هناك أخطاء عليها تجنبها في "حروب قادمة". إذا اسرائيل هنا ليست احتلال ولا معتدية، وإنما تقوم بحرب عادلة يقع فيها أخطاء.

بالمناسبة، هذا الدور للإعلام الغربي لا يقتصر على الاعتداءات وجرائم القتل، فهو يمارس نفس الدور في القضايا السياسية، فنذكر مثلا عند إنطلاق الحديث عن "صفقة القرن"، أجرت قناة السي إن إن مقابلة مع رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي حول الموضوع، وكان أول سؤال له ومضمون معظم المقابلة يدور حول "لماذا رفضتم الصفقة".

وهنا لننتبه، إن السؤال وكأنه يوحي ضمنيا بأن الصفقة جيدة ولكن الفلسطيني رفضها، وعليه أن يبرر لماذا يرفض الحلول، أو على الأقل، السؤال حول مضمون الصفقة إلى مسألة ثانوية مقابل القضية الجوهرية التي هو خلقها وثبتها وهي "رفض الفلسطيني" لها.

كما أن السؤال حول الإسرائيلي من محتل إلى طرف "يعطي" و "يقدم" حلول وتنازلات، والفلسطيني يرفض، السؤال هو الذي ثبت هذا الجوهر لقضية صفقة القرن.

وهذا أيضا ما حصل تماما بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، عندما تبنى الإعلام الغربي مصطلح " غير شريك في عملية السلام" الذي أطلق على عرفات، حيث نجحوا حينها في تحميله مسؤولية فشل المفاوضات، ومهدوا بذلك الرأي العام الدولي للحظة "التخلص" منه

المسألة ليست "عبقرية إسرائيلية" بقدر ما هي دعم غير محدود للإسرائيلي، وأيضا وقوعنا كفلسطينيين في فخ الإعلام الغربي، يجب تفكيك السؤال قبل الإجابة عليه، وعلينا أن نحدد نحن منطق ومنطلق السؤال.

#الإعلام_الغربي