شبكة قدس الإخبارية

زيارات المسؤولين الدوليين للمقاطعة بعد سيف القدس.. كيف تنظر لها قيادة السلطة؟

162210788129461
هيئة التحرير

رام الله - خاص قدس الإخبارية: لم تكد تهدأ أصوات طائرات الحرب في غزة حتى بدأ ضجيج الطائرات الدبلوماسية يغزو الشرق الأوسط بخط سير يبدأ من مصر مرورا بالأردن إلى تل أبيب وأخيرا في مقاطعة رام الله مع اختلاف في الترتيب أحيانا، والمؤكد الذي تشير له هذه التحركات أن ما قبل معركة سيف القدس ليس كما بعدها، سياسيا وعسكريا واستراتيجيا.

هذا ما يؤكده الإسرائيليون في تقديراتهم وكذلك قادة حركة حماس، ومن بينهم رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الذي أشار في مقابلة صحفية بتاريخ 25 مايو 2021 أن المعركة شكلت نقطة فاصلة بين مرحلتين، في الثانية أصبح التنسيق الأمني ومشروعه خلف ظهر الشعب الفلسطيني.

وتشير مصادر مطلعة لـ "شبكة قدس" أن بعض الضيوف الذين وصلوا للمقاطعة كانت زياراتهم معدة مسبقا، كما في حالة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، ولم يكن موضوعها الرئيسي بالأساس الحرب التي وقعت على غزة، لكن الأخيرة فرضت نفسها على النقاشات، إذ أكد ماس مرة أخرى على ضرورة تجديد الشرعيات في النظام السياسي الفلسطيني، فيما رد الرئيس عباس بأن ذلك مرتبط بمدى التزام "إسرائيل" بتسهيل إجراء الانتخابات بالقدس، وهو ما رد عليه الأول بالتأكيد أنه كان بالإمكان اللجوء للكثير من الخيارات والمقترحات والتي يمكن إعادة تفعيلها.

تأكيدات وزير الخارجية الألماني تأتي منسجمة بصورة أو بأخرى مع تصريحات الاتحاد الأوروبي بأنه "يمكن التفاوض مع حماس بطريقة ما لأنها جزء من الحل"، والتي تعبر عن منهجية جديدة في التعامل الأوروبي تتجاوز حدود التعامل البروتوكولي بين الحكومات. ويبدو أن الأوروبيين بدأوا يتعاملون مع الحالة الفلسطينية بمعطياتها وسياقاتها الحقيقية التي تفرض التعامل مع الطرف المؤثر أو الفاعل في المعادلة وهذا لا يصطدم مع قواعد العمل الدبلوماسي بالنسبة لهم، لأن رأس هرم النظام السياسي الفلسطيني فاقد للشرعية - من وجهة نظرهم - بسبب عدم إجراء انتخابات لتجديد شرعيته.

كما أن الأوروبيين فشلوا في ملفات سياسية كبيرة ذات صلة بقرارات السلطة الفلسطينية - من بينها الانتخابات - ويعتقدون أن من الضروري فتح علاقات مع كل الأطراف الفلسطينية من أجل تحقيق حضور أكبر في الساحة الفلسطينية.

وتوضح المصادر لـ "قدس الإخبارية" أن الرئيس عباس أبلغ وزيري الخارجيتين الأمريكية والألمانية بضرورة إشراك السلطة بكل محطات التفاوض والنقاش التي سوف تعقد بعد الحرب الأخيرة على غزة بما في ذلك في ملف إعادة الإعمار على أن تكون هناك صيغة ما في المستقبل تنهي قدرة حماس على اتخاذ قرار بالمواجهة عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية إحدى مسؤولياتها تنظيم الحالة الأمنية، وأيضا بما يضمن تمرير الأموال للمشاريع المدنية من خلال السلطة وبرقابة دولية وعربية. وهنا يكمن اختلاف بين الموقفين الأوروبي والأمريكي، كما تشير المصادر، إذ يرى الطرف الأول أن التفاوض والتنسيق مع حماس ممكن حتى قبل صياغة السلطة لحالة سياسية توافقية تضمن إدارتها للقطاع، فيما يرى الأمريكيون أن ما يطرحه الرئيس الفلسطيني مقبول ومعقول لكن بشرط العمل بشكل جدي على بناء صيغة شراكة مع حماس تضمن إدارة السلطة للملفات المدنية والأمنية في القطاع.

وتدعم "إسرائيل" أي توجه يضمن الهدوء في قطاع غزة في ضوء التغيرات الخطيرة التي حملتها المعركة الأخيرة، خاصة تظاهر اللاجئين الفلسطينيين على الحدود الأردنية واللبنانية ومحاولتهم اقتحام الحدود، وهو كابوس خطير بالنسبة لها أفردت له مساحة كبيرة من النقاش والبحث في الفترة التي بدأت فيها مسيرات العودة في غزة، وكان التخوف الأبرز في حينه هو محاولة دخول الحدود من قبل آلاف الفلسطينيين، وهنا تجد نفسها في مأزق كبير في التعامل معهم، فمن ناحية لا يمكنها قتل عدد كبير منهم لأن ذلك ستكون له تداعيات خطيرة عربيا ودوليا وفلسطينيا، وأيضا سيجد المستوطنون أنفسهم مضطرون للهرب من مناطق غلاف غزة في حالة وقع هذا السيناريو.

أما الأمر الآخر الخطير فهو إمكانية دخول جبهات عدة للمعركة، وهو ما أشار إليه رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار بعد أيام من انتهاء المعركة، وهذا ما لا تستطيع الجبهة الداخلية الإسرائيلية التعامل معه باعترافها، وكذلك دخول فلسطينيي 48 على خط المواجهة.

ويبدو المشهد في المقاطعة شديد الكآبة على عكس ما ذهب إليه الإعلام الإسرائيلي الذي اعتبر أن "المقاطعة الكئيبة عادت إليها الحيوية"، فالرئيس عباس يشعر أن كل الحراك الحاصل هو نتيجة مباشرة للتحرك العسكري لفصائل المقاومة، وقد أشار إلى مستشاريه بضرورة الخروج برؤية تمنع أن تؤدي مخرجات ما يجري لصالح الحضور السياسي لحركة حماس، وقد توجهت السلطة مباشرة للمصريين مؤكدة لهم على ضرورة عدم استثنائها من أي تفاوض بشأن قطاع غزة، سواء بالإعمار أو المشاريع وحتى صفقة التبادل، كما تشير المصادر، لكن المصريين يرون أن الأهم هو إنجاز المهمات المتعلقة بكل هذه القضايا من أجل الحفاظ على موقف مصري متقدم في المعادلة الإقليمية وحتى الدولية، بالإضافة إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يطمح لمشاركة الشركات المصرية في عمليات إعادة الإعمار والمشاريع المختلفة على أن يكون معبر رفح ممرا مهما لتدفق المساعدات.

وبالإضافة لجهود السلطة على المستوى السياسي للحفاظ على موقع في المعادلة الجديدة، تسعى السلطة كذلك أمنيا لضبط الحالة في الضفة الغربية وتطويق أي مظاهر اشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي. وتوضح مصادر أمنية فلسطينية لـ "قدس الإخبارية" أن الرئيس عباس طلب من قادة الأجهزة الأمنية تكثيف المتابعة والمراقبة لنشاط الفصائل في الضفة المحتلة وإحباط أي عمل ضد "إسرائيل"، وتشمل عمليات المتابعة زيادة الرقابة على الحوالات المالية ووسائل الاتصال والتواصل وقمع المحاولات للاحتجاج على السلطة إن وجدت، وذلك بسبب تقديرات أمنية لدى السلطة بأن حماس قد تستغل الزيادة الكبيرة في شعبيتها في الضفة من أجل تقويض السلطة عبر تكثيف الدعوات للمواجهة الشعبية وكذلك العمل المسلح.

إذن تبدو السلطة - في ضوء المتغيرات والحراك الحاصل بخصوص القضية الفلسطينية - كمن يقاتل من أجل البقاء في مركز الاهتمام والموقف، ويرى مسؤولوها، كما توضح المصادر، أن ذلك لن يتم بدون إحداث خطوات عملية على الأرض باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية توافق عليها حماس بالضرورة، لأن تجاوزها لم يعد ممكنا بعد المعركة الأخيرة، ومسألة التسلح بمجموعة كبيرة من الأحزاب والفصائل الصغيرة من أجل تشكيل حكومة من فصائل المنظمة أو الاستناد إلى هذه الفصائل في تصدير المواقف السياسية للعالم وللشعب الفلسطيني لم يعد أمرا مجديا ولا فعالا بالنسبة لقيادة السلطة الفلسطينية.

في السياق، قال مدير مركز مسارات للدراسات والأبحاث هاني المصري إن الأهم من الاعتراف الأوروبي بحركة حماس هو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وأضاف في حديث مع "شبكة قدس": "لست ضد الاعتراف بحركة حماس والأهم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية".

وبين مدير مركز مسارات أن التركيز في المرحلة القادمة يجب أن يكون على تبعات العدوان الإسرائيلي وحقوق الإنسان الفلسطيني وحرياته، وهناك الكثير من الملفات التي تحتاج استغلال للموقف، مبيناً أن الاعتراف بالحركة قد يكون محاولة لترويضها كما جرى مع فتح، لكنه استدرك قائلا: "السنوار كان واقعياً في خطابه حينما قال إنه ليس مهماً لمن ينسب الإنجاز ولا يهم البقاء على قوائم الإرهاب".

وبين المصري أن طرح السلطة الفلسطينية مسألة حكومة وحدة وطنية في هذه المرحلة لا يزال قائماً لكنه كخطوة وحيدة ومنفصلة وهو أمر غير مقبول خصوصاً في ظل الحديث عن اشتراط أن تكون معترفة بالشروط الدولية، وبالتالي سيلاقي الطرح رفض قطاعات فلسطينية واسعة. مشيرا إلى أن المطلوب حالياً هو حكومة وحدة وطنية دون شروط، تتبعها خطوات عملية وواقعية تتمثل في صياغة برنامج وطني وكفاحي حقيقي يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية ولا يعود إلى مسار المفاوضات بالشكل والطريقة التي كانت متبعة سابقاً.

أما الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب فيرى أن المواقف الأوروبية الأخيرة تؤكد أن المشكلة ليست في حركة حماس وأن الحركة جزء من الحل وليست هي أساس المشكلة. وقال لـ "شبكة قدس" إن العالم لا يسمع إلا للقوي وكان هناك اعتقاد لدى المجتمع الدولي أن حماس ضعيفة ويمكن تجاوزها والخلاص منها، ولكن فشلت كل المشاريع التي مررت خلال السنوات الماضية من أجل القضاء على الحركة.

واستدرك الكاتب والمحلل السياسي قائلا: "الحديث عن فتح خطوط مع حماس أمر جيد لكنه ليس بالجديد فهناك وسطاء يتفاوضون مع الحركة (مصر وقطر) والتصريحات الأخيرة هي موقف ناقص وينم عن تردد أوروبي بالتحاور مع الحركة بشكل مباشر والتواصل معها عبر وسيط وقناة غير مباشرة".

وأشار إلى أن من يحكم القرار الأوروبي هو السياسة العامة وهناك دول تلتقي بقادة حماس لكن بطريقة غير رسمية، وبالتالي فإن الموقف الأوروبي بحاجة إلى جرأة أكثر على قاعدة أن من يملك القوة يملك القرار وتجاوز الحركة في أي حل مصيره الفشل.

وبشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية، علق قائلاً: "السلطة الفلسطينية في موقف ضعيف وهزيل وواضح أنها لا تريد التغيير في سياستها التي تتعلق بالشعب الفلسطيني وخيار حكومة الوحدة هو الوحيد المتبقي لها لإعادة صورتها وهيبتها".

وأوضح الغريب أنه بعد تعطيل مسار الانتخابات الفلسطينية فإن الخيار المتبقي هو تشكيل الحكومة لكن فرص نجاح هذا الخيار ومشاركة حركة حماس والفصائل الأخرى يبدو ضعيفاً أمام الاشتراطات بالاعتراف بقرارات الشرعية الدولية.

#حماس #المقاومة #السلطة_الفلسطينية #سيف_القدس