شبكة قدس الإخبارية

كيف تستمر الهبة وتتوسع؟ عن الحاجة للتنظيم والقيادة الموحدة

أحمد العاروري

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: في كل هبة شعبية في فلسطين المحتلة، خاصة في السنوات الأخيرة، بعد انتفاضة الأقصى والاغتيالات التي نفذها الاحتلال ضد عشرات القيادات العسكرية والسياسية من مختلف الفصائل، يقفز سؤال القيادة إلى الواجهة، وتتنوع الآراء بين من يرى وجوب تشكيل قيادة من التنظيمات الفلسطينية تقود الحراك، ومن يعتقد بترك الخيار للجماهير في الميدان لتصعيد قياداتها من بينها.

خاض الفلسطينيون خلال سنوات نضالهم ومقاومتهم الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية، قبل وبعد النكبة، تجارب قيادية مختلفة بين تزعم الشخصيات الدينية والسياسية التقليدية للحركة الوطنية الفلسطينية، ثم مرحلة منظمة التحرير وتصدر الفصائل للقرار الوطني، ثم تجربة القيادة الوطنية الموحدة خلال الانتفاضة الأولى، والتجربة العسكرية والسياسية في انتفاضة الأقصى.

"في وجوب وجود قيادة"

يرى الباحث والكاتب السياسي ساري عرابي،  أن "الفصائل لا يبدو أنها قادرة على تشكيل قيادة في الفترة الحالية، بالنظر إلى أمرين، أولاً بتجربة قريبة بعد حوارات جبريل الرجوب وصالح العاروري وجرى الاتفاق على إطلاق قيادة للمقاومة الشعبية، دعنا أن نتذكر أن الحوار بدأ العام الماضي، ولم يجري أي شيء، لذلك فالفصائل لم تتمكن أصلاً بعد هذه الحوارات من تشكيل قيادة للمقاومة الشعبية، والآن الوضع أسهل بحكم أنه يوجد في الشارع مقاومة شعبية، لكن نظرنا إلى السبب الذي منع تشكيل مقاومة شعبية ما زال موجوداً، وهو عدم رغبة قيادة فتح والسلطة في اجتراح طريق مواجهة حقيقي وجدي في مواجهة الاحتلال، ليس طريقا طارئاً أو "ركوب موجة" أو فلكلوري.

وتابع: خطابات محمود عباس واشتية والعالول سيلاحظ أنه لم يطرأ تحول جدي في الحركة للتحول إلى المقاومة الشعبية، وفي الوقت ذاته الفصائل تعاني في الضفة الغربية، اغير قادرة على التقاطها أنفاسها، والاحتلال يسابق الزمن معها والليلة نفذ حملة اعتقالات كبيرة، 

وأكد على أنه "يجب وجود تنظيم يقود الهبة أن يطورها، لأن الهبة بطابعها العفوي ضمن الظروف الميدانية التي تعانيها الضفة، قد تنتهي مع الأحداث، لأن فكرة الزحف إلى الحواجز مطلوبة الآن لخلق زخم في الشارع، لكنها  قد لا تكون مجدية على المدى البعيد، هذا يتطلب وجود قيادة قادرة على تأطير الجماهير وإبقاء الديمومة في الأحداث، إذا كانت الفصائل غير جاهزة فيجب أن تخرج من الهبة قيادة حتى حصول تطور ما في الضفة المحتلة.

ويتفق القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خضر عدنان، مع الرأي القائل بوجوب وجود قيادة للهبة الشعبية الحالية، بهدف تطويرها وتنظيم حركتها في الميدان، وأوضح: لدينا حاجة لالتقاط الإشارة من الشباب المنتفض والثائر، من جانب الفصائل، وعدم الالتفات لتهديدات الاحتلال وحملات الاعتقالات، وأن لا تثنينا الاعتقالات الأخيرة عن استمرار في مواجهة الاحتلال.

وأضاف: الهبة الشعبية ممكن أن تكون أقوى ومنظمة بشكل أكبر، في حال كان لها قيادة موحدة وتدير حركة الجماهير.

من جانبه، يرى المحاضر في جامعة بيرزيت عبد الجواد حمايل أن قضية بناء قيادة وتنظيم يدير الهبة "معقدة" نظراً للظروف السياسية والاجتماعية التي تحكم المشهد الآن، ويضيف: لكن رأيي قادرة إذا توحدت الحركات المعارضة التي تتبنى المقاومة، حماس والجهاد والشعبية، بالإضافة للتيارات الأخرى بين المستقلين وداخل فتح، التي من الممكن أن تعزل النخبة الحاكمة وعزل نهج التعامل مع الاستعمار.

وأشار إلى أن بناء القيادة بحاجة لانضمام الجميع، وقال: لكن أمامنا إشكاليات عديدة بينها أن بعض التيارات غير قادرة على الخروج من عباءة منظمة التحرير، وعلى مستوى الحركات المقاومة المحمولة على الإسلام السياسي، أنها لم تتعود على العمل مع الآخرين بشكل كبير، وفي السنوات الأخيرة جرى تغير على تفكيرها وسياستها، لكنها بحاجة للاقتراب أكثر من التيارات القادرة على اختراق طبقات اجتماعية بعيدة عن هذه الحركات.

وأضاف: يوجد إمكانية لبناء قيادة لكنها تحتاج لصدق وعملية اجتراح وإرادة حقيقية، ويرى حمايل أنه "يجب استعادة فتح وقاعدتها الشعبية وقاعدة السلطة الفلسطينية، الموظفين الصغار فيها، وتطوير خطاب ناضج تجاه هذه الشرائح الاجتماعية، لعزلها عن النخبة المتحكمة".

وتابع: حالياً لا إمكانية لانتفاضة شاملة، بل نحتاج لتحقيق انتصارات مرحلية نراكم عليها، مثلاً في استعادة باب العامود أو منع المستوطنين من اقتحام المسجد الأقصى وتدفيع الاحتلال الثمن، وعدم الدخول في المرحلة الحالية بمواجهات شاملة تنهك المجتمع، ما نحتاجه هو التراكم على الانجازات المرحلية وصولاً للانتفاضة الشاملة، بالإضافة للتشبيك مع فلسطيني الداخل.

ويؤكد حمايل على الحاجة لتنظيم يقود في الهبة، وأوضح: التنظيم الاجتماعي السياسي الموحد يتم تشكيله من أكثر من عنصر، من التنظيمات والتيارات المختلفة، وتشكيل وعي تجاه الطبقات الاجتماعية المختلفة خاصة قاعدة السلطة، كي نبعدها عن النخبة المختلفة.

وأضاف: من المؤكد أننا بحاجة لبناء تنظيم يقود العمل النضالي على طول الخارطة الفلسطينية، في الداخل والضفة والقدس.

الاعتقالات: كيف يجب مواجهتها؟

يؤكد ساري عرابي أن سياسة الاعتقالات في الضفة "منهكة للعمل التنظيمي"، وأشار إلى أن البنى التنظيمية الفلسطينية خاصة في الضفة "ضيقة" أي أن عدد المنتسبين فيها قليل، وأوضح: بالتالي أي عملية اعتقالات مؤثرة، لأنه لم يتح للفصائل في الضفة أن تستقر وأن تبني بنية تنظيمية كبيرة، التنظيمات تحاول إعادة بناء نفسها، والاعتقالات لا تأتي من فراغ، الاحتلال لديه رصد أمني يتيح له التحفز والاعتقال في ساحة الضفة.

وتابع: لا يوجد موقف جريء تتبناه التنظيمات في مواجهة الاعتقالات، بمعنى أن على الاحتلال أن يتعب كي يعتقل المناضل، وهذا ما يجب على التنظيمات التفكير به، وهي فكرة مكلفة وليست سهلة، لكن حتى تفكير بهذا المدى أو أقل منه لا يوجد.

ويتفق عرابي مع من يرى أن في الضفة "فراغاً قيادياً"، وقال: لكن لا يعني أن الفراغ سيبقى للأبد، إمكانية التعويض موجودة، الأثمان الباهظة التي دفعت في الانتفاضة لم يجر تعويضها حتى الآن، والسبب الأساسي هو سياسات السلطة بعد الانقسام، بعد أن جرى تحييد الجماهير عن السياسة، بوسائل سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، وترك القضية لمجموعة من النخبة، الضغط الهائل بعد الانقسام حرم الجماهير من تشكيل كادر سياسي وثقافي، ونتذكر في الانتفاضة أن تنظيمات المقاومة دفعت بكل قياداتها ونشطائها في الانتفاضة، وتعرضوا للاغتيال أو الاعتقال أو أبعدوا للخارج، وإمكانية التعويض دائماً حاضرة، لكن الشروط الموضوعية لم تتوفر والتنظيمات تحاول.

ويرى حمايل أن مواجهة سياسة الاعتقالات يمكن أن ينبى على شقين، وأوضح: إعادة دور حركة فتح الذي يمنع الاعتقالات في منطقة "A" كحالة ما قبل انتفاضة الأقصى، من منطق دفاعي، ومن منظور آخر أن الاعتقال يجب أن لا يمنع من الاستمرار، أن ينهي العمل اعتقال مجموعة، وهنا ننتقل إلى مفهوم القيادة نحن نفهم القيادة أنها على "شكل هرمي"، لكن المطلوب هو بناء شبكات هرمية بأشخاص يملكون مؤهلات وقدرات تمنحهم إمكانية الاستمرار في العمل وبناء علاقات على طول الخارطة الفلسطينية.

ويؤكد الشيخ خضر عدنان على ضرورة مواجهة سياسة الاعتقالات التي يريد الاحتلال منها استنزاف الضفة والهبة، وقال: يجب تصعيد الأجيال الشابة إلى مراتب قيادية منظمة، وأن لا يبقى نفس الجيل متصدراً، وأن لا تمنعنا الاعتقالات من الاستمرار في المواجهة، ولنتذكر التضحيات الكبيرة التي يقدمها شعبنا في غزة.

 

#غزة #فلسطين #الاحتلال #حماس #الجهاد #فتح #المقاومة #الشعبية #الانتفاضة #الاعتقالات #الهبة