شبكة قدس الإخبارية

نصر 28 رمضان: علامة فارقة بين مرحلتين

photo_2021-05-0_13-19-57
زياد ابحيص

كان لاقتحام الأقصى ثلاثة أهداف: إدخال أكثر من 2000 متطرف صهيوني للقول بأن الأقصى "مركز للحياة اليهودية" باعتباره المعبد، فلم يدخل منهم أحد؛ وأن يؤدوا الطقوس التوراتية الجماعية العلنية في الأقصى كما فعلوا في الفصح العبري الماضي، ليقولوا أن الأقصى هو المعبد اليهودي بالفعل والممارسة فلم يتمكنوا من وضع قدمٍ واحدة فيه، وأن يكرسوا سمو الزمان الصهيوني على الزمان الإسلامي في الأقصى حين تتقاطع المناسبات، ف"يوم القدس" أسمى من العشر الآخر، وفشلوا في ذلك أيضاً.

الانتصار الشعبي في حالة الصمود والمقاومة يقوم على منع العدو من تحقيق أهدافه ولو نسبياً، صباح اليوم تمكن أسود القدس العزل من منع قوة ضخمة مدججة بالسلاح من تحقيق أي هدفٍ من أهدافها ولا حتى جزءاً منه، فكان نصراً مكتمل الأركان.

في سياق المخططات ضد الأقصى شهد اليوم انكسار ثالث البرامج التطبيقية لتهويد الأقصى، فالاحتلال يتبنى أجندة إحلالٍ ديني لإزالة الأقصى بكامل مساحته ومعالمه وتأسيس المعبد في مكانه، ولبعد هذا الهدف عن واقع الحال وضعت ثلاثة برامج عمل اصطدمت كلها بحاجز الإرادة الشعبية: برنامج التقسيم الزماني وبلغ ذروته في 2015 بمحاولة إغلاق الأقصى للمسلمين وتخصيصه لليهود في عيد رأس السنة العبرية، فوضعت هبة السـ.كـ.اكين حداً له واضطر نتنياهو للتراجع عنه وحظر اقتحامات المسؤولين الصهاينة، قانتقلت إلى التقسيم المكاني لعل وجود ترامب وصفقة القرن والفراغ العربي يسهم في فرضه، فاصطدم بهبة باب الرحمة في 2-2019. وأخيراً بلورت جماعات المعبد في 8-2019 برنامج "التأسيس المعنوي للمعبد"، وبات هدفها أن تؤدي كل الطفوس التوراتية في الأقصى بغض النظر عن هوية المباني، وفي هذا الإطار جاء إصرارها ومعها الحكومة الصهيونية على هذا الاقتحام... اليوم باتت جماعات المعبد بلا برنامج عمل بعد انكسار ثالث برامجها.

منذ قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للصهاينة غي 6-12-2017 بدأت موجة لحسم مصير القدس مستقوية به وبفراغٍ وهرولةٍ عربية: حاولت تغيير حدود القدس بإخلاء الخان الأحمر وضم كتلة أدوميم فتراجع نتنياهو عنها تحت ضغط شعبي ودولي في 10-2018، وحاول قضم مقبرة باب الرحمة وتراجع في نفس العام، ثم في 2-2019 فشل المحتل في قضم مصلى باب الرحمة، وفي هذا الشهر فشل في وضع قواطع معدنية مؤقتة في ساحة باب العامود، ثم فشل في اقتحام 28 رمضان بوصفه محطة فاصلة تفرض تعريفاً جديداً للأقصى.

بلغة أخرى شكل النصر كسراً لرأس موجة التهويد، ليزرع في الوعي الصهيوني أن زمان التقدم انتهى في القدس، وأنه سينتقل لمحاولة إبطاء التراجع. هذه علامة فارقة في التأسيس لوعي الهزيمة في العقل الصهيوني، بعد أن تأسست في الوقائع بالانسحاب من حنوب لبنان ومن قطاع غزة وخسارة ثلاثة حروب متتالية.

تصلح القدس مدخلاً مهماً لتأسيس وعي الهزيمة في العقل الصهيوني لأنها أثبتت عبر سنوات بأن "أورشليم" اليهودية مستحيلة، فإذا كانت "العاصمة" مستحيلة، فما مصير بقية المشروع؟

كان انكسارالصهاينة في 28 رمضان انكساراً أمام الإرادة الشعبية؛ أمام شباب عزّل صنعوا مأثرة تدرّس من مآثر المقاومة الشعبية تخطيطاً وتحضيراً وصموداً وتنفيذاً في حيّز مكشوف، وإذا كانت انتفاضة 2000 قد فتحت سؤال المستقبل أمام حضور الفصائل والسلاح، فإن هبة رمضان 2021 تفتح سؤال المستقبل أمام حضور الفلسطينيين بذاته باعتبارهم مصدر خطرٍ مستمر ودائم لا يمكن السيطرة عليه أو ضمان المستقبل بحضوره، وهذا ما أخذت هبّة مدن وبلدات فلسطينيي الداخل الليلة تحفره عميقاً.

التحمت الجغرافيا الفلسطينية من جديد بدخول جبهة غزة، ومظاهرات الضفة ثم هبة بلدات الداخل المحتل، بفعل مقاوم يستدعي للذاكرة بدايات انتفاضة الأأقصى عام 2000.

بهذه المقاييس يشكل رمضان الحالي في القدس علامة فارقة بين تاريخيين، تًطوى به صفحة وعي القوة الصهيوني، وتفتح به صفحة زمان التراجعات والانكسارات.