شبكة قدس الإخبارية

"جبهة المقاومة واحدة وسعي لمعادلات جديدة"... كيف نقرأ تهديد الضيف للاحتلال؟

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: في تصريح نادر ومقتضب، وجه القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، تحذيراً "واضحاً وأخيراً"، كما جاء في النص الذي وزعته الكتائب عبر حساب الناطق باسمها، الليلة الماضية، إلى الاحتلال بوقف الاعتداءات على أهالي حي الشيخ جراح، وإلا فإن "المقاومة لن تقف مكتوفة الأيادي".

محللون ومختصون في الشؤون السياسية والإسرائيلية اعتبروا أن تهديد الضيف للاحتلال، سيكون له تبعات ستظهر خلال الأيام المقبلة، في حال استمر الاحتلال بعدوانه على فلسطينيي الشيخ جراح، وربما يكون ذلك استمراراً لمرحلة جديدة عنوانها: "وحدة الجبهات في مواجهة الاحتلال".

واعتبر المحلل والكاتب السياسي، وسام عفيفة،  أن المقاومة أرادت التأكيد على أن الجبهة موحدة في الضفة، والقدس، وغزة، بعد محاولات الاحتلال لفصل الجبهات والتفرد بكل منها.

وقال: من جانب آخر الهتافات التي خرجت من القدس للقائد الضيف، أعطت إشارة أن المقاومة لا بد أن تستجيب، وهذه الاستجابة مفادها أن أي مساس جوهري لن يجعل المقاومة محيدة أو صامتة، وحتى التفاهمات على جبهة غزة لن تعني أن المقاومة ستقف مكتوفة الأيدي أمام الاعتداء على الضفة وغزة.

وأكد عفيفة أن التهديد يعطي رسالة للاحتلال أنه "لا يمكن تقسيم جبهات المقاومة"، وأوضح: الخطر الذي تستشعره المقاومة لا يقف على جبهة غزة، ومسؤوليتها تمتد إلى مدينة القدس المحتلة.

هل نحن أمام مرحلة جديدة؟

واعتبر عفيفة أن "المقاومة تقيم وتقدر المعطيات الميدانية والسياسية"، وقال: المقاومة ليست مسلحة فقط ومنفصلة عن الإطار السياسي والميداني، ويتم التعاطي مع هذا الملف من خلال أخذ المصلحة العليا للمقاومة، وأن لا تستنزف في أوقات ومعارك لا تتحكم بها، وتختار المكان والتوقيت الذي يناسب حجم المؤامرة التي يتعرض لها شعبنا".

وأضاف: أن تمتد رسائل المقاومة للقدس يعطي دلالة على قدرتها في المواجهة، واعتقد أن الاحتلال قرأ الرسالة جيداً وربما يفعّل دور الوسطاء الذين اعتادوا التدخل في هذه الحالات، وقد ينعكس على قراراته في الساعات المقبلة، والأمر الخطير ولا يمكن الاستفراد بجبهة دون أخرى، وفي هبة العامود فهم الاحتلال جيداً هذه الرسالة بعد الدور الذي أدته المقاومة فيها.

وكانت المقاومة الفلسطينية أطلقت رشقات صاروخية تجاه مستوطنات "غلاف غزة"، بداية شهر رمضان المبارك، تزامناً مع هبة الفلسطينيين في باب العامود بالقدس المحتلة.

من جانبه، قال الباحث في الشؤون الإسرائيلية، عماد أبو عواد، إن الاحتلال يعتبر أن  سياسة المقاومة في الفترة الأخيرة "أبعد من قطاع غزة"، وأوضح: ترى "إسرائيل" أن المقاومة في قطاع غزة باتت تعمل بشكل واضح من أجل الكل الفلسطيني، ولتحقيق أهداف فلسطينية على المدى البعيدة، وزادت قوتها بشكل كبير وهو ما يؤرق الاحتلال.

وأكد الباحث والكاتب، ساري عرابي، أن تصريحات الضيف ورشقات الصواريخ التي أطلقتها المقاومة تزامناً مع هبة العامود، تشير للدور الأصيل الذي ينبغي أن تقوم به المقاومة على طول الخط

وأضاف: إشكالية المقاومة في غزة هي "تكبيل" سلاحها بالسلطة المسؤولة عن إدارة شؤون الناس في القطاع، ومحاولة الاحتلال فرض معادلة أن سلاح المقاومة هو سبب الحصار الخانق، وبالتالي بات سلاح المقاومة أقرب للاستعمال التكتيكي بسبب هذه الظروف.

وتابع: سلاح المقاومة يجب أن يكون دوره مشاغلة العدو وضربه واستنزافه، وهو ما تدركه المقاومة حالياً، كما أنها تدرك الأزمة الحالية التي يعيشها الفلسطينيون في القدس، وهي تدرك أن سلاحها ليس فقط للاستخدام في قطاع غزة.

وأشار عرابي إلى أن المقاومة تدرك أيضاً دورها "التعبوي" في الضفة والقدس، وأوضح: حرب 2014 كان له دور كبير في اندلاع هبة القدس في عام 2015 وامتدادها لأكثر من عامين.

واعتبر أن حماس وكتائب القسام ربما تحاول "شق طريق خارج المعادلة التي فرضتها السلطة في الواقع الفلسطيني"، وقال: المقاومة تبحث عن العودة لتأدية الدور الأصيل الذي قامت من أجله وهو مواجهة الاحتلال.

كيف قرأ الاحتلال تصريحات الضيف؟

وأكد أبو عواد أن الاحتلال يتعامل مع التصريحات بجدية كبيرة، واعتبر أن استمرار التعامل بنفس السياسة في القدس ربما سيقود لمواجهة مع قطاع غزة.

وأشار إلى أن التصريحات أخذت تغطية إعلامية واسعة على وسائل الإعلامية العبرية، وقال: المحللون الإسرائيليون اعتبروا أن تصريحات الضيف جدية وليست للاستهلاك الإعلامي وحذروا من إمكانية اندلاع جولة تصعيد جديدة في ظل ما يحدث بالشيخ جراح.

وحول التقديرات الأمنية العسكرية والأمنية للمرحلة المقبلة، أوضح: التقديرات لديهم تشير إلى اندلاع جولة تصعيد في قطاع غزة، بعد الأحداث في القدس، بالإضافة لاستمرار الحصار والأوضاع الإنسانية الصعبة في قطاع غزة.

هل من رابط بين تأجيل الانتخابات والتصعيد؟

"ربما لا يوجد ربط مباشر"، وأوضح أبو عواد: بيان حماس الذي صدر لرفض قرار الرئيس تأجيل عباس، حمَل الاحتلال مسؤولية مآلات القرار، لأن الاحتلال حاضر بشكل دائم في أزمات الشعب الفلسطيني.

وتابع: ربما لو جرت الانتخابات لكنا أمام أجواء أفضل، من خلال اهتمام الشعب الفلسطيني بترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتحضير الجبهة الداخلية لمواجهة الاحتلال.

وقال: علينا أن نتذكر أن هبة باب العامود كانت قبل التأجيل، وكان للمقاومة موقف قوي منها، وسارع الاحتلال لاحتواء الأمور قبل تدهور الأوضاع.

من جانبه، يرى عرابي أن القضية "خارج حسابات الانتخابات"، وقال: المقاومة أسندت الفلسطينيين في هبة باب العامود قبل تأجيل الانتخابات، والمقاومة تفكر بالطريقة المناسبة التي تستعيد فيها دورها بعيداً عن الشأن الداخلي الفلسطيني، واكتساب الشرعية من الانتخابات، لأن شرعيتها مكتسبة قبل قدوم السلطة، وهي شرعية ممتدة من حالة مقاومة شعبية انطلقت من الانتفاضتين الأولى والثانية.

كيف تحول محمد الضيف لإجماع وطني؟

ويؤكد عرابي أن القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، تحول في وعي الجيل الجديد بالضفة والقدس المحتلة، إلى "رمز وطني"، وقد استمعنا للهتافات التي خرجت له في أكثر من مكان خلال المواجهات مع الاحتلال.

وأضاف: ما يميز المقاومة التي يقودها محمد الضيف، أنها "مقاومة جادة" وليست استعراضية، على عكس الاستعراضات وإطلاق النار في الهواء الذي نراه في الأعراس والشجارات العائلية، أو السلاح الرسمي الذي له وظيفة محددة.

وتابع: الفلسطينيون شاهدوا الأداء المبهر للمقاومة خلال الحروب مع الاحتلال، وفي نفس الوقت يعلمون أنها تعيش ظروفاً وحصاراً قاسياً، ومدينة القدس بعيدة عن الجدال والأزمة السياسية التي تعيشها الضفة وغزة، والمناكفات بين فتح وحماس.

هل الاحتلال معني بحرب شاملة؟

ويرى الباحث عماد أبو عواد، أن الواقع الداخلي لدى الاحتلال لا يسمح بخوض حرب طويلة الأمد، وأوضح: "إسرائيل فقدت القدرة على حسم الحروب".

وأضاف: لا يوجد لدى الاحتلال رغبة بالقتال البري وهو العامل الأهم، و"التكنولوجيا" وحدها لا يحسم الحروب بل يجر ويلات لإسرائيل، ولديهم شعور أن لدى المقاومة في قطاع غزة قوة حقيقية ستفاجئ الاحتلال إذا اندلعت الحرب. 

ويتفق عفيفة مع هذا الرأي، ويقول: قراءة المعطيات السياسية في داخل الكيان، والحسابات المختلفة على جبهة إيران، ولبنان، والهجمات على سوريا، اعتقد حتى اللحظة وهو أمر ممكن أن يتغير، أن الاحتلال لا يرغب بمواجهة شاملة مع قطاع غزة، ويرى أن المعادلة مقبولة عليه وأقل ضرراً، وهذه فرضية قائمة ولكن لا يمكن الركون لها، لأن المعادلات السياسية والميدانية قد تغير المعادلات.

ويرى أن الاحتلال في صراعه الحالي مع الفلسطينيين يختلف عن الاحتلال الذي عرفناه سابقاً، وأوضح: الاحتلال لديه استعداد للتراجع، وليس لديه الاستعداد النفسي للدخول في مواجهة مع قطاع غزة، ولو كان لدى الطرف الفلسطيني الاستعداد للضغط عليه سوف يحقق انجازات سياسية في هذه المرحلة.

وأشار إلى أن الاحتلال ليس معنياً بإشعال الأوضاع داخل فلسطين، وأي مواجهة في الضفة، أو القدس، أو غزة قد تشوش على أهدافه الاستعمارية والاستيطانية، وعلى تمدده في المنطقة العربية عبر "التطبيع".

وأضاف: كما أن الأداء المبهر والنوعي للمقاومة في غزة، جعل الحرب البرية التي شنها جيش الاحتلال غير ذات جدوى ولا معنى لها، والإسرائيلي حالياً لا يريد أن يقاتل كما فعل المستوطن الذي قدم إلى هذه الأرض في البدايات، مجتمع الاحتلال يريد أن يرتاح ويتمتع برفاهية، لكن للأسف الطرف الفلسطيني تحديداً قيادة السلطة لا تستغل هذه العوامل الداخلية لدى الاحتلال للضغط عليه باستنهاض حالة مقاومة شاملة.

ما هو المطلوب في الضفة؟

ويرى عفيفة أن "نداء القدس واستجابة الضيف يعطي إشارة إلى أنه يجب أن يكون هناك وحدة  في الجبهات في مواجهة الاحتلال، وأن تكون فرصة لاستنهاض المقاومة الشعبية وكل القوى".

 وتابع: "تزامن رسالة المقاومة مع تأجيل الانتخابات، تعطي إشارة أن الحراك لا يجب أن يكون في وجه السلطة فقط، بل المواجهة الحقيقية ضد الاحتلال، وتفعيل المقاومة الشعبية على الأقل، وخلق وحدة ميدان بين الضفة وغزة والقدس، وتشتيت جهود الاحتلال ومنعه من الاستفراد بجبهات المقاومة.