شبكة قدس الإخبارية

أنتخب من يحررني

عيسى قراقع

أنتَخِبُ من يعيدني من السجن حياً، أو من مقبرة الأرقام جثة متكاملة الأعضاء، يكون لي اسم ومكان تحت ضوء الشمس وحياة مديدة بعد الممات.

أنتَخِبُ من بكى لبكائي، وتعذب لعذابي، حاول أن يحملني ويسعفني ويفك قيود الشبح عن جسدي وغيابي والذكريات.

أنتَخِبُ من يعيد الاعتبار للأرض شجرا وحجرا، يضرب بالفأس حتى يطلع الينبوع من الصخر مبتسما كالقصيدة.

أنتَخِبُ من تخبئني بعينيها في ليالي البرد دفئأ وحبا، تدثرني ليلة الاعتقال بالدعاء وعشبة القلب العنيدة.

أنتَخِبُ من يلملم جسدي ويضع حدا لانقسامي شظايا، يعيد يدي الى يدي، وروحي الى روحي، وحدة الدم واللحم وعناق الشهيد للشهيدة.

أنتَخِبُ من لا يحمل بلطة ويسمى بلطجي، ومن لا يتقمص نمرا ويسمى متنمر، لا يسرق قوت أولادي ويعتبر الوطن مزرعة لقبيلته العتيدة.

أنتَخِبُ من يبدأ باسم الحرية، يقرع أجراس الكنائس يوم الأحد، ويؤذن في الجوامع يوم الجمعة، مسيحيون مسلمون يتعبدون على سجادة واحدة.

أنتَخِبُ من يحررني، يخرجني من كابوس الاستعمار، أن لا تكون العملية الانتخابية لمجرد تطويل عمر الاحتلال وتغيير ملامح الضحية.

أنتَخِبُ من يحول الانتخابات الى عملية نضالية وليس الى كراسي خشبية، لا يغرق في نظرية الالهاء الاستعمارية.

أنتَخِبُ من يدرك الفارق بين التحرر ومشاريع السلام الاقتصادي تحت حكم الاحتلال، أن لا يتحول النضال الى ثقافة استهلاكية.

أنتَخِبُ من يكسر عقلية الابرتهايد الاسرائيلي، يقفز عن المعازل ليرى وطنا وليس قفصا في خطواته وبرامجه الدعائية.

أنتَخِبُ من لا يلبس عباءة المختار، يمسك عصا الوطنية تارة وسيف القبيلة تارة أخرى، يرقص بين العشيرة والطائفية، يحمل خنجرا أو بندقية.

أنتَخِبُ من لا يلغي الفلسفة في المناهج التعليمية، لا تفكير نقدي، ممارسة الفقر الفكري، تسليع المعرفة، يعتقل ابن سينا ويشنق الحلاج باسم الزندقة.

أنتَخِبُ من يفهم لغة الفقراء، هؤلاء الذين احتجزوا في دوامة الاسئلة اليومية، ثمن الخبز وبرميل الغاز واسعار الكهرباء والهواء، من يرفض أن يكون الوطن سوقا لبضائع الاحتلال والمحتكرين ورجال الادارة المدنية.

أنتَخِبُ من يقول الحقيقة، لا يتحدث بلغتين و يكون في نفس الوقت في مكانين، يتأرجح بين المصالح العديدة ويستعمل الوطن جسرا للوصولية.

أنتَخِبُ من لا يحول المشاعر الانسانية الى اسمنت في خلاطة باطون، لا يمارس التفحيط السياسي خلال ترسانة من الاحالات التي تتحايل على المبادئ الاخلاقية.

أنتَخِبُ من يتعامل مع الديمقراطية الكفيلة بضمان بنية أساسية من القيم لا علاقة لها بالاغلبية والاقلية، قيم تقدس خيارات الانسان.

أنتَخِبُ من يقرع باب السجن، يعطي الأمل للأسرى المحتجزين خلف أبواب الحديد، الأسرى جزء من حق تقرير المصير، والسلام بدون اطلاق سراحهم قيد جديد.

أنتَخِبُ من لا يتوه في المرحلة، لا يضعني في الالتباس والمتناقضات، فلا يجتمع المكتب مع الخندق، ولا الثورة مع الرفاهية.

أنتَخِبُ من لا يصادر صوتي، يطلقني في الفضاء أغني وأقول ما أقول، انا من أكون وليس صدى غيري.

أنتَخِبُ من يفهم لغة المخيم، اللاجئون العالقون في اللامكان، الذاكرة التي تطفح دما في طريق عودتها الى وعي وجودها الانساني، المخيم برنامج النضال.

أنتَخِبُ من يحطم الاصنام ويدمر معابد المتكلسين الذين تجمدوا في هياكلهم يتحدثون عن التغيير الذي لا يشملهم، يأخذوننا الى متاهة التفاصيل.

أنتَخِبُ من يجعل السياةسة ممارسة للحق في الحرية والحياة وانهاء الظلم والاحتلال، السياسة القادرة على بناء الاحلام الكبرى للشعوب المضطهدة.

أنتَخِبُ من يعرف أمي العجوز التي تنتظر تحرري من السجن سنوات طوال، من زارها وشرب قهوتها المرة وأضاء حولها شمعة تبدد شعارات السراب.

أنتَخِبُ الصادقون الصادقون لا يهدأون، يقاومون الرواية الصهيونية الزائفة، يدافعون عن حق شعبي بالمقاومة وبالعيش بحرية وكرامة.

أنتَخِبُ الواقعيون الذين لا يعطون أسماء شكلية للمسمى، يكتفون بالخطابات التي تصدها الوقائع الرهيبة.

أنتَخِبُ من يضع قضية شعبي أمام المحكمة الجنائية الدولية، يحاكم دولة الاحتلال على جرائمها المنظمة، يعيد للضحية مكانتها وينقذها من منظومات الطمس والقمع والعنصرية.

أنتَخِبُ من ينفخ في روحي الحب وفي قلبي الايمان، يأخذني الى حديقة مزروعة بالورد والشجر، تعرفني الطيور ونجوم السماء المضيئة.

أنتَخِبُ البسطاء، المتواضعون الذين يشبهون كل الناس، يسيرون بلا مواكب، يبتسمون ويبكون، في قلوبهم الحب والرحمة والثقة.

أنتَخِبُ من يخرجني من وهم الحرية، أصرخ الان صرخة فيكتور هيجو: حرروا الحرية والحرية تقوم بالبقية.

أنتَخِبُ قائمة بطول حدود وطني، فيها صوتي وأفكاري وحشوة ذاكرتي، حريتي الى الامام واعلى وليس في أسفل القائمة.

أنتَخِبُ من لا ينسى، يطل علي في السجن كل حين، يسألني عن عمري الذي مضى وعمري الذي سيمضي، يحاول أن يذكرني بألوان الحياة القادمة.

أنتَخِبُ من لا يستخدمني ختما لتسويق بضاعته الفاسدة، أنا ابن كرامة لا تباع ولا تشترى وترفض المقايضة.

أنتَخِبُ من يدعو الى بناء مجتمع مدني تحترم فيه الاغلبية حقوق الاقلية، الديمقراطية الثورية المستندة الى حرية الرأي والتعددية.

أنتَخِبُ من لا يتركني مسكونا داخل جدار، المئات من الاسرى تجاوزوا في السجن حدود المدى، هنا السجون مشتعلة تحتاج من يفتح أبوابها على الحياة وليس على الاخرة.

أنتَخِبُ من أنتصر لجوعي ووجع امعائي في ليالي الاضراب عن الطعام، لا يشرب الا الماء والملح، يبلل شفتي الناشفة.

أنتَخِبُ من لا يساوم على حقوق الاسرى والشهداء والجرحى، لا يطعم الاحتلال تضحياتنا ويحولنا الى أرقام حسابات في سياسته المخاتلة.

أنتَخِبُ من يعتبر النساء أخوات السماء، فيهن البأس والعطاء وجموح العاطفة، الحق والمساواة والقيادة والمشاركة، عين الشمس وروح العاصفة.

أنتَخِبُ من لم يأت من الأعلى، ليس له أقدام على الارض، لا يفهم العلاقة بين المنصب والقضية وبين المواطنة والتبعية.

أنتَخِبُ من يحررني، هي الحقيقة المطلقة، صوت دمي وقلمي وحجري، السجن لا يحدد مصير قدري انما شعبي وثورته العارمة.

#فلسطين #الأسرى #الشهداء #الانتخابات الفلسطينية