شبكة قدس الإخبارية

تقريرالعيساوية.. الجبهة التي لا تهدأ

431d9c3b-1d2f-4414-b6be-d11ff7ddd6c2
كمال الجعبري

القدس المحتلة - قدس الإخبارية: لعنة الجغرافيا، مصطلحٌ قد يظنّه البعض عند الحديث عن العيساوية، مختصاً بأهلها وما يعانونه من إجراءاتٍ استعمارية تستهدفهم وتستهدف أرضهم، ولكن الحقيقة تأتي بخلاف ذلك، إذ تشكل العيساوية، بموقعها بين 3 مستوطنات، إحداها حديثةٌ، ضمن التوسع الاستيطاني الجديد في محيط منطقة وادي الجوز، شوكةً في حلق المحتل في تنفيذ وإتمام مخططاته التهويدية في القدس، وفي ذات الوقت، ومنذ العام 2015 تحتل العيساوية مركز الصدارة في بؤر المواجهة والمقاومة الشعبية في القدس.

العيساوية جغرافية وتاريخ

تقع العيساوية إلى الشمال الشرقي من القدس، على منحدرات جبل المشارف، أبرز جبال القدس الشمالية، في المنطقة التي تذكرها المصادر الدينية والتاريخية، كموضعٍ لصعود نبي الله عيسى، ابن مريم، إلى السماء، فإلى الجنوب من العيساوية، تقع كنيسة المطلع (أوغستا فكتوريا)، يحد العيساوية من الجنوب، جبل الزيتون، ومن الشمال حي شعفاط، وبلدة عناتا، أما الشرق فيحد العيساوية منه بلدة الزعيّم، فيما يحدها حي الشيخ جراح من الغرب، فللعيساوية مركزٌ مميزٌ بالقرب من مركز مدينة القدس.

وفي الحديث عن سبب تسمية العيساوية بهذا الاسم فتختلف الروايات التاريخية حول ذلك، فمنها من يذهب إلى أنا ذلك نسبةً إلى عيسى العوام، القائد في جيش صلاح الدين الأيوبي، الذي سكن فيها، ومنها من يذهب إلى أنّ سبب التسمية يعود إلى أنّ نبي الله عيسى ابن مريم، اجتمع فيها مع حوارييه.

المساحة والسكان

تبلغ مساحة العيساوية بأراضيها وقريتها، كما يذكر المؤرخ الفلسطيني، مصطفى مراد الدباغ، حوالي 10464 دونماً، وبحسب إحصائيات مركز القدس لقدس لبحث السياسات، وهو مؤسسة بحثية صهيونية، يبلغ عدد أهالي العيساوية، حوالي 18320 نسمة، وهو رقمٌ قريبٌ لما أشار له الناشط، وابن بلدة العيساوية محمد بكر مصطفى، إذ أشار إلى أنّ عدد سكان العيساوية يبلغ حوالي 20000 نسمة.

العيساوية شوكة في حلق الاحتلال

خلال معركة القدس في حرب عام 1948، كانت العيساوية حاضرةً خلال فصول القتال الأعنف، فمنها شدّ مقاتلو جيش الجهاد المقدس، ومن ثم الجيش الأردني الخناق على جيب الجامعة العبرية، الذي يغتصب الأراضي التاريخية للعيساوية، منذ العام 1925، وبعد انتهاء القتال تمّ توقيع اتفاقية (جبل سكوبس) التي صنفت العيساوية، كمنطقةٍ معزولة السلاح، تدخلها عناصر الشرطة الأردنية، دون الجيش، وبدون سلاحها الشخصي، وبعد الاحتلال الصهيوني لشرق القدس، في 7 حزيران 1967، ضمّ الاحتلال العيساوية لبلدية الاحتلال في القدس.

ومنذ تلك اللحظة والعيساوية، حالها كحال باقي قرى وأحياء القدس، ولكن للعيساوية، خصوصيةٌ برزت خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، فخلالها برزت العيساوية كنقطة مواجهة رئيسية في القدس، فطرق المستوطنين الصهاينة نحو جيب الجامعة العبرية الاستيطاني، ومستوطنة التل الفرنسية يمر بها.

غزة الصغرى وخروبة العشرة

يحدثني محمد بكر مصطفى عن ما يميز العيساوية، عن غيرها قرى وبلدات القدس، إذ أنّ للعيساوية، شعاراً ولقباً، أما شعار العيساوية فهو شجرة الخروب، التي تكثر زراعتها فيها، إلّا أنّ ذلك ليس السبب الوحيد لاتخاذ الخروبة رمزاً للعيساوية، فالروايات الشعبية المتناقلة تتحدث عن سببين لذلك، الأول أنّ عيسى عليه السلام كان يجتمع بأنصاره الحواريين تحت أشجار الخروب في العيساوية، وكان عددهم 10. أما الرواية الثانية فتشير إلى أنّ عيسى العوام، القائد في جيش صلاح الدين الأيوبي القادم لتحرير القدس، عسكر تحت خروبات العيساوية.

ـما لقب العيساوية، الذي يتناقله أهلها منذ العام 2014، فهو غزة الصغرى، إذ تفجّرت المواجهات بين شباب العيساوية وقوات الاحتلال الصهيوني في العيساوية، خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة، صيف العام 2014، ومنذ ذلك الحين، والعيساوية بؤرة المواجهة والمقاومة الشعبية الأبرز، في القدس، وبحسب جدولٍ ورد ضمن فصل القدس والمقدسات في التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2016 – 2017، الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، شهدت العيساوية، ومخيم شعفاط، تسجيل 46 نقطة اشتباك نوعي مع الاحتلال الصهيوني، ضربت خلالها الزجاجات الحارقة، والأكواع المتفجرة، وذلك بين عامي 2016 و2017، ومن قبل ذلك ذكرت بعض التقارير الأمنية الصهيونية، دوراً لشباب العيساوية في الاستهداف المتكرر لخط قطار القدس، بالقرب من شعفاط، في العام 2015، أما مؤسسة القدس الدولية، فقدّ ذكرت في إنفوغرافٍ توثيقي، تم إعداده بالعودة لتوثيق شبكة فلسطين نت للأوضاع الميدانية في القدس، أنّ العيساوية قدّ سجلت 140 نقطة اشتباك مع الاحتلال الصهيوني من أصل 179 نقطة في عموم القدس، يصف محمد بكر مصطفى طبيعة المواجهات في العيساوية: ” العيساوية شعلة نار للقدس كلها، فش حدث كبير وصغير، إلّا وبتتفاعل معه العيساوية، والاحتلال بعتبر العيساوية كابوس إله، ولو دخلها ما بقعد فيها إلا فترة صغيرة “، أما الإعلامي المبعد عن مدينة القدس، والناشط عنان نجيب فيشير إلى أنّ العيساوية، ومنذ هبة الشهيد محمد أبو خضير، صيف العام 2014، ولغاية اليوم، هي الأكثر اشتعالاً وتفاعلاً في القدس، ويصف عنان العيساوية، قائلاً: ” العيساوية تمثل اليوم عاصمة الصراع الرئيسي وقلبها النابض بين مطلق الحق والباطل “.

يذكر محمد مصطفى 3 أحداث مركزية أسست لاستمرار المواجهة والاصطدام مع الاحتلال الصهيوني، الأولى في 12 أذار 2013، بعد أنّ بدأ الأسير سامر العيساوي إضرابه في سجون الاحتلال، صيف العام 2014، بالتزامن مع العدوان الصهيوني وحرب غزة، وبطبيعة الحال شاركت العيساوية بفعاليةٍ عاليةٍ في انتفاضة القدس (هبة السكاكين)، ولكنّ الحدث الأكبر، والذي لا يزال حاضراً، في المشهد اليومي في العيساوية، استشهاد الشاب محمد سمير عبيد، في 27 حزيران 2019، والذي سُمّي أحد أحياء العيساوية باسمه، وأضحى رمزاً من رموزها، وهذا الأمر ليس غريباً، فللشهداء في العيساوية رمزيةٌ خاصة، وقدسيةٌ كقدسية خروبتها.

شهداء العيساوية وراب العاصمة

” شو بتفكر يا أهبل نحكي إنا ننسى الثار ….. ولا مرة نسمح نسمحلك تخلينا بلائحة العار “، هذا هو مقطعٌ من أغنية راب أطلقتها فرقة العاصمة، وهي إحدى فرق الراب المقدسية، في العيساوية، ويتناول هذا الراب التعريف بالمقاومة الشعبية في البلدة، وأبرز رموزها من الشهداء، تستهل الأغنية كلماتها ب: ” أنا رافض إنو أنسى أي فكرة استشهاد … كلكم بالدم إخواننا ورفعتوا راس البلاد “، ويذكر الراب معظم أسماء شهداء العيساوية، منذ تاريخ احتلال شرق القدس في 7 حزيران 1967، مثل الشهيد زكي نور الدين عبيد، والذي استشهد في 28 كانون الثاني 1999، خلال تصديه لقوات الاحتلال أثناء هدمها لأحد منازل العيساوية، والشهيد محمد كايد محمود، والذي استشهد خلال توجهه من معتقله في سجن المسكوبية، في القدس المحتلة، إلى أريحا التي أُبعد عنها لمدة 7 أيّام، في 25 شباط 2017، وعلى الرغم من حديث الإعلامي الرسمي الفلسطيني، لسلطة أوسلو، عن وفاة محمد كايد في حادث سير، إلّا أنّ الرواية المعتمدة لدى أهالي العيساوية بأنّ الشهيد محمود كايد قدّ استشهد بحادث سير مفتعل من الاحتلال، وقدّ تم تسمية أحدى أحياء العيساوية، بحي الشهيد محمد كايد محمود.

” أسامة العيساوي من اسمك للعدو كاوي … من اسمك أخذنا اللقب للقدس إحنا بنداوي “، وهنا إشارةٌ للشهيد أسامة أحمد العيساوي، الذي استشهد في 17 تموز 1982 خلال تصديه للاجتياح الصهيوني للبنان، بعد أنّ قدّ التحق بقوات الثورة الفلسطينية، بعد مطاردة من قوات الاحتلال، في القدس.

وسيتحدث راب شهداء العيساوية أيضاً عن شهيدين من أبرز شهداء العيساوية، وهما سمير ربحي داري، الذي استشهد في 9 تشرين الثاني 2005، بعد أن أطلقت عليه قوات الاحتلال النار عليه بالقرب من أحد حواجزها، أمّا الشهيد الثاني، والذي لا زال أهالي العيساوية يحيون ذكراه، عبر بطولات كرة القدم، التي يقيمها نادي العيساوية، فهو الشهيد فادي طارق العيساوي، والذي استشهد خلال هبة شعبية فجرها شباب العيساوية، عقب مجزرة المسجد الإبراهيمي، في الخليل، في اليوم الثاني للمجزرة في 26 شباط 1994.

كرم العيساوي، أحد أعضاء فرقة راب العاصمة، يتحدث عن السياق الذي تقدم خلاله الفرقة فنها، حيث تأسست الفرقة في بداية العام 2020، ويعتبر العيساوي ما تقدمه الفرقة، نوعٌ من أنواع المقاومة الفنية، ويقول كرم العيساوي: ” إحنا أسسنا هاي الفرقة وبهذا النوع من الفن، لأن الراب هو صوت المظلومين في العالم “، ويعلق عنان نجيب على هذا النوع من الفن، وغيره من مجالات المقاومة الشعبية في العيساوية: ” اليوم ثقافة مقاومة الاحتلال في العيساوية لا تقتصر على ثقافة مقاومه نخبوية يقودها فصيل أو توجه سياسي “.

محاولات اختراق الجبهة الداخلية في العيساوية

تتميز العيساوية عن غيرها من مناطق القدس، والضفة الغربية، بل وفلسطين عموماً بذلك النسيج المجتمعي القوي فيها، والتوظيف الإيجابي للعشائرية، والذي ينعكس على الجبهة الداخلية في العيساوية، وهو ما يضيف كابوساً لكوابيس الاحتلال المتولدة من العيساوية، يصف محمد بكر مصطفى، طبيعة الوضع في البلدة، قائلاً: ” شرطة الاحتلال ما كانت بتدخل عنا عل البلد، قبل الأحداث الأخيرة، العامين الأخرين هدول في خربشة كبيرة، قدر الاحتلال إنّه يحاول إنّه يعمل بلبلة وخربشة في البلد، قبل إحنا عنا إشي داخلي، إحنا عائلات القرية، عن تمثيل لأهل القرية، وكل إشي بنحل كعائلة واحدة داخل القرية، الإشي هذا طبعاً طول عمره مزعج الاحتلال “، ومن ضمن الوسائل التي أتبعها الاحتلال لحسم المعركة في العيساوية: تكثيف الاعتقالات بحق الشخصيات الفاعلة في العيساوية، فخلال الفترة بين عامي 2016 و2020، مثلاً، بلغ عدد المعتقلين من البلدة، بحسب ما وثقه مركز معلومات وادي حلوة، 2849 معتقلاً ومعتقلة، بما يفوق ال10٪ من أهالي العيساوية، ومن سياسات الاحتلال الصهيوني تجاه العيساوية، محاولاته المستمرة لتكريس وحصر نقاط الاشتباك في القدس داخلها، يقول محمد بكر مصطفى: ” اليوم العيساوية عم بتتصدر كل الأحداث، كيف؟ برجع بقلك، قدر الاحتلال يحصر جميع نقاط التماس في القدس، داخل العيساوية، بوصفها وبقول، أخر نقطة مقاومة في القدس “، أما عنان نجيب فيصف الوضع الميداني في العيساوية، قائلاً: ” واليوم لربما تقف العيساوية لوحدها بوجه هذا المحتل بعد أن استنزفت بقية بلدات مدينة القدس، وتليها بذلك بلدة الطور (جبل الزيتون) “.

ولكن هل نجح الاحتلال الإسرائيلي خلال 3 سنوات من الاستهداف المتواصل من حسم المعركة في العيساوية؟ قدّ يأتينا الجواب من الميدان، في 26 حزيران 2019، وعقب استشهاد محمد سمير عبيد، أحرق شباب العيساوية، مركز الاتصال الجماهيري لبلدية الاحتلال في العيساوية، وهو إحدى أدوات الاحتلال الصهيوني لمحاولات اختراق الجبهة الداخلية في العيساوية، يقول عنن نجيب واصفاً ما تمثله العيساوية، اليوم: ” نحن نتكلم اليوم عن جبهة مشتعلة يوميا بما يملكه المقدسي المنحدر من العيساوية من وسائل بسيطة يقارع به جعل من هذه المواجهة سلوك وأسلوب حياة تتكيف معه العيساوية “.

خاتمة

تنتصب العيساوية، اليوم، شوكةً في حلوق المحتلين ولعنةً عليهم في القدس، تبدع في أساليب المقاومة الشعبية، وتواصل الصمود، ولكنها في ذات الوقت تأن صابرةً تحت وقع ضربات الاحتلال الذي يقتحمها بشكلٍ شبه يومي، ويغلق محلاتها، ويمنع كافة أشكال الحياة فيها، ولا يعترف بمخطط بلديّته الهيكلية، سوى ب600 دونماً من مساحة قريته، ساعياً لابتلاع ما يقرب ال 9000 دونماً من أراضيها، بل وتبتز بلدية الاحتلال أهالي العيساوية، إذ تقرن تقديم الخدمات الأساسية للبلدة، بما تسميه ب(الهدوء) فيها، مما يجعل سؤال دعم العيساوية وتعزيز الصمود فيها، السؤال الملح لكل من مقدسي، ولكل عاملٍ للقدس.

#القدس المحتلة #العيساوية