شبكة قدس الإخبارية

يطالبون بإنشاء مركز حكومي خاص لهم

أطفال "التوحد".. تكلفة التأهيل تجرد أموال الأهالي والرعاية الحكومية غائبة

142450835_398781524755503_9064006778484853653_n
يحيى موسى

غزة – خاص قدس الإخبارية: أحيانًا يكون وقع الصدمات مرة واحدة، أهون من وقعها على مرات متتالية، تماما كما حدث مع (ياسراليازوري) من قطاع غزة وهو أب لثلاثة أطفال يعانون من اضطراب "التوحد"، اضطر لتكريس جل وقته هو وزوجته لتلبية احتياجاتهم وتحمل حركاتهم "المكوكية" طوال الوقت في البيت، وكذلك تأهيلهم بالمراكز الخاصة بعدما لم يجد مقعدًا اهتمامٍ لهم لدى العيادات أو أي من المؤسسات الحكومية.

استدان وسحب قرضًا بنكيًا وباع أرضه كي يلبي متطلبات رسوم المراكز والبالغة 1800 شاقل شهريًا (600 شاقل لكل طفل)، في المقابل كان التحسن بطيئًا على مدار عدة سنوات أمضاها أطفاله الثلاثة فادي (عشر 11 سنة) ومحمد (10 سنوات) ويوسف (8 سنوات) بمراكز التأهيل الخاصة في قطاع غزة.

"اكتشفت إصابة طفلي البكر فادي بسن مبكر، فقد كان يحب الخروج معي وفي أحد الأيام أغلقت الباب خلفي ولم اصطحب فتشنج، يومها أدركت أن طفلي يعاني مرضا غير طبيعي، ثم بدأت ألحظ انعدام التواصل البصري والإدراك وعدم الاستجابة وعدم النطق والحركة الزائدة" يرحل الأب بحديثه لشبكة "قدس الإخبارية" لذلك اليوم الذي تغيرت معه حياته.

تردد الأب بابنه، على العيادات الطبية، كانت التوصيات الطبية تقتصر على المهدئات العصبية، ثم تنقل عبر أروقة المراكز الخاصة لتأهيل أطفال "التوحد"، "عمره بجري.. صار 11 سنة وبحكيه" كلمات مغلفة بالحزن خرجت مع نبرة صوته.

حركة مكوكية

يستحضر صورة الحياة اليومية مع أطفاله الثلاثة، بضحكة طارت منه ممزوجة بالألم: "تعايشنا مع ظروفهم وحركتهم الزائدة داخل البيت، من الصباح حتى العاشرة مساءً يتحركون مثل "المكوك".

يحاول الأب أحيانا إخراجهم للتنزه واللعب على الدراجة الهوائية مع أبناء الجيران، تسلع صوته حرقته على أطفاله: "للأسف المجتمع لم يتقبلهم، فشكليا لا يوجد اختلاف لكن مجرد ما تبدأ التصرفات ولا يستطيع النطق، فإن ذلك يحدث تباعدا مع أبناء جيله: "احنا كأهالي أطفال توحد فانين عمرنا لهم وهذا ابتلاء من الله".

بعد سنوات أمضاها فادي وأشقاؤه في مراكز التأهيل، بالكاد استطاع نطق بعض الكلمات، وصل والده لقناعة محبطة: "للأسف كله حقل تجارب بغزة، والمراكز الربحية الخاصة تأخذ مبالغ طائلة".

تنبع كومة المشاعر المحبطة بداخله، من أن ابنه فادي يفترض أن يكون في الصف السادس، صوت القهر ينبع من أعماقه: "أتدري؛ حرمت نفسي من كل أمور الحياة لأجلهم، بعت قطعة أرض لي بنحو ثلاثين ألف دينار، وسيارتي التي يبلغ سعرها عشرة آلاف دينار، وسحبت قرضًا بنكيًا، وسافرت بهم لكن دون جدوى، ولولا أني متقاعد من السلطة الفلسطينية ربما كانت حياتنا أسوأ، حتى أمهم التي تخرجت من تخصصين لم تستغلهم لأننا نفني حياتنا لأجلهم".

تحصل المراكز الخاصة على رسوم شهرية "مرتفعة" في نظر الأهالي مقابل خدمات تأهيل وبرامج تواصل وإدراك ومنهج للتعرف على الحياة المحيطة بهم، "الرسوم العلاجية كبيرة مقارنة بالنتائج" يقول اليازوري.

العلامات الأولى

فرط في الحركة وعدم قدرة على التواصل البصري وتنفيذ الأوامر وعدم تركيز وانتباه، كانت العلامات الأولى التي لفتت ماجد الزيان لطفله مصعب في عهده الأول، حتى بلغ الآن الحادية عشرة من عمره، مصابا بالتوحد، يستمر معه النشاط الزائد وعدم القدرة على التواصل الاجتماعي وحب اللعب منفردًا.

أجرى الزيان كل التحاليل اللازمة من صور أشعة وإعطائه أدوية وفيتامينات تنمي التركيز، في النهاية أظهرت وجود اضطراب في الجهاز العصبي للطفل المعروف علميا بـ "اضطراب التوحد"، نسبة 40% من المصابين فيه يجدون صعوبة في النطق أو يتحدثون كلمات غير مفهومة أو غير واضحة.

من على باب إحدى ورشات عمل الخاصة التي تناولت هذه القضية، حضرها الزيان لنقل مشكلته، يقص لشبكة "قدس الإخبارية" رحلته مع طفله تتزاحم تفاصيلها على مشهد فمه: "سافرت لمصر في مرتين، وسجلته بمراكز تنمية سلوك في غزة لكن كان التطور بطيئا ربما لمشكلة بالطفل نفسه وليس بالمركز، ومعظم تلك المراكز يتعاملون مع الطفل بشكل غير مهني وغير سلوكي".

يقدم دليلا ملموسا على كلامه: "في أحد الأيام عاد مصعب إلى البيت مع وجود آثار ضرب على يده ووجهه، فورا ذهبت إلى المركز وقدمت شكوى للمسؤولين فيه قبل ثلاث سنوات، ثم نقلته إلى مركز آخر".

عن الرسوم، يمتلأ فمه بالكثير مما يترك هنا: "في السابق كان المركز يحصل على رسوم شهرية 900 شاقل، ثم خفضها إلى 600 شاقل نظرا للأوضاع الصعبة، وهذا مبلغ ليس بسيطا خاصة أن هناك علاجات وفيتامينات نشتري لابني".

وتعمل مراكز تأهيل أطفال التوحد على موضوع السلوك وليس لها علاقة بالعلاج الصحي، فيختص دورها بتعليمه كيفية الاعتماد على النفس وارتداء ملابسه منفردا والذهاب لدورات المياه لقضاء الحاجة، وتنمية حاسة البصر.

"العائلة التي لديها طفل مصاب بالتوحد تكرس وقتها وجهدها لأجله، تتابع كل حركاته".. تنهد الزيان تلك الحروف التي خرجت منه مغلفة بسياج الإحباط.

مركز خاص ومطالب

يطالب الزيان واليازوري وعشرات الآباء مثلهم، في توفير مركز إيواء حكومي خاص يرعى اطفال التوحد، ويضم مجموعة من المتخصصين لتنمية قدراتهم وهكذا يستطيعون التخلي عن المراكز الخاصة.

يلخص رئيس اللجنة التأسيسية لأهالي أطفال التوحد محمود الصوير أبرز مطالبات الأهالي، المتمثلة بأن يكون هناك دور رقابي فاعل من وزارة التربية والتعليم على المراكز الربحية الخاصة من حيث الجودة وضبط الأسعار وتشكيل لجنة إدارة وفنية بما يتلاءم مع الواقع المعيشي الصعب.

وأشار الصوير في حديثه مع "قدس الإخبارية" إلى أن الأهالي اجتمعوا مؤخرا مع الدكتور فتحي أبو وردة مستشار وزير الصحة مي كيلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي كان أبرز مطالبهم خلالها، بضرورة اعتراف الوزارة بأطفال التوحد، وأن تفتح لديها ملفات طبية وتشكيل لجنة طبية عليا، من أطباء نفسيين لتقييم وتشخيص أطفال التوحد، وإعطائهم تأمين صحي مجاني وتغطية احتياجاتهم العلاجية.

ويخضع ذوي اضطراب التوحد لمستويين من خدمات التأهيل والتعليم في قطاع غزة، تحت إطارين الأول، ضمن مدارس تابعة لجمعيات خيرية وهي محدودة، تضم أعدادا قليلة وهي مدرستان "الأمل والحق في الحياة" وجمعية أخرى، والإطار الثاني المراكز الربحية الخاصة وعددها قرابة خمسة مراكز. حسب إحصائيات تقديرية حصلت عليها "قدس".

ولا يوجد إحصائية حديثة حول أعداد أطفال التوحد في غزة، سوى دراسة أعدها برنامج غزة للصحة النفسية بالتعاون مع الاغاثة الإسلامية والتي قدرت أعداد الذين يعانون من اضطراب التوحد بنحو 520 طفلا عام 2015، فيما تصل التقديرات اليوم إلى 700 – 1000 طفل.

وتحدد وزارة التربية والتعليم سقفا للحد الأقصى للرسوم والبالغ 600 شاقل لنيل ترخيص رسمي لمراكز التأهيل وفق إفادة خالد أبو فضة نائب مدير عام التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم لشبكة "قدس" الإخبارية، في حين أفاد بعض الأهالي في حديثهم مع "قدس" أنهم دفعوا مبالغ تصل 900 شاقل في اوقات سابقة، فيما لا يوجد تسهيلات او تخفيضات للأخوة الذين يعانون من نفس الاضطراب.

#أطفال التوحد #التوحد في غزة