شبكة قدس الإخبارية

رسالة إلى اشتية: لا تضعوا العربة أمام الحصان

qadaa
يزيد مخلوف

 

 استمعت ملياً لحديث دولة رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية المحترم في معرض تعليقه على احتجاجات نقابة المحامين ومؤسسات المجتمع المدني وذوي الاختصاص من القانونيين على القرارات بقانون الأخيرة والتي مسّت بالسلطة القضائية، وما أثار دهشتي واستغرابي هو تبسيط الأمور كأننا نتحدث عن قانون فرعي أو مسألة هامشية لن تقدم أو تؤخر في ميزان العدالة القويم بالرغم من صرخات نقابة المحامين والمحتجين من أصحاب الاختصاص وأهل الخبرة والقانونيين.

كنت أتمنى ألاّ تفهم تصريحاتكم الأخيرة بأنكم تضعون العربة أمام الحصان، فلو تلمّستم دواعي صرخات المحامين وآهات المحتجين القانونيين والمثقفين واستمعتم لوجهة نظرهم القانونية لما أصدرتم حكماً غيابياً على جموع الغاضبين، ولكننا على علمٍ يقين بأن الحكومة الفلسطينية لم تستشر أيضا بهذه القرارات بقانون، مثلها مثل جموع المغيّبين، مما يجعلها في مركز واحد مع نقابة المحامين الفلسطينيين ومؤسسات المجتمع المدني وغيرهم من ذوي العلاقة وأصحاب الاختصاص في هذا المضمار.

اسمح  لي بدايةً يا دولة الرئيس ودون الدخول في تفاصيل الأمور القانونية والمخالفات الدستورية الجسيمة لهذه القرارات بقانون من حيث عدم جواز تعديل قانون السلطة القضائية بقرار بقانون باعتباره (قانون سياديّ) و/أو عدم توفر حالة الضرورة ومدى مساسها باستقلال السلطة القضائية والإجهاز على مبدأ الفصل ما بين السلطات وإخلالها الواضح بمبادئ القانون الراسخه من حيث حصانة القاضي الفرد وإخلالها الصريح بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بالتعيين وسحب الصلاحيات من النائب العام والمحكمة الدستورية ووزارة العدل وآلية تعيين رئيس السلطة القضائية وقضاة المحكمة الإدارية العليا، بأن أوضح لدولتكم جزئيةً بسيطة، وهي في خطورة إنفاذ هذه القرارات بقانون لحين عرضها على المجلس التشريعي الموعود،  إما أن يقرّها أو يلغيها.

مخاطر إنفاذ القرارات بقانون على السلطة القضائية لحين انتظار إقرارها من المجلس التشريعي:

أولاً: إن في إنفاذ هذه القرارات بقانون لحين عرضها على المجلس التشريعي سيترتب عليه نشوء مراكز قانونية جديدة وإلغاء مراكز قانونية قائمة، فتعيين رئيس ومجلس قضاء أعلى جديد وتعيينه لقضاة جدد وطرده لقضاة آخرين أو إحالتهم على التقاعد المبكر واستحداث محاكم جديدة وإلغاء محاكم قائمة وتغييرٍ جوهري في اختصاصاتها وتعيين قضاتها ومعالجة الأحكام الصادرة عنها وآلية الطعن فيها من حيث قيمتها ونوعها ومكانها.. الخ هو الخطر بعينه.

فما هو مصير هذه المراكز القانونية المستحدثة  فيما لو لم يتم إقرار هذه القرارات بقانون أو تم إلغاؤها من المجلس التشريعي الجديد في جلسته الأولى؟

بكل تأكيد سنكون أمام مجازفة قانونية كبيرة لا تحمد عقباها، وهذا سيخلط الحابل بالنابل وسيضعنا جمعياً في مأزقٍ قانوني وتشريعي كبير لن نخرج منه إلا بمذبحة قانونية جديدا، لن تبقِ ولا تذر وسندخل في فوضى تشريعية عارمة واختناقٍ إضافي للقضايا وإطالة أمد التقاضي ستجهز على مكتسبات السلطة القضائية واستقرارها، وسنحتاج لسنوات وسنوات من الإصلاح والترميم للتخفيف من هذه الآثار الكارثية التي وقعنا بها وسيشكل هذا عبئاً قانونياً ومالياً كبيراً على حكومتنا الفلسطينية، كان بالإمكان تداركها لو كانوا يعقلون.

ثانياً: الأصل أن يترك أمر تعديل قانون السلطة القضائية - إن لزم - للمجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب صاحب الصلاحية والاختصاص وخصوصاً بأننا متجهون لانتخابات تشريعية بعد أشهر قليله وقد صدرت بذلك المراسيم القانونية اللازمة عن سيادة الرئيس، فلماذا توضع العراقيل أمام هذا المجلس الموعود؟ وهل فعلاً لا نستطيع الانتظار برهة من الزمن لإعطاء السلطة التشريعية حقها الدستوري بممارسة دورها الطبيعي بإصدار القوانين، ونتجاوز بذلك مخاطراً كبيرة - كما  أوضحتها سابقاً -  وخصوصا أننا لسنا في ظرفٍ طارئ لا يحتمل التأخير لإقرار مثل هذه القرارات بقانون؟ إني أحار بذلك!

ثالثاً: سيتحمل المجلس التشريعي الجديد حملاً مرهقاً أجزم بأنه لن يستطيع مناقشة هذه القرارات بقانون لحالة الغياب الطويل وللكم الهائل من القضايا المصيرية والقرارات بقانون - والتي يزيد عددها عن ثلاثمائة قرار بقانون- وحالة التشرذم والانقسام البغيض الذي عانى منه هذا الشعب المسكين فقد يحتاج هذا المجلس الحديث العديد العديد من الجلسات لمناقشتها، وفي حال لم يقم  المجلس التشريعي بإلغائها في جلسته الأولى ستكون نافذة بحكم الدستور مما يعني أنها ستفرض بالأمر الواقع، لا لأنها مطابقة للقانون ولكن لضيق الوقت اللعين.

رابعا: ماذا لو لم تجر الانتخابات التشريعية -لا قدّر الله - ؟

سنكون أمام قرارات بقانون نافذة إلى ما شاء الله،  فصلت على مقاسات الأشخاص و أجهزت على ما تبقى من استقلال للقضاء ودمّرت مبدأ الفصل ما بين السلطات وأنهت آمالنا بأن ننعم جميعاً بقضاء مستقل وقوي وبدولة ديمقراطية تقوم على مبدأ الحكم الرشيد.

أطالبكم بتصحيح المسار والضغط لإلغاء أو/و تجميد هذه القرارات بقانون فوراً لحين تعديل بعض نصوص قانون السلطة القضائية من الجهة صاحبة الصلاحية الدستورية - إذا لزم الأمر -  والعودة لتطبيق قانون السلطة القضائية رقم (١) لسنة ٢٠٠٢ والصادر عن المجلس التشريعي الفلسطيني  بشكل سليم والذي يشهد له بأنه من أفضل القوانين في محيطنا العربي لو طبقت نصوصه بشكلٍ سليم وأمين، وبذات الوقت دعم القضاء الفلسطيني بكافة الإمكانيات المالية والفنية واللوجستية من مباني وموظفين  وتطبيق الفصل والاستقلال المالي لمجلس القضاء الأعلى وفي احترام قرارات المحاكم ومجازاة المخالفين دون تأخير، وبذلك تصححون المسار وتعيدون الحصان وسيذكرك التاريخ بأنكم أنقذتم البلاد والعباد وأعدتم للقضاء هيبته واستقلاله وأُنقذ من الضياع، ونذكر دولتكم بتدخلكم الحكيم في وقف نفاذ القرار بقانون المعدل لقانون التقاعد العام في نيسان الماضي والذي أحدث ارباكاً مجتمعياً واسعاً  في الشارع الفلسطيني، والأمر والحالة هذه يا دولة الرئيس أكثر حساسيةً وتعقيداً بكل أسف وهو المساس بقانون السلطة القضائية واستقلالها.

 

 

#القضاء #قضاء #قرارات #محمد_اشتية #الرئيس_عباس #قوانين #نقابة_المحامين #محاماة #السلطة_القضائية