شبكة قدس الإخبارية

الرقابة والسيطرة الأمنية في مدينة القدس

كاميرا-المراقبة-1
القسطل

مقدمة

كانت المعلومة ولا زالت حجر أساس في إنشاء وبقاء كيان الاحتلال، وبناء على طبيعة هذا الكيان الذي يخطط ويعمل على تهجير أكبر قدر ممكن من السكان والسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض والذي يسير بشكل موازي مع النظام السيطرة والرقابة الأمنية بما يضمن تقليل العوائق أمام المخطط المركزي في تهجير السكان والسيطرة على الأرض.

وتحتل مدينة القدس مكانًا مركزيًا ضمن هذه المنظومة الأمنية، وتحصل على قسطٍ كبيرٍ من جهود دولة الاستعمار الإسرائيلي للهيمنة والضبط والسيطرة. المنظومة التي تعززت بسبب الإجماع الصهيوني على عدم التنازل عن مدينة القدس أو الانسحاب منها في أي تسوية سياسية مستقبلية، وفي ذات الوقت عدم القدرة على طرد السكان الأصليين الفلسطينيين في المدينة المقدسة، ما حدا بالمنظومة الاستعمارية إلى بذل جهود احتوائية للفلسطينيين من خلال تعزيز الرقابة الأمنية والترهيب والتعليم والتوظيف.

منظومة الرقابة الأمنية

تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى بناء منظومة سيطرة ورقابة أمنية فعالة لإحكام السيطرة على المقدسيين وإعادة إنتاج الفرد والمجموع المقدسي من جديد، بما يتناسب والرؤية الصهيونية والمتغيرات السياسية الداخلية والخارجية (قرارات ترامب بخصوص القدس وصعود التيارات اليمينية القومية في إسرائيل). هذا كله يأتي بالتزامن مع تحول الحالة السياسية والاجتماعية والثقافية في القدس إلى مصدر قلق مستمر لكل الساسة ورجال الأمن خاصة منذ هبة 2015 وما تبعها من معركة على البوابات الإلكترونية في 2017، لتشكل هذه الحراكات معاني جديدة لفشل المخطط الاستعماري في تشكيل هوية جديدة للمقدسيين تستثني مقدساتهم، وقضيتهم الوطنية وامتدادهم الفلسطيني المادي والمعنوي رغم عبر كل محاولات العزل بالحواجز والمستوطنات.

محاولات أسرلة التعليم في القدس أحد أهم أساليب وأدوات منظومة السيطرة الأمنية على الجيل الفلسطيني الناشئ، وهو ما يمكن الكشف عنه بوضوح في الخطة الخماسية، التي أعدّها ضباط مخابرات وسياسيون من أقطاب اليمين الإسرائيلي، وأقرتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي في القرار رقم 3790 عام 2018 بميزانية بلغت 2 مليار شيقل على أن تحقق أهدافها حتى عام 2023 بتعزيز ما يسمى بالسيادة الإسرائيلية على شرق القدس.

تركز الخطة الخماسية على الاستثمار في تعلم اللغة العبرية والمجالات التكنولوجية (مهم جدا دراسة الأبعاد النفسية وتأثيرها في تشكيل هوية الفرد في سياق التعليم التكنولوجي)، ودعمت بشكل كبير المدارس، التي تتبنى المنهاج الإسرائيلي على حساب الفلسطيني، إلا أن ذلك فشل بعدما اتضح أنه بعد مرور 3 أعوام على إقرار الخطة، لا تزال 90% من المدارس المقدسية تتبنى المنهاج الفلسطيني من منطلق إدراكها بأن الهدف هو تشكيل هوية جديدة لجيل تخشى دولة الاحتلال على نفسها منه.

وتلعب كاميرات المراقبة دورا مهما في سياق محاولات إحكام السيطرة الأمنية على المدينة المقدسة، وتتعامل معها الجهات الأمنية في دولة الاحتلال كمورد للمعلومات والتفاصيل اليومية، وهي موجهة لمراقبة سلوك الفلسطينيين وحياتهم وتحركاتهم، بالإضافة لكونها عاملا مهما في تشكيل “الخيار العقلاني” لديهم، وهي نظرية معتبرة في أدبيات “الأمن الإسرائيلي” وأسس لها أستاذ الفلسفة في جامعة أكسفورد مايكل ألينغهام، ويشير فيها إلى أن عملية اتخاذ القرار تأتي في أربع سياقات، وهي: سياق الشك وسياق اليقين وسياق الاختيار الجماعي وسياق الاستراتيجية، وفي النهاية تدفع محصلة السياقات الأربعة تشكل رادعا أمام القيام بأي عمل ضد “النظام”.

منذ “هبة القدس” 2015 تضاعف عدد كاميرات المراقبة، وفي العام نفسه أعلنت شرطة الاحتلال عن تشكيل وحدة مابات 2000، والتي تشغل حوالي 400 كاميرا أمنية في البلدة القديمة، ورجت لها على أنها السبب الأهم في الكشف عن عشرات المنفذين الذين تمكنوا من الانسحاب من المكان، وفي عام 2018 أعلنت بلدية الاحتلال عن البدء بمشروع “عين القدس” الذي يشمل تثبيت 500 كاميرا جديدة.

ولم يكن إعلان وزارة داخلية الاحتلال في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن السماح لنحو 20 ألف شاب فلسطيني من سكان القدس بالحصول على الجنسية الإسرائيلية ببعيد عن محاولات إحكام السيطرة الأمنية في القدس. وفقًا للإجراء، سيتمكن أي مقدسي يتراوح عمره بين 18 و 21 عامًا ولا يحمل جنسية أخرى من الحصول على الجنسية، بشرط ألا يكون قد تمت إدانته سابقا بأعمال مقاومة ضد الاحتلال، وهي خطوة تهدف إلى حد بعيد إلى إنتاج “المقدسي النظيف” وهو ما يشبه إلى حد بعيد عملية إنتاج “الفلسطيني النظيف” من خلال الشروط التي تضعها مخابرات الاحتلال على استصدار التصاريح لأهالي الضفة الغربية.

أما على الصعيد الأوسع في تطبيق نظام المراقبة الأمنية حيث قام المخطط المدني لضواحي مدينة القدس وتحديدًا للمناطق التي تتواجد خارج جدار العزل، حيث تم تقسيم هذه المناطق إلى مربعات أمنية محددة التوسع وتقطيعها باستخدام الشوارع والبؤرات الاستيطانية والتي تراقب حدود هذه المربعات الأمنية ولاحقًا التغلغل بأنظمة المراقبة داخل هذه المربعات والمقسمة بالشكل التالي:. وأما على الصعيد الأوسع في تطبيق نظام المراقبة الأمنية حيث قام المخطط المدني لضواحي مدينة القدس وتحديدًا للمناطق التي تتواجد خارج جدار العزل، حيث تم تقسيم هذه المناطق إلى مربعات أمنية محددة التوسع وتقطيعها باستخدام الشوارع والبؤرات الاستيطانية والتي تراقب حدود هذه المربعات الأمنية ولاحقًا التغلغل بأنظمة المراقبة داخل هذه المربعات والمقسمة بالشكل التالي:

 

بلدة بيت صفافا:

هي بلدة تم احتلال جزء منها في نكبة عام 1948، والجزء الآخر تم استكمال احتلاله في نكسة عام 1967، وهي تقع جنوب مدينة القدس على الطريق المؤدي لكل من مدينتي بيت لحم والخليل. وهي عبارة عن ثلاث مربعات أمنية بما يحدد إمكانية توسعها وتقطيعها من خلال خمس شوارع رئيسية ومستوطنات المالحة، و(تلبيوت)، و(جفعات همتوس).

بلدات صور باهر، وأم طوبا، أم ليسون:

وهي البلدة الجنوبية لمدينة القدس والتي تقع بين المدينة ومدينة بيت لحم، مع الإشارة إلى أن كل من أم طوبا وأم ليسون هي بالأساس عبارة عن خرب كانت مرتبطة ببلدة صور باهر، والتي تحولت جميعها إلى مربع أمني واحد مفصولة عن بلدتي بيت صفافا وشرفات من خلال كل من المستوطنات (تلبيوت)، و(أرنونا)، و(رمات راحيل)، و(جفعات هعرفا)، جبل أبو غنيم وثلاثة شوارع رئيسية بالإضافة لجدار العزل من الجهة الشرقية.

بلدة جبل المكبر : حيث تقع البلدة جنوب شرق مدينة القدس، وتشرف على مركز المدينة. وتم تقسيمها إلى مربعين أمنيين، من خلال منطقة خضراء يمنع فيها البناء في وسط البلدة، بالإضافة إلى مستوطنات (تلبيوت شمال وشرق)،( كريات موريا)، وأخيرًا جدار العزل الذي يوازيه ما يسمى بالشارع الأمريكي الذي يعزل البلدة عن امتدادها السكاني في السواحرة الشرقية والشيخ سعد.

حي الثوري: وهو حي يقع جنوب مدينة القدس على الطريق الواصل مع البلدات الجنوبية للمدينة. وهو عبارة عن مربع أمني واحد، يعزلها عن باقي الأحياء مستوطنة أبو طور، وشارعين رئيسيين ومناطق خضراء تحيط الحي.

بلدة سلوان: وهي الحوض الجنوبي للبلدة القديمة في مدينة القدس، فبالإضافة للمخطط الاستيطاني الذي يستهدف هذه البلدة بشكل خاص بما يدعى أنه يرتبط بالقصة التوراتية لحديقة داود. فقد تم تقسيمها إلى أربع مربعات أمنية من خلال ستة شوارع منها رئيسية وفرعية، ومستوطنة (معلوت هزيتيم) التي تفصل بين بلدة سلوان وحي رأس العامود التابع لها، كما يحد شرقها جدار العزل.

جبل الزيتون: وهو الحوض الشرقي للبلدة القديمة والمشرف عليها، تم تقسيمه إلى ست مربعات أمنية من خلال عدة شوارع رئيسية وفرعية تحدد عدد المداخل بين أحياء وبلدت جبل الزيتون مثل بلدة الطور، والصوانة، الشياح. بالإضافة إلى جدار العزل شرق البلدة. والتي يمكن تقدير عدد كاميرات المراقبة الأمنية الموجودة فيه من خلال إحدى مداولات اللجنة الأمنية في الكنيست عام 2015 التي قدرت وجود 136 كاميرا عام 2006 وطالبت بإضافة 160 كاميرا إضافية[5] .

الحوض الشمالي للبلدة القديمة: والذي تم تقسيمه إلى ثلاث مربعات أمنية، من خلال شوارع رئيسية وهي مربع باب الساهرة، وواد الجوز، والشيخ جراح؛ كما يفصل الحوض الشمالي للبلدة القديمة عن البلدات الواقعة في الجهة الشمالية لمدينة القدس مستوطنات التلة الفرنسية، والجامعة العبرية.

العيساوية: وهي تقع شمال شرق مدينة القدس، ولا زالت حتى لحظة كتابة هذه التقرير هي عبارة عن مربع أمني واحد، تم تحديد توسعها من خلال جدار العزل، وشوارع رئيسية في الجانب الجنوبي والجنوب الغربي، ومستوطنات الجامعة العبرية والتلة الفرنسية من الجهة الشمالية. وهناك سعي لتقطيع البلدة إلى أربع مربعات أمنية من خلال المخطط الهيكلي للبلدة والذي أُعلن عن مصادقة بلدية الاحتلال في مدينة القدس عليه مؤخرًا.

بلدة شعفاط: تم تقسيم بلدة شعفاط وهي الواقعة شمال مدينة القدس إلى مربعين أمنيين، الأول شرقي والثاني غربي من خلال 4 شوارع رئيسية محيطة في البلدة ووسطها كما يمر قطار خفيف داخل الشارع الرئيسي الذي يقسم البلدة. ويحد توسعها مستوطنات (رمات شلومو)، و(بيسغات زئيف)، وجدار العزل من الجهة الشرقية.

بلدة بيت حنينا: وهي تقع شمال بلدة شعفاط، وتم تقطيعها إلى أربع مربعات أمنية من خلال ستة شوارع رئيسية، وجدار العزل من جهتها الشمالية والشمالية الشرقية، وكل من مستوطنة (بيسغات زئيف)، و(نبي يعقوب).

وأما كحالة دراسية لدور هذه المربعات الأمنية ودورها في مدينة القدس، لا يصعب على أحد تذكر الطفل الشهيد محمد أبو خضير عام 2014، وما تلاه من رفض شعبي لاستشهاده. والذي أظهر بشكل دور المربعات الأمنية بشكل واضح في المخطط الأمني للسيطرة على مدينة القدس، حيث عجزت الهبات الشعبية في جميع مناطق مدينة القدس على الاتصال. وتحديدًا في بلدة شعفاط حيث يقع منزل أهل الشهيد والواقع على حدود المربعين الأمنيين لبلدة شعفاط، إلا أن جيش الاحتلال ونتيجة عجزه لحصر الهبة في البلدة داخل إحدى المربعات الأمنية الخاصة في البلدة، كان يستميت ويكثف من استهداف الشبان والشابات الفلسطينيين أثناء محاولتهم تجاوز المربع الأمني الخاص في بلدة شعفاط والاتصال مع أقرب بلدة وهي بلدة بيت حنينا. والذي يفصلها عن بلدة شعفاط شارع رئيسي مراقب من خلال الكاميرات الأمنية وكان كمركز رئيسي لجيش الاحتلال منع اتساع رقعة العمل الجماهيري.

 

الخاتمة

إن المناص الوحيد للخروج من هذا المأزق لا يكون بمواجهة جزئية للمشروع الاستعماري، بل من خلال ممارسة العمل الثوري ضد الوجود الاستعماري بشكل عام وكامل، والإشارة أعلاه لنظام الرقابة والسيطرة الأمنية تساهم في معرفة كيف يمكن إنشاء عمل ثوري مع الأخذ بعين الاعتبار تلك المربعات الأمنية والعمل ضمنها لتحطيمها بما يساهم بتطوير العمل الثوري الجماهيري في مدينة القدس وهو الشق الثاني من نظام المراقبة والسيطرة. أما الشق الأول من نظام السيطرة والرقابة والمتعلق بالنظام التعليمي\التربوي يمكن مجابهته بالكتابات والتربية الثورية التي تمارس بشكل متزامن مع العمل الثوري فبحث المثقفين المُستعمرين في التاريخ هو أشبه إلى هروب المثقفين من واقعهم المستعمر، وإن كان فرانز فانون لا يدين هذا التصرف إلا أن الاستعمار الأبيض هو من فرض معركة التاريخ على الآخرين واضعًا المستعمر بين خيارين فإما يعلق به ويتجمد به وإما يتحلل منه وكلتا الحالتين هما تحت السيطرة الاستعمارية، واتفاقًا مع فانون فإن الثقافة التي تُجمع في المعركة هي أقرب وأقوى ودونها ثقافة ميتة. (فانون، 2017)

#القدس #الأمن