شبكة قدس الإخبارية

القدس وانتفاضة الحجر .. حكايات الثورة والأسر

تقرير-الانتفاضة-
كمال الجعبري

القدس المحتلة - قدس الإخبارية: حرصت القدس وأهلها على المشاركة الفاعلة في الانتفاضة، لتثبت أنها جزءٌ أصيل من فلسطين الثائرة والمنتفضة في وجه الاحتلال، وما ميّز القدس في الانتفاضة ميدانياً، عدة عوامل منها الاحتكاك المباشر بين الفلسطينيين والمحتلين، ورمزية القدس كعاصمة لفلسطين ومكانتها الدينية المتمثلة في وجود المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة فيها، وانعكس ذلك على طبيعة العمل المقاوم فيها خلال الانتفاضة، فقد تشكلت في القدس العشرات من الخلايا الفدائية، أو القوى الضاربة كما كانت تسمى آنذاك، والتي كانت تتبع معظم الفصائل الفلسطينية المقاومة، ونفذت تلك المجموعات المئات من العمليات الفدائية التي استهدفت جنود الاحتلال ومستوطنيه وعملائه في ذات الوقت، كما شهدت القدس العديد من العمليّات الفدائية الفردية، ما ترتب عليه اعتقال العشرات من المقدسيين، ومن ثم تحرير معظمهم في صفقة وفاء الأحرار في تشرين أول من عام 2011.

سرايا الجهاد وبواكير الخلايا الفدائية قبل الانتفاضة

بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982، وتراجع فكرة مقاومة الاحتلال من خارج فلسطين، بدأت فكرة مقاومة المحتل من الداخل تتصاعد في الوسط الفلسطيني، وانعكس ذلك عبر عدد من العمليات الفدائية التي أسهمت بشكلٍ غير مباشر في اندلاع الانتفاضة في 8/12/1987، ومن أبرز تلك العمليات؛ عملية حائط البراق الفدائية التي نفذتها مجموعة تتبع سرايا الجهاد الإسلامي، وهي تشكيلٌ إسلامي التوجه أسسه اثنين من قادة القطاع الغربي المختص بالعمل داخل الأرض المحتلة في حركة فتح، وهما الشهيدان؛ محمد ابحيص (أبو الحسن قاسم) ومحمد التميمي (سلطان).

تم تنفيذ العملية في 15/10/1986، واستهدفت حفل تخريج ضباط “وحدة الذئب” في جيش الاحتلال (جفعاتي)، والذي كان يقام في ساحة حائط البراق، حيث استهدف كل من عبد الناصر وطارق الحليسي الحفل بالقنابل اليدوية موقعين 80 إسرائيليًا بين قتيل وجريح.

 

ولاحقاً اعتقلت قوات الاحتلال أعضاء المجموعة؛ سمير أبو نعمة، عبد الناصر الحليسي، طارق الحليسي، إبراهيم عليان، وحازم عسيلة، وبعد أن تم الحكم عليهم بعدة مؤبدات في سجون الاحتلال، خرج الجميع في صفقة وفاء الأحرار، وتم إبعادهم إلى غزة، باستثناء سمير أبو نعمة، عميد الأسرى المقدسيين حالياً في سجون الاحتلال.

أسرى القدس من أبطال القوى الضاربة

تميزت القدس عن باقي مدن فلسطين المحتلة خلال الانتفاضة بالعمل النوعي المقاوم، وبكثرة عمليات الطعن والاستهداف المباشر للاحتلال وجنوده ومستوطنيه، كما تشكلت العديد من المجموعات الفدائية ضمن القوى الضاربة في الانتفاضة، والتي تعرض أفرادها للاعتقال، ومن أبرز هؤلاء الأسرى:

الأسير المقدسي المحرّر خالد طه، الذي ولد في القدس عام 1965، وانخرط في العمل النضالي في صفوف حركة “فتح”، ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انضم خالد طه إلى صفوف القوى الضاربة في الانتفاضة، ونفذ عدداً من العمليات النوعية مثل إلقاء الزجاجات الحارقة، وتوزيع بيانات القيادة الموحدة للانتفاضة.

وبعد تنفيذه عدداً من العمليات التي قتل خلالها عددٌ من الإسرائيليين، تم اعتقاله في 18/1/1988، وحُكم بالسجن لعدة مؤبدات، وخرج ضمن صفقة وفاء الأحرار في تشرين أول 2011، ومن ثم أُبعد إلى قطاع غزة.

الأسير المقدسي ناصر عبد ربه، وهو من أبرز قيادات الانتفاضة الشعبية في القدس، حيث شارك في معظم فعالياتها في المدينة، من إحراقٍ لسيارات الاحتلال، وإغلاق للشوارع، ومشاركةٍ في المواجهات. في 9/2/1988 كان ناصر على موعدٍ مع همجية قوات الاحتلال التي اعتقلته وواصلت ضربه بالهراوات خلال اقتياده خارج المنزل، ما دفع أمه لأن ترجم قوات الاحتلال بالحجارة.

أثناء وجود عبد ربه في السجن، نفذ عملية اغتيال لواحدٍ من أهم العملاء في سجون الاحتلال، فتم الحكم عليه بالسجن المؤبد. قضى 23 عاماً في الأسر قبل أن يخرج في صفقة وفاء الأحرار، وعاد إلى مدينته القدس، ليُعاد اعتقاله في 18/6/2014، كردٍ انتقامي على عملية الشهيدين عامر القواسمي ومروان أبو عيشة ويعاد له الحكم المؤبد.

من أبرز تشكيلات القوى الضاربة خلال انتفاضة الحجارة، في القدس، قوات النسر الأحمر، التي ضمّت أفراداً من مناضلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ومن أبرز مناضيلها في القدس، جمال أبو صالح وأحمد عميرة، حيث اعتُقل جمال أبو صالح في 21/2/1988، فيما اعتُقل عميرة في 25/10/1988، على خلفية مشاركتهما في أنشطة الانتفاضة والمقاومة الشعبية الجماهيرية في القدس.

وخلال تواجدهما في سجون الاحتلال، نفذ عميرة وأبو صالح عملية تصفيةٍ لأحد كبار عملاء الاحتلال، ليتم الحكم عليهما بالمؤبد، ويقضيا 23 عاماً في سجون الاحتلال قبل أن يخرجا في صفقة وفاء الأحرار، وضمن حملة الاعتقالات التي شنّها الاحتلال عقب عملية مفترق (عتصيون) الفدائية صيف عام 2014، أعاد الاحتلال اعتقال الأسير جمال أبو صالح، وتثبيت الحكم السابق الصادر بحقه.

مع اقتراب الانتفاضة من عامها الثالث في 1990، بدأ العمل النوعي العسكري المقاوم بالتطور، ودخل في مراحل جديدة تتمثل بتصنيع مجموعات القوى الضاربة لسلاحها البسيط، مثل: الكارلو، المسدسات والخراطيش، العبوات الناسفة، الزجاجات الحارقة وغيرها، ومن الذين عملوا ضمن هذا النشاط النضالي في القدس الأسير إبراهيم مشعل، أحد كوادر حركة “فتح” وقيادات القوى الضاربة خلال الانتفاضة فيها، والذي شارك أنشطة تصنيع السلاح والمتفجرات خلال الانتفاضة، ونفذ عدداً من العمليات الفدائية التي قتل خلالها عميلٌ للاحتلال وجرح عدد من جنود الاحتلال.

وفي 28/3/1990، اعتقلت قوات الاحتلال إبراهيم، وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد الذي أمضى منه 21 عاماً في سجون الاحتلال، ليخرج بعدها في صفقة وفاء الأحرار، وأعادت قوات الاحتلال اعتقاله في حزيران من العام 2014 وتم الإفراج عنه بعد شهرٍ من الاعتقال.

مجزرة الأقصى وتفجر حرب السكاكين

بعد مجزرة المسجد الأقصى المبارك في 8 تشرين أول 1990، تصاعدت حدة عمليات استهداف الإسرائيليين في القدس وعموم فلسطين، حيث صدر بعد يومٍ من المجزرة (نداء مجزرة الأقصى) الصادر عن القيادة الموحدة للانتفاضة الفلسطينية، والذي تزامن مع دعوات حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، حيث تضمنت كل تلك النداءات والبيانات دعوةً للرد على تلك المجزرة، ومن قرية العبيدية، التي كانت تتبع القدس إدارياً آنذاك، انطلق الرد الأول على يد عامر أبو سرحان، الذي نفذ عملية طعنٍ في حي البقعة غرب القدس في 21/10/1990، والتي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين، وتم الحكم على عامر بعد أن اعتقل بالمؤبد ثلاث مرات، والتي أمضى منها 20 عاماً في سجون الاحتلال قبل أن يتم تحريره في صفقة وفاء الأحرار.

أسهمت عملية عامر أبو سرحان في ولادة نمط جديد من أنماط المقاومة الشعبية في القدس، تمثل في عمليات الطعن الفدائية، والتي أخذت طابعاً فردياً في الغالب، وبعضها كان يتم عبر خلايا أو توجيهات من فصائل المقاومة الفلسطينية، مثل حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، ومن أبرز أبطال تلك العمليات في القدس: ياسر داوود الذي نفذ عملية طعن في شارع يافا، ومازن علوي الذي نفذ عملية طعن في الموقع ذاته بعد عدة أسابيع، حيث تم اعتقالهما عام 1991، والحكم عليهما بالسجن المؤبد، وتم تحريرهما لاحقاً في صفقة وفاء الأحرار.

يوسف الخالص الذي أبيّضت عينا والده

“سجن عكا بيدي بنيته ودمع عكا من دمعي رويته، جاني كتاب من يوسف لسه ما قريته”، بتلك الأبيات مغالباً دموعه روى الحاج موسى الخالص أشواقه لابنه يوسف الذي كان عند إجراء تلك المقابلة مع أبيه، ضمن وثائقي (القدس وعد السماء)، قد أمضى 8 سنوات في سجون الاحتلال، والده الحاج موسى الخالص، ممن شاركوا في ثورة فلسطين الكبرى، والدفاع عن القدس عام 1948، وصمد في منزله في شارع الواد بالبلدة القديمة، رافضاً كل عروض جمعية (عطيرت كوهنيم).

وبالعودة ليوسف، كان ضمن القوى الضاربة لحركة “فتح” في الانتفاضة، ونفذ عملية طعن عام 1991، ثم اعتُقل وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد.

اليوم يعيش يوسف مبعداً عن قدسه إلى غزة، وتصمد عائلته في باب الواد، ويروي يوسف لأبنائه حكايات رجال القدس، منذ الـ36، وخلال انتفاضة الحجارة، وحتى يومنا هذا.

#القدس #الانتفاضة