شبكة قدس الإخبارية

بئر حرم الرامة.. بذرة زرعها نبي

160656278918381 (1)
خلود الملاح

الخليل- خاص قُدس الإخبارية: عجّت فلسطين بآثارٍ تاريخية كثيرة، فتكاد لا تخلو بقعة منها وإلا وتقدست بموطئ قدم أحد الأنبياء، وتباركت بمقامات الصالحين، نستعرض منها أثر يروي قدم الحكاية، حين حمل رائحة أبو الأنبياء إبراهيم (عليه السلام)، عبقٌ ملأ المكان وانتشر لتسمى مدينة الخليل على اسمه، ولتحمل هذه المدينة آثاراً "إبراهيمية" كثيرة.

في بقعة شمالي الخليل، وعلى طريق الخليل – القدس، تقع بقعة بآثار مترامية تحمل بين جنباتها تاريخ أصيل أبى أن يفارقها ولو بأحجار متناثرة هنا وهناك، تدعى "رامة الخليل"، أو "حرم راحة الخليل"، وقد كانت تقوم على "بلدة تربينتس" وهي التسمية الرومانية للموقع، ويطلق الاحتلال عليها حالياً اسم "الوني ممري"، بينما يعرف المكان حسب المتعارف عليه "بئر حرم الرامة"، وقد سمي بحرم الرامة لاعتباره الحرم الأول الذي أقامه النبي إبراهيم (عليه السلام) قبل الإبراهيمي.

أما حكاية هذا المكان فتبدأ مع إقامة سيدنا إبراهيم (عليه السلام) فيه، حيث نصب خيمته هناك تحت أشجار من البلوط، وحفر بئراً للمياه، و-هي بئر عميقة تقع في الزاوية الغربية الجنوبية للبناء أما حاله الآن فهو مغطى بقضبان حديدية-، بل ويذكر أن "سارة" زوجة سيدنا إبراهيم قد بُشرت بـ "اسحق" وقد كانت طاعنة بالسن فكانت البشارة بمثابة معجزة إلهية.

 ويقال على لسان بعض الرحالة إن اسماعيل ابن سيدنا إبراهيم، عاش هناك مع أمه هاجر فكانت هذه البقعة مسرحاً لطفولته ومكان راحته، كما ويذكر أن مريم بنت عمران أثناء هروبها إلى مصر خوفاً من اضطهاد "هيروديون" وجبروته استراحت هناك هي وسيدنا إبراهيم، إلا أن هذه الرواية لم ترد بجميع كتب التاريخ_ ولكن ليس من المستغرب أن يكون استراح او استقر فيها كل هؤلاء وأكثر نظراً لطبيعة المنطقة المقصودة بالنسبة لما حولها في ذلك الزمان، فالمكان لا شك تهواه العين والقلب والروح، وكأني به لم يزل يتزين بشذى عابريه، وأي سكينة تلك أن تكون على تراب وطأته أقدام كل هؤلاء.

أما حكاية المكان بالفترة الرومانية فمختلفة نوعاً ما، وبدأت بعد أن دمر Cerealis الخليل، وغدت "تربينتس" مكاناً يضج بأصوات البائعين والتجار وأصبحت من أهم المراكز التجارية، حيث جذبت إليها الكثيرين من سوريا وفلسطين ومصر، ثم جاء حكم الإمبراطور هدريان وفي عهده اتسعت المدينة، فآثر أن يبني فيها معبداً وثكنة عسكرية، وفي عام (325م) تم بناء إحدى أهم الكنائس بها وذلك بعهد قسطنطين الكبير بعد زيارة أمه هيلانة لفلسطين، وأوردت الحفريات الحديثة أنها كانت كنيسة ضخمة طول جدارها الجنوبي (64م) أما الغربي فبطول (50م)، وقد بني الجزء الشرقي من الجير، وبنيت بشكل بازيلكي وضمت ساحة أمامية، إلا أن الكنائس بشكل عام تعرضت في العام (614م) للهدم من قبل الفرس وكانت هذه الكنيسة فريسة للفرس أيضاً فهدمت إلى أن تم إعادة بنائها بالفترة الصليبية لتهجر بعد ذلك لعشرينيات القرن الماضي، إلا أن معالم هذه الكنيسة بالوقت الحاضر تكاد تكون معدومة وليست واضحة ولتبقى حكايتها "جزءًا من نصها مفقود"!

أما بالنسبة لحرم الرامة فهي بناء يحيط به جدار قديم بُنيَ بواسطة أحجار ضخمة، ولعل التفسير لضخامة هذه الأحجار هو أن الجان قد ساعدوا سيدنا إبراهيم في بنائها، وهو تفسير ينطبق على العديد من المعالم الأثرية القديمة والتي لا تحمل تفسيراً منطقياً لقدرة الإنسان على حمل وبناء آثار بهذه الضخامة.

إلا أن البلدة المتواجد عليها الموقع على الرغم من كبر مساحتها، وعلى الرغم من ضخامة البناء عليها إلا أنه لم يتبقَ من آثارها الكثير فتبدو آثارها متناثرة في مساحة واسعة.

بدأت حملة من التنقيبات في هذا المكان وذلك في عام 1926م على يد عالم آثار ألماني، وقد كان هدفها كما تذكر المراجع توراتياً، حيث أمسك العالم الألماني المجراف بيد ومادة التوراة بيد أخرى! ثم جاءت الحفريات والتنقيبات الإسرائيلية في عام 1984م لتنهج نفس النهج السابق ولم يكن هدفها في الأساس الكشف عن التاريخ الحقيقي للموقع، إلا أنه وفي عام 2016م بدأت بعثة فرنسية- فلسطينية عمليات البحث والتنقيب بالمكان على أمل إنجاز مخطط كامل للموقع ليتوضح معالم المكان وتاريخه.

موقع تآخت فيه الديانات السماوية، وعمّ فيه السلام لفترات طويلة إلا أن حمامة السلام ودعته مذ جاء الفرس وعاثوا فيه فساداً ولحقهم الإسرائيليون بعنجهيتهم في نبش تاريخ يستهويهم في المكان، إلا أن حمامة السلام عادت لترفرف فوقه ولتنثر بذور الضياء عسى ولعل أن يضيء بالعز حاضرنا وتشرق شمس ماضينا المختبئة تحت ركام نسياننا!

المصادر:

- مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، ج 5، ق 2، 1991م.

- بلدية الخليل، التاريخ المصور لمدينة خليل الرحمن، 2012م.

- أسامة العيسة، بئر حرم الرامة، جريدة الحياة (العدد 7683)، 2017م.

- نعمان القساطلي، الروضة النعمانية في سياحة فلسطين وبعض البلدان الشامية، 2009م.

- الوقائع الفلسطينية.