شبكة قدس الإخبارية

مطبعون وجهلة.. 40 عامًا من المقاومة

محمد-رمضان-وحمد-المزروعي-وعومير-آدام
قطب العربي

على قدر الجماهيرية الواسعة -والتي لا أساس لها -للفنان محمد رمضان (الذي يفك الخط بالكاد) جاءت ردود الفعل الشعبية الواسعة الغاضبة مستهجنة جريمته بالتقاط صورة مع فنان إسرائيلي، ثم اتضح أنها ليست الصورة الوحيدة بل هناك صور أخرى مع مشاهير صهاينة آخرين.

ردود الفعل لم تقتصر على قوى سياسية مناهضة للسلام مع الكيان الصهيوني، ولكنها جاءت من الوسط الذي ينتمي إليه رمضان، وهو الوسط الفني، الذي حافظ على موقف ثابت رافض للتطبيع منذ زيارة السادات للقدس عام 1977 وتوقيعه معاهدة السلام عام 1979، ولذا جاء قرار نقابة المهن التمثيلية بوقف رمضان وإحالته للتحقيق وما تلاه من قرار مشابه لاتحاد النقابات الفنية كتأكيد على هذا الموقف الاستراتيجي الثابت، رغم ما أحاط بالوسط الفني من رزايا وتشوهات خلال السنوات الأخيرة أبرزها انحيازه لقمع الحريات السياسية ، وانحيازه للانقلاب على إرادة الشعب، وقد كانت هناك خشية أن يكون التشوه قد طال موقف الوسط الفني من التطبيع لكن الهبة الأخيرة أكده أنه لا يزال صامدا في هذا الموقف تحديدا ولم يؤثر مرور أربعين عاما من العلاقات الرسمية مع الكيان الصهيوني على هذا الضمير الوطني.

لم يقتصر الأمر على الوسط الفني بل تعداه إلى الوسط الصحفي الشريك الرئيسي في هذا الموقف التاريخي ضد التطبيع

حيث أصدرت نقابة الصحفيين بيانا يدين هذا الفنان، ويطلب من الصحف منع نشر أخباره وصوره، ويجدد تمسك النقابة بقرارات جمعياتها العمومية السابقة الرافضة للتطبيع، كان مفاجئا أيضا أن يصدر بيان من النقابة التي عجز مجلسها طيلة السنوات القليلة الماضية أن يتحد على موقف أو يصدر بيانا في قضايا كبرى تخص الشأن العام أو حتى حرية الصحافة التي هي أساس شرعية وجود النقابة، وكان بعض أعضاء المجلس يضطرون لإصدار بيانات فردية أو معبرة عن مجموعة منهم تجاه هذه القضايا الوطنية والنقابية، ولكن النقابة فاجأتنا بصدور بيانها الرافض للتطبيع، ومع القناعة بعدم جدية أو قدرة النقابة على تطبيقه عمليا فيما تضمنه من منع نشر أخبار أو صور الفنان المطبع إلا أن صدور البيان في ذاته يبقى أمرا جيدا وذي دلالة في ظل هذا المناخ الفاسد.

موقف النقابات المهنية والعمالية المصرية من التطبيع موقف أصيل، لا فرق في ذلك بين نقابات الرأي مثل الصحفيين والمحامين والفنانين، ولكنه يشمل أيضا النقابات الأخرى مثل المهندسين والأطباء والصيادلة والتجاريين والمعلمين الخ واتحاد عمال مصر، كما أنه يمتد للحركة الطلابية في الجامعات المصرية، والنوادي الرياضية الكبرى والصغرى ومراكز الشباب، ولا ننسى هنا رفض الكثير من الرياضيين المصريين مواجهة نظرائهم الإسرائيليين حتى لو كلفهم ذلك خسارة بعض الميداليات والجوائز التي يسيل لها اللعاب.

رفض التطبيع هو ثقافة شعب وليس فقط موقف نخب فنية أو إعلامية أو مهنية أو رياضية، لكن الجهلاء أمثال محمد رمضان لا يدركون

فحين وقع الرئيس الراحل أنور السادات معاهدة السلام في مارس 1979 وكان ضمن بنودها إجراءات لتطبيع العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني، وحاول السادات فرض التطبيع قسرا لم يستجب الشعب المصري لذلك، وحين خصص السادات وزارة الزراعة تحديدا للقيام بهذه المهمة بزعم تطوير الزراعة المصرية عبر الخبرات الإسرائيلية، وإيفاد بعض الوفود المصرية لتعلم تلك الخبرات، لم يكن أولئك الموفدون قادرين على مواجهة مجتمعاتهم، بل كان الناس يقذفونهم بالحجارة عقب عودتهم إلى مصر، وعلى مدار 40 عاما لم يجرؤ أي سائح إسرائيلي أن يكشف عن هويته بشكل علني خلال تجوله في شوارع القاهرة أو غيرها من المدن المصرية (باستثناء مناطق سياحية محدودة في سيناء)، لأنه يخشى على سلامته الشخصية من غضب المصريين.

قدم الشعب المصري أكثر من مائة ألف شهيد في حروبه الخمسة مع الكيان الصهيوني (حرب 1948-حرب 1956-حرب 1967- حرب الاستنزاف- حرب 1973) وهو لم ينس هؤلاء الشهداء الذين تزين صورهم جدران بيوت مصر في مدنها وقراها حتى الآن، باعتبار ذلك مصدر فخر لها، ولا يعرف الشعب المصري معنى لكلمة العدو سوى (إسرائيل) ولذا نحتوا هتافهم الخالد (بنرددها جيل ورا جيل بنعاديكي يا إسرائيل)، وحتى حين يحتاج النظام الحاكم (الموالي للصهاينة) لاجتذاب تعاطف شعبي مع المؤسسة العسكرية فإنه ينتج أفلاما ومسلسلات تستدعي بطولات العسكرية المصرية في مواجهة الصهاينة وهو ما يزكي بطريقة غير مباشرة روح مقاومة التطبيع.

على مدار أكثر من 40 عاما من العلاقات الرسمية المصرية الإسرائيلية حاول النظام المصري تسويق التطبيع عبر أذرعه الإعلامية، وعبر ميزات وظيفية إلخ

لكن جهوده باءت بالفشل أمام حركة المقاومة للتطبيع والتي قادها المجتمع المدني بنقاباته واتحاداته وأحزابه ونواديه الرياضية، وأذكر أن رجال النظام في نقابة الصحفيين ظلوا يحاولون المرة بعد المرة إلغاء قرارات الجمعيات العمومية الرافضة للتطبيع لكن الغالبية تصدت لهم، وكانت تصدر في كل مرة قرارات جديدة مؤكدة للقرارات السابقة، وأذكر شخصيا تلك المحاولة الخبيثة لمكرم محمد أحمد في عام 1993 تقريبا لتمرير قرار يلغي بشكل غير مباشر قرارات رفض التطبيع السابقة وهو ما تصدينا له بقوة، بل أجبرناه على قراءة مقترح جديد لتأكيد رفض التطبيع وهو ما نال تصفيقا حارا من القاعة، ولم يجرؤ أي نقيب بعد ذلك أن يعيد فتح هذا الموضوع في الجمعيات العمومية.

مهما حاول الكيان الغاصب، وأذنابه في المنطقة تغيير قناعات شعوبنا فإنهم لن يفلحوا، وإذا كان راغبا في سلام حقيقي فالطريق واضح وهو رد الحقوق لأصحابها بشكل سلمي، وإذا لم يفعل فإن المقاومة ستستمر، والعداوة ستتزايد، وإذا كان هذا الكيان يحاول هزيمتنا معنويا بزعم أنه رسخ أقدامه عبر سبعين عاما من الاحتلال فليتذكر أن محتلين آخرين سبقوه لاحتلال نفس الأماكن (الصليبيين)، واستمر احتلالهم للقدس حوالي مائة عام، ثم دحروا وانقلبوا صاغرين، وإن تكرار ذلك ليس على الله بعزيز.