شبكة قدس الإخبارية

الخطايا السبع في قرار سلطة أوسلو إعادة التنسيق الأمني

f2wyy
فراس أبو هلال

لم نكن نتوقع أن تستمر سلطة أوسلو بقرارها مقاطعة التنسيق الأمني مع الاحتلال، إذ إن السلطة هي نتاج لاتفاق تعاقدي مع الاحتلال يفرض عليها التنسيق الأمني، ويخضعها اقتصاديا للاحتلال، ولذلك فإن توقع تغير سلوك السلطة أو تغيير وظيفة السلطة، كما قال كل من رئيس المكتب السياسي السابق لحماس خالد مشعل والراحل صائب عريقات، هو أحلام تصطدم بالواقع.

ومع أن سلوك السلطة كان متوقعا، إلا أن قرارها غير المفاجئ جاء متعجلا، وينم عن فقدان لحاسة "الشم" السياسية، ويمثل سبع خطايا بحق فلسطين وشعبها ومشروعها الوطني:

الخطيئة الأولى: ضرب مسار المصالحة الوطنية التي بدأت تنتعش آمالها في ظل صفقة القرن وسياسة ترامب الفجة تجاه دعم الاحتلال والضغط على الفلسطينيين، وبعد تسارع التطبيع المجاني من دول عربية مع الاحتلال. لقد مثل لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في بيروت بداية أيلول/ سبتمبر الماضي، وما تبعه من لقاءات في إسطنبول والقاهرة، فرصة لتحريك ملف المصالحة، والأهم أنه كان فرصة لتوحيد جهود القوى الفلسطينية لمواجهة الاحتلال عبر مشروع وطني يمثل الحد الأدنى من التوافق، ولكن توجه عباس إلى المفاوضات مجددا سينهي هذه الفرصة تماما.

يقول متحدثو فتح بأن لا تناقض بين المفاوضات أو العلاقة الأمنية مع الاحتلال وبين المصالحة، ولكن الواقع والتاريخ القريب يؤكد عكس ذلك. فالمفاوضات مع الاحتلال تفرض على عباس و"القيادة الفلسطينية" التزامات دولية، أهمها إدانة المقاومة ومنع التقارب مع حركة حماس تحديدا، وهو ما يعني ضرب أي فرصة للمصالحة.

المفاوضات مع الاحتلال تفرض على عباس و"القيادة الفلسطينية" التزامات دولية، أهمها إدانة المقاومة ومنع التقارب مع حركة حماس تحديدا، وهو ما يعني ضرب أي فرصة للمصالحة

الخطيئة الثانية: يظهر القرار الكارثي للسلطة مفارقة بائسة عن أداء هذه السلطة، فهي تعود للتنسيق الأمني مقابل حصولها على مجرد "ورقة" تعهدات من مسؤول أمني، ولكنها تتشدد وتضع شروطا لا حدود لها للمصالحة مع شركاء الوطن، ما جعل مفاوضات المصالحة تتدحرج لأكثر من 14 عاما دون نتيجة، بينما لم تحتمل السلطة سوى أشهر للنزول عن شجرتها والعودة للتنسيق الأمني.

الرسالة التي ستصل للاحتلال ولواشنطن هي أن هذه السلطة لا تستطيع المضي بعيدا في الرفض للإملاءات، وأن شروطها للعودة للعلاقة الأمنية والسياسية مع الاحتلال تتبخر بمجرد وقوعها في أزمة مالية، وهو ما سيفرغ أي محاولة منها، مستقبلا، لرفض الإملاءات وفرض الأمر الواقع من قبل الاحتلال من مضمونها.

الخطيئة الثالثة: سيعطي قرارُ السلطة المبررَ للدول العربية التي تهرول للتطبيع بدون ثمن، وستستفيد هذه الدول من قرار السلطة لتسويغ تطبيعها. صحيح أن الدول العربية المطبعة اتخذت قرارها بمعزل عن السلطة وسياساتها، وبمعزل عن القضية الفلسطينية برمتها، ولكنها ستستخدم قرار السلطة لتبرير خطواتها أمام الشعوب العربية.

سيعطي قرارُ السلطة المبررَ للدول العربية التي تهرول للتطبيع بدون ثمن، وستستفيد هذه الدول من قرار السلطة لتسويغ تطبيعها

الخطيئة الرابعة: سيمنح القرار الذي اتخذته السلطة دعاية الدول المطبعة وجيوش ذبابها الإلكتروني الفرصة لتأكيد روايتها المهينة للشعب الفلسطيني، وسيصبح من السهل على هذه الدول وإعلامها ترويج الرواية القائلة إن الفلسطينيين أنفسهم "باعوا القضية"، على الرغم من أن هذه السلطة لا تمثل ضمير ولا قرار الشعب الفلسطيني ولا نضالاته التي لم تتوقف.

الخطيئة الخامسة: يظهر قرار السلطة ضعف "خيالها" السياسي، وقدرتها على المناورة، حتى ضمن المنطق الذي تعمل به وتسميه "النضال السياسي". لا يمكن لمبتدئ بالسياسة أن لا يدرك سوء التوقيت لهذا القرار، فإذا أرادت السلطة أن تستفيد سياسيا فمن المفترض أن تؤجل قرارها لحين استلام الرئيس الأمريكي المنتخب لسلطاته، حتى تقدم له "ثمنا" لإعادة العلاقات بين واشنطن والسلطة، وحتى تمكنه من امتلاك ورقة لممارسة بعض الضغط على الاحتلال، ولكنها بدلا من ذلك قدمت هذا الثمن للرئيس ترامب الذي أمعن بإهانتها وبالإضرار بالشعب الفلسطيني خلال سنوات حكمه.

هذا التوقيت الخاطئ دفع سياسيا أمريكيا معروفا بمواقفه الصهيونية هو "مارتن إنديك" للقول إن قرار السلطة أفرغ "سلة بايدن" من أوراق الضغط على نتنياهو!

الخطيئة السادسة: اتخذ قرار السلطة دون الحصول على أي ثمن سياسي، وجاء قبل أيام فقط من قرار الاحتلال بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس المحتلة، على الرغم من أن وقف السلطة للمفاوضات ابتداء جاء احتجاجا على استمرار الاستيطان في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما. سوف يؤكد القرار للاحتلال أن السلطة غير قادرة على الاستمرار بمقاومة الانتهاكات الاحتلالية مهما كانت.

اتخذ قرار السلطة دون الحصول على أي ثمن سياسي، وجاء قبل أيام فقط من قرار الاحتلال بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس المحتلة، على الرغم من أن وقف السلطة للمفاوضات ابتداء جاء احتجاجا على استمرار الاستيطان

الخطيئة السابعة: منح قرار السلطة الكارثي حكومة الوحدة بقيادة نتنياهو قبلة الحياة، ففي ظل تفكك وصراعات الحكومة بين الليكود وحزب أزرق أبيض تمت الاتصالات من جانب الاحتلال برعاية بيني غانتس وزير الحرب ورئيس "أزرق أبيض"، وهو الأمر الذي سيعطي فرصة جديدة لحكومة الاحتلال بالاستمرار، ولخدمة واحد من أكثر رؤساء حكومات الاحتلال تطرفا هو نتنياهو.

قرار السلطة بإعادة التنسيق الأمني هو كارثي بغض النظر عن توقيته وشكله، وهو استمرار لسلوك السلطة المشين بالعبث بالمشروع الوطني الفلسطيني وقتله، ولكن تفاصيله وتوقيته هذه المرة كان أسوأ بكثير، ومثل خطايا لا تقل كارثية عن أوسلو نفسه!

#السلطة #التنسيق