شبكة قدس الإخبارية

تحقيق صحفي "لوطن": غياب للمعايير في التحويلات الطبية وهدرٌ المال العام

الضفة المحتلة - قُدس الإخبارية: كشف تحقيق صحفي أجرته "وكالة وطن"، عن "غياب للمعايير" في التحويلات الطبية وما يتعلق بها، مما أدى إلى هدر مبالغ كبيرة من المال العام.

وجاء في التحقيق نقلاً عن رئيس اتحاد المستشفيات والمراكز الطبية الأهلية، نظام نجيب أن ديون المستشفيات الخاصة والأهلية على الحكومة، تجاوزت 800 مليون شيقل، مع نهاية شهر أغسطس/ آب من العام الحالي.

وأشار نجيب إلى اتفاق مع وزارة المالية، ينص على توريد 31 مليون شيقل شهرياً للمستشفيات الخاصة والأهلية، لكن الحكومة لم تلتزم بذلك وقلصت الدفعات بشكل لا يغطي التكلفة التشغيلية لهذه المستشفيات، كما قال.

وأضاف: "هناك اتفاقيات بخصومات وأسعار مجحفة تعقد مع كل مستشفى على حدة، وفي حال لم يوافق، توقف عنه التحويلات الطبية وتحول إلى أخرى، في السابق كان هناك محاباة لبعض المستشفيات، ومنها مستشفى في شمال الضفة كان يحصل على حصة الأسد من التحويلات الطبية، ويتمتع باتفاقية تفضيلية مع وزارة الصحة، لكن الآن جميع المشافي في دائرة الخطر وتعاني من ضائقة مالية".

وأكد أن "بعض المستشفيات كانت قادرة على زيادة عدد أسرّة العناية المكثفة، واستيراد أجهزة التنفس الاصطناعي، ولكنه استثمار مكلف ولا جدوى منه في ظل عدم تسديد وزارة الصحة للديون المتراكمة عليها".

كما كشف مدير مستشفى خاص في رام الله، "رفض الكشف عن اسمه خوفاً من حرمان مشفاه من التحويلات الطبية": "منذ أن افتتحنا المستشفى واجهنا صعوبات كبيرة في قبول وزارة الصحة تحويل المرضى إلينا، وكنا نفاجأ بأن بعض المشافي في نابلس أو القدس تأخذ تحويلات طبية لمرضى من سكان رام الله، والأجدر والأسهل تحوليهم إلينا، أي في نفس مكان إقامة المرضى".

وقال: "بذلنا جهودًا كبيرةً كي تقبل وزارة الصحة، وبعد تدخلات واتصالات كثيرة من أطراف مختلفة، بتحويل المرضى إلينا".

وأكد أنه "لا معايير واضحة في توزيع حصص التحويلات الطبية على المستشفيات الخاصة"، حسب قوله.

من جانبه، قال ديوان الرقابة المالية والإدارية، إن "وزارة الصحة غير قادرة حتى اليوم على تطبيق مبدأ توطين الخدمة الصحية، بسبب عدم صدور سياسات توضح الرؤية المستقبلية أو توافر الامكانيات".

وأشار إلى أنه "لا يوجد تنظيم للملفات بطريقة واضحة تثبت بأن هذه التحويلة قانونية وسليمة الإجراءات، وتوضح أسباب التحويل في المرفقات، وهناك ضعف في إجراءات الضبط الداخلي، في متابعة الاجراءات التي تسبق إصدار التحويلات، وذلك من حيث نقص بعض المعززات اللازمة في ملف التحويلات".

وأوضح أنه "لا توجد دائرة لمتابعة مرضى التحويلات، للتحقق من مدى كفاية ومناسبة إجراءات تلقي المريض للخدمة الطبية وبالجودة المطلوبة، خاصة في مستشفيات الأراضي المحتلة عام 48، وفي المستشفيات الخاصة".

وقال: "وزارة الصحة تصدر تحويلات لمستشفيات غير سارية الترخيص لديها".

وأوضح أن عدد التحويلات الصادرة من دائرة شراء الخدمة مباشرة، بلغ35 ألف تحويلة من إجمالي التحويلات الطبية البالغ عددها 109 ألف تحويلة، في 2018.

وفي 2019 بلغ العدد الكلي لتحويلات شراء الخدمة من خارج مرافق وزارة الصحة 104.881 تحويلة ، وبلغت التكلفة الإجمالية التقديرية لجميع التحويلات 924.084.880 شيقل ، بانخفاض مقداره 4.5% عن 2018.

واستبعد أن "يكون هناك متنفذون داخل نظام التحويلات الطبية، يتحكمون في توزيع التحويلات وتفاصيلها، فلا يوجد منافع للمستشفيات الخاصة في عملية التحويل الداخلي"، حسب وصفه.

وفي المقابل، "لا يوجد سياسة واضحة لدى دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة، يتم الاستناد عليها في تحديد أسعار الخدمات الطبية، حيث تبين وجود تباين في أسعار الخدمات الطبية التي يقدمها مزودو نفس الخدمة، ومغالاة بعض المستشفيات في الأسعار المقدمة من قبلها".

وفي سياق متصل، قال الديوان إن التكلفة المالية للتحويلات الطبية "يشوبه بعض الغموض".

وأضاف: "هناك مشاكل في احتساب التكلفة، لوجود تفاوت في الأرقام الصادرة عن الإدارة العامة لشراء الخدمة، والإدارة العامة للشؤون المالية في وزارة الصحة، بسبب النظام المالي المعمول به في الوزارة، وهو بحاجة لإعادة تدقيق".

وتشير البيانات، وفقاً للتحقيق، إلى ارتفاع تكلفة فاتورة العلاج في المستشفيات الإسرائيلية، حيث بلغت قيمة اقتطاع الأموال الفعلية من المقاصة لمصلحة هذه الفاتورة حوالي 817 مليون شيقل في 2016.

ووصلت في العام الذي يليه إلى 849 مليون شيقل، فيما وصلت لمليار شيقل في 2018، وفي 2019 وحتى حزيران العام 2020 وصلت الى نحو 648 مليون شيقل.

وكشف الديوان أنه يسجل بشكل دوري تحفظات على اقتطاعات تحويلات مستشفيات الاحتلال، بسبب عدم تطابق الأرقام مع بيانات وزارة الصحة، بسبب إدراج اقتطاعات دون أساس من قبل هذه المستشفيات، ومنها حوادث السير واصابات العمل.

وأشار التحقيق إلى أن هيئة مكافحة الفساد نفذت مؤخراً، بالتعاون مع وزارة الصحة والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، دراسة تشخيصية لأهم مخاطر الفساد التي قد تتعرض لها دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة.

وحسب الدراسة فإن أهم مخاطر الفساد التي قد تحصل في دائرة شراء الخدمة، تشمل: تقييم الطبيب المختص في المستشفيات الحكومية للحالة المرضية في المراحل الأولى، مروراً باعتماد رئيس القسم الطبي، وانتهاء بتصديق مدير المستشفى، ثم توصية اللجنة الطبية الفرعية المعينة للنظر بالحالات غير الطارئة ، أما الحالات الطارئة فإن دائرة شراء الخدمة تتخذ القرارات السريعة بشأنها.

وطالبت الهيئة بالمزيد من "سياسة الإفصاح عن البيانات الخاصة بشراء الخدمة دون المساس، بالبيانات الشخصية للمرضى والمراجعين ، وبناء قاعدة معلومات محوسبة وواضحة بخصوص معايير شراء الخدمات الطبية، سواء بمعيّرة المستشفيات التي تتعامل معها الوزارة أو بالمزيد من التحديد للحالات التي يتم تحويلها إلى مستشفيات خارجية".

وأشارت إلى أهمية "استخدام نظام التصنيف الخماسي للحالات المرضية والطارئة بدل الثلاثي المستخدم حالياً، لأن ذلك يحد من الانفرادية باتخاذ القرارات في المراحل الأولى، من التوصية بتحويل المريض من قبل الطبيب المختص، إضافة الى أهمية التدوير الوظيفي في هذا القطاع، وتعزيز دائرة الرقابة الداخلية ونشر تقاريرها".

من جانبه اعتبر مدير عام دائرة شراء الخدمة في وزارة الصحة، هيثم الهدري، أن "التدقيق على عملية شراء خدمة التحويلات الطبية، تحسنت منذ أن استلم مهام منصبه منتصف 2019، مقارنة بالسنوات الماضية".

وأشار إلى أنه تم تشكيل لجان مسؤولة عن التحويلات الطبية، حيث يتم التدقيق في كل تحويلة ؛ أولًا من قبل لجان المتابعة على المريض في المشافي، ومن ثم تدقق الفاتورة ماليًا وطبيًا في داخل الدائرة.

وقال: "هذا يعني إذا كان لدينا نحو (109) ألف تحويلة في 2018، فتم تدقيقها كاملة ، كذلك تم تدقيق ملف التحويلات الطبية لعام 2019".

وأضاف: "هناك فوارق كبيرة جدًا بين الأرقام التي تبعث من المستشفيات، والبيانات التي خلصت لها لجان التدقيق المحلية، سواء كانت الطبية أو المالية، والمستشفيات الأهلية والخاصة، لم تعهد مثل هذه الخصومات سابقاً، لأنه وببساطة، لم تكن ملفات التحويلات تخضع للتدقيق كما هو معمول به حالياً".

وحول المعايير المتبعة لتحويل المرضى إلى مستشفيات بعينها، أوضح أن "ما يحدد عدد التحويلات لمشافي بعينها، هو توفر شيء مميز، أو جهاز متطور في مستشفى معين، دون غيره".

وتابع: "طلبنا من جميع المستشفيات من أجل توطين الخدمة، إبلاغنا بأي خدمة نوعية تتوفر لديهم من أجل توجيه الحالات المرضية إليها، ومستشفيات القدس لها أولوية تحويل المرضى والنقود، ومن ثم المشافي الوطنية الأخرى".

وحول استمرار تحويل المرضى لمستشفيات الاحتلال، قال: "قرار الرئيس ببناء منظومة صحية فلسطينية، ووقف التحويلات لإسرائيل واضح، ولكنه يأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على حياة المرضى، وعندما اتُخذ القرار كان هناك مرضى يتلقون العلاج في مستشفات الاحتلال، فلا نستطيع وقف الدخول إليها بشكل قطعي".

كما أشار التحقيق إلى دراسة صادرة عن ائتلاف (أمان) تحت عنوان "النزاهة والشفافية في التحويلات الطبية خارج مؤسسات وزارة الصحة"، أكدت فيها أن الإجراءات التي نفذتها وزارة الصحة للحد من ظاهرة الواسطة والمحسوبية وترشيد الإنفاق ووقف هدر المال العام "شابها العديد من أوجه النقص".

وأوضحت أن الوزارة، شكلت ثلاثة مراكز جديدة للتحويلات الطبية في نابلس والخليل ورام الله، لتقرير مكان العلاج المناسب لتلقي الخدمة، وألغت ما كان يعرف بالمندوبين التابعين للوزارات والأجهزة الأمنية المختلفة (الوسطاء)، الذين كان لهم دور كبير في تجاوز الإجراءات، وتحويل حالات لا تستحق الخدمة، مع توافر عدة مؤشرات، بأن البعض منهم قد استخدم ذلك للحصول على عمولات.

واعتبرت أن "تلك الإجراءات لا تحل المشكلة، بل تُفاقمها وتثير التساؤل حول جدوى طريقة تقديم الخدمة، نتيجة الضغوط التي قد يتعرض لها الأطباء في تلك المراكز، من قبل متنفذين أو مسؤولين للحصول على تحويلات".

وأضافت: "كلما توجهت للمحلية كلما زادت الواسطة، وكلما كان الطبيب غير متفرغ للعمل في المستشفيات الحكومية كلما كان تضارب المصالح أكبر، ولا تقتصر على التكلفة أو الإجراءات المتبعة وصولًا إلى التحويل ، بل تمتد إلى الإحراجات والتدخلات من قبل متنفذين ، من أجل إما أن يتم التحويل لدول أو مستشفيات معينة، أو للحصول على تحويلات قد لا تكون مبررة".

وأشارت الدارسة إلى "التدخلات من قبل مسؤولين كبار في السلطة ، ممن يستخدمون نفوذهم عبر الضغط على دائرة شراء الخدمة، أو عن طريق الاتصال بالوزير، بهدف الحصول على تحويلة لإسرائيل، أو للخارج ، أو لمشفى خاص معين ، على حساب أناس آخرين يستحقون التحويل".