شبكة قدس الإخبارية

"كي الوعي".. لماذا استخدم الاحتلال عتاده الثقيل في عدوانه على الانتفاضة؟

أحمد العاروري

فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: رغم ضعف الإمكانيات المادية الفلسطينية، دفع جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه مع المقاومة في الانتفاضة الثانية، بمعظم ترسانته العسكرية من الدبابات والطائرات الحربية "بمختلف أنواعها" والجرافات الضخمة "D9"، وغيرها، طامحاً لتحقيق تفوق نفسي وكسر "إرادة الخصم"، كما يسميه، و"كي وعي" المجتمع الفلسطيني وإبعاده عن تأييد ودعم المقاومين، لكن الانتفاضة صمدت وتواصلت لسنوات.

الإرادة الفلسطينية هزمت الدبابة

يرى الخبير في الشؤون العسكرية، واصف عريقات أن "جيش الاحتلال عندما استخدم هذه الاليات العسكرية الضخمة، وخاصة الميركافا، كان لديه حسابات أن ظروف الفلسطيني في تلك المرحلة، كان تختلف عن سابقاتها، فهو يرى أن لدى الفلسطينيين أسلحة وشباب مدربين وفدائيين مجربين".

وأضاف: "كانت تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية أن الانتفاضة الثانية لن تكون كالأولى، وحضروا لديهم مسبقاً منذ عام 1999، حيث كانت لديهم نية مبيتة لعدم تنفيذ الاتفاقيات الموقعة، وبالتالي دفع القيادة الفلسطينية للمواجهة، ووضعوا سيناريوهات أن المواجهة ستكون مسلحة وعسكرية، والتقديرات التي وضعوا بناء عليها خططهم العسكرية، أن لدى الفلسطينيين جيشاً مدرباً ويملك إمكانيات للمواجهة".

وقال: "عندما تواجه دبابة الميركافا مقاوماً فلسطينياً صاحب إرادة، فإنها تتحول لركام، وقد حصلت عمليات تدمير لهذه الدبابات في الضفة وقطاع غزة".

وأشار إلى أن "جيش الاحتلال استخدم الدبابات في اجتياحاته للبنان، والمواجهات التي خاضها مع المقاومة الفلسطينية حينها، لأن الجندي الإسرائيلي جبان وبحاجة لحماية دائماً، ودون كل هذه الإمكانيات لا يمكن أن يتقدم في ميدان المواجهة".

وتابع: "الخسارة البشرية تشكل عقدة نفسية لدى إسرائيل، ويشكل خطراً استراتيجياً عليهم، لذلك يحاولوا قدر الإمكان أن ينفذ جنودهم جرائمهم وأن يعودوا دون أن يصابوا بأذى".

وحول أثر استخدام جرافات "D9" من قبل جيش الاحتلال في معركة جنين، أوضح عريقات: "الجرافات كانت تشكل حماية لجنود الاحتلال وتشكل درعاً واقياً لهم، وتزيل أي عائق أمامهم، بالإضافة لتأثيرها النفسي على المدافعين عن المخيم، لكن عناصر حسم المعارك متعددة لكن كلها فشلت أمام إرادة المقاتل الفلسطيني، في المخيم، وتمكن من قتل قائد وحدة المظليين وهي من أهم التشكيلات العسكرية لدى إسرائيل، بالإضافة لعدد من الجنود".

"كي الوعي"

من جانبه، يقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية ضياء الحروب إن "كان هناك توجه قديم جديد داخل المؤسسة الصهيونية لحسم القضايا بالوسائل العسكرية، واستخدام الدبابات والقوة الهائلة، كانت ضمن خطة حقل الأشواك، التي أقرها باراك قبل توجهه إلى المفاوضات في كامب ديفيد، التي كان يتصور أنها ستفشل لذلك يجب التوجه للقوة العسكرية".

وأضاف: "علماً أن الاحتلال يعلم تماماً حجم قوة المقاومة الفلسطينية والسلاح، في حينها، والتي لم تتجاوز منطق حرب العصابات والتي لا تحتاج في المنطق العسكري لاليات ثقيلة لمواجتها، لكن في اجتياح 2002 وما قبله، كان له علاقة بسياسة كي الوعي التي تحدث عنها رئيس الأركان في حينها موشي يعلون، التي تهدف للضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية".

وتابع: "المواجهات كانت عبارة عن حرب مدن، لذلك كان قرار القضاء على الانتفاضة، من خلال الضغط على الحاضنة الشعبية، وإدخال الدبابات إلى داخل المدن وتدمير البيوت، بالإضافة إلى أنها كانت رسالة سياسية للسلطة، أنه إذا رفضت العودة للمفاوضات، فإن هذا ما سيواجه المشروع الذي قدمت على أساسه إلى البلد".

وأشار إلى أن "دبابة الميركافا مصدر اعتزاز لدى دولة الاحتلال، ويحملون عليها صفات قداسة وهالة أسطورية، كما أن هناك بعداً اقتصاديا حيث تم تسويقها من خلال تصويرها أثناء الاجتياحات بهدف بيعها لعدة دول في العالم".

ذاكرة جريحة

تروي الزميلة الصحفية رشا حرز الله، التي عاشت عدة اجتياحات على البلدة القديمة في نابلس حيث تسكن أن المرة الأولى التي رأت فيها الدبابة كانت بعد اجتياح 2002، ولم تكن لها الرهبة التي رأتها فيها لاحقاً، حيث كانت مشغولة بتفحص هذه الالة الضخمة التي أتى بها الاحتلال للتدمير والقتل".

وتعود بذاكرتها إلى المجزرة التي نفذتها هذه الدبابة بحق عائلة الشعبي في البلدة القديمة بنابلس، وتقول: "جاءت الدبابات والجرافات بعد أن عجزت عن المرور بين أزقة البلدة القديمة، كي تشق طريقاً فوق منزل العائلة الواقع في حارة القريون، ثم دمرته وتركت أفراد العائلة تحت الركام".

وعن أحد أقسى لحظات الاجتياح، تروي رشا: "في 2004 اقتحم جيش الاحتلال البلدة القديمة، بحثاً عن أحد المقاومين وكان لمنزلنا نصيب من المداهمات، حيث احتجزنا الجنود في غرفة منذ ساعات الصباح الباكر حتى الظهر، وبعد أن انسحبوا ألقيت نظرة من النافذة، حينها دوى انفجار كبير داخل المنزل، كان الصوت ضخماً ومرعباً، كان ذلك بسبب تفخيخ الجنود لمنزل جيراننا الملاصق لبيتنا، فتدمر الطابق الثاني منه بشكل كامل".

وحول الآثار النفسية التي تتركها الاجتياحات على الإنسان، توضح: "دائماً كنت أقاوم الخوف من جنود الاحتلال وأنجح في ذلك، لكن شقيقتي إلى الآن تعاني من آثار الاقتحامات المتكررة لمنزلنا، والقصف والمجازر التي شاهدناها خلال الاجتياحات".

وتضيف: "جيش الاحتلال دائماً يتعمد إثارة الرعب لدى الناس، حتى وهو يقتحم منزلاً يسكنه مدنيون عزل، يلجأ جنوده للصراخ والضرب وتوجيه الشتائم للأهالي، وفي الانتفاضة كان هناك ما يشفي صدور الناس حيث أن الانتفاضة كانت قوية، أما الان يتم اقتحام المنازل وانتهاك كل حقوقنا دون أي رد".

يُشار إلى أن دبابات "الميركافا" تعرضت للتدمير في أكثر من عملية للمقاومة بقطاع غزة، وخلال الحرب على لبنان في 2006، مما خلق انتقادات واسعة لجيش الاحتلال، الذي كان يعتبر هذه الدبابات معجزة عسكرية.