شبكة قدس الإخبارية

القيادة الموحدة.. هل تشكل بادرة أمل لإنعاش المقاومة في الضفة؟

أحمد العاروري

فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: انطوى إعلان الفصائل الفلسطينية عن تشكيل "القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية"، على أسئلة حول مستقبل هذا الإطار، ومدى قدرته على إطلاق مقاومة جادة وفاعلة، خاصة في الضفة الغربية المحتلة، بعد سنوات من تراجع العمل المقاوم فيها، بفعل عوامل سياسية، وأمنية، واجتماعية.

وكانت "القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية" أعلنت مطلع الأسبوع الحالي، عن بيانها الأول الذي تضمن فعاليات مختلفة، ودعوات لأيام غضب شعبي.

يرى الباحث عبد الجواد حمايل، أن "أهم ما في بيان القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية، هو برنامج الفعاليات التي تتمحور أساسا حول "الفعل السلبي"، أو ما نستطيع قولبته بالفعل الذي لا يتطلب من القائمين عليه، سوى أدائية الفعل دون فحواه، فهو بالغالب يُحيل لرمزية الرفض، دون إعطاء هذا الرفض أدوات أو أسنان".

ويتابع: "بالتالي لا أرى افق حقيقي لهذا النمط من الفعل، فهو لا يقنع دولة عربية بالعدول عن تطبيعها، ولا يعيد الثقة الاجتماعية ببنية السلطة التي امتهنت التواطؤ مع المحتل، ولكن هناك دوماً فُسحة من الأمل حتى في الأمور المفرغة من الفحوى".

 وحول كيف يمكن استعادة ثقة الشارع الفلسطيني، يقول حمايل: "القيادة محصورة في مكتسبات ضيقة أضعفت من علاقتها بالمجتمع الفلسطيني، بل كانت هبة 2015 رفضاً سياسياً لتوجهات تلك القيادة الاقتصادية والسياسية، وبالتالي نحن نتحدث عما هو أكثر من هوة بين المجتمع والنخبة الحاكمة في فلسطين".

ويضيف: "استعادة ثقة يعني أن تُعيد تلك النخبة سؤال المواجهة للواجهة، وأن تكف عن الاحتماء وراء فزاعات الفوضى والفلتان في تسويغ حكمها ومكتسباتها الاقتصادية والاجتماعية".

وعودة لبيان "القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية"، يرى أن هناك "نوستالجيا" للانتفاضة الأولى ومُحاكاة لها في صيغة البيان ولغته، بل حتى في التوقيع عليه، هذا يُدلل على أمرين، أولاً: محاولة البيان مداعبة اللحظة السياسية في الثمانينات وهي لحظة المواجهة الشعبية التي تمحورت حول استراتيجية عدم التعاون مع المستعِمر، والتي لا تصلح للزمان والمكان الحاليين، وثانياً: أنه بيان يبقى حبيس المجاز التاريخي دون آليات حقيقة ترفق معه، لإنشاء مجتمع قابل للصمود وغير مرتكز على "الاستغلال الاقتصادي"، بل يبنى حالة من الصمود الإيجابي تتضمن توجهاً نحو الاكتفاء الذاتي في الطعام، ودعم المشاريع الزراعية، وخلق آفاق اقتصادية واجتماعية لتغيير شامل يطال دور وبنية وموقع السلطة الفلسطينية الحالي: "كمقاول أمنى وحامي لمصالح الطبقة الرأسمالية الفلسطينية".

 وحول التغييرات التي أصابت المجتمع الفلسطيني، منذ الانتفاضة الأولى حتى الان، يوضح حمايل: "العديد من الأمور أهمها تضخم السوق، والاستقطاب الطبقي المترافق مع البنية الأمنية التي تمنع صعود المقاومة، ولكن أيضا التاريخ ووطأته على الذات الفلسطينية الثائرة، أي الشعور بأفول المشاريع السياسية السابقة والهزيمة يلاحق كل منا يحاول الدعوة والحث على الانتفاض.

  ويتابع: "تلعب الذاكرة كما النوستالجيا دوراً في الحاضر، فهي استحضار للتاريخ كممارسة أو مقولة في الحاضر، لهذا التاريخ أو كيف نقرأه وكيف نتصوره وكيف نستحضره، يلعب دوراً في بناء إمكانيات الفعل في الحاضر".

وأضاف: "بهذا المعنى، الحاضر أيضا لا يسمح بإعادة انتاج التاريخ دون أن يضفي عليه لمسته، اليوم ما نستطيع تقديمه وما يُمكن تحقيقه هو إعادة التفكير في المناطق، التي تخضع لسيطرة فلسطينية جزئية كمناطق أو بؤر صمود اجتماعي واقتصادي، تطلب إعادة التفكير كيف توزع الثروة، وما هي السبل الأفضل لاستخدام توظيف الأرض، وكيف نبني السبل لما يمكن تسميته تضامن اجتماعي داخلي مبنى على قاعدة اقتصادية، هذا يتطلب التفكير باستراتيجية صمود إيجابي أي إنه صمود فاعل لا يُبنى على التعاون مع العدو، بل على منطق المواجهة الاقتصادية والاجتماعية".

 وحول الاتفاق الحالي بين الفصائل والسلطة، يقول: التنظيمات كافة تُعاني من أزماتها الخاصة والعامة، بما فيها أزمة التنظيم نفسه، وبالتالي لا أرى على أهمية الاتفاق والتوافق، أن هذا التوافق يعبر عن توجه سياسي وحدوي حقيقي، فالكل يريد "صورة" الوحدة دون التوحد السياسي الجاد.

 وهل يرى فرصة لخلق تيار جديد يتجاوز الجمود السياسي الحالي، يرى حمايل أن التيارات اللاحزبية عادة ما يكون دورها ثلاثي، دور ضميري في بعض الأحيان، ودور دافع تجاه تبني سياسة معينة، وأحيانا ما تكون تلك التيارات جسراً بين التنظيمات السياسية المختلفة، فقد تكون التيارات من داخل الأحزاب وعابرة لها. 

ويتابع: لا يمكن لتيار أن يقوم دون تنظيم، أي دون قدرة على التنظيم الذاتي والتعبئة والحشد، وصولاً إلى خلق الفعل حتى تلقى بيئة تحتضنها، ويتحول إلى قوة سياسية فعلية، وبالتالي هناك بواعث لإمكانية ظهور ما هو خارج المألوف: صراع جيلي ما بين القديم والجديد، وتغيرات كبرى في العالم العربي، واستقطابات اجتماعية وطبقية لا تعير الأحزاب لها أهمية كبرى، ولكن يبقى الحديث عن تيار وطني مختلف هو مجرد حديث، ان لم يتخذ من يرى في ضرورته حس المبادرة الفاعلة، في صياغة رؤية سياسية واجتماعية واقتصادية تستقطب المجتمع الفلسطيني.

فيما قال الباحث والكاتب ساري عرابي: "مبدأياً بالنظر لسلوك السلطة الفلسطينية منذ ظهور هذه التحديات، تحديداً منذ اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وما لحقها من خطوات نفذتها إدارة ترامب، فإن تهديداتها لم تخرج إلى الواقع".

وتابع: "نحن نرى خطوة هي إعلان قيادة موحدة للمقاومة الشعبية، لكن الخشية بالنظر لسلوك السلطة خلال السنوات الأخير، أن تكون تشتري الوقت وتعبي الفراغ حتى الانتخابات الأمريكية القادمة، والقراءة السياسية للاستراتيجية التي تتبعها السلطة، هي أنها دائماً ما تراهن على تغيير الولايات المتحدة".

ويتابع: "خطابات الرئيس في اجتماع الأمناء العامين وما قبله، تشير إلى أنه يصر على نفس المسار السياسي الذي اتخذه منذ سنوات، ولا يرى في اتفاق أوسلو خطيئة، لذلك من الصعوبة توقع وجود مسار جديد في الوقت الراهن، لكن هذه الخطوة أولية نحو السير لمقاومة شعبية متدرجة مع الاحتلال، في هذه الحال يمكن أن نقول عنها خطوة إيجابية وجيدة".

وحول هل توجد تيارات داخل فتح يمكن أن تخلق واقعاً جديداً في العمل السياسي، يرى عرابي أنه "في المؤتمرين الأخيرين للحركة، جرى تطبيع للحركة وتوحيد فكرها، وتحويلها لحزب سلطة، وهو ما أضعف الكادر الفتحاوي الذي كان على تماس مع المقاومة الشعبية وغيرها، وخاض الانتفاضات السابقة، وقد رأينا في إضراب الأسرى الأخير، كيف أفشله تيار متنفذ في السلطة، ولم ينجح تيار مروان البرغوثي".

وأضاف: "لكن ليس فقط حركة فتح بل كل الفصائل تحتاج لإعادة بناء، لذلك فإن أي انطلاقة جدية لمقاومة شعبية متدرجة هي فرصة للبناء".

وأوضح عرابي أن "سياسات السلطة هي التي حطمت الحركة الطلابية، والعمل العام، لذلك فإن إعادة الثقة للشارع الفلسطيني يتطلب من السلطة وفتح، إعادة النظر في سياساتها التي أدت لإضعاف الجماهير، لذلك أظن فإن التغيير في هذه السياسات المتعددة، يمكن إعادة الثقة للجماهير".

وحول إمكانية إعادة استنساخ تجربة الانتفاضة الأولى، يرى عرابي: أن الظرف الحالي لا يسمح بإعادة الانتفاضة الأولى، التي كان لها ظروفها التي سمحت بحشد كل شرائح المجتمع الفلسطيني، وعدم وجود حاجز محلي يحجز الناس عن الاحتلال، لذلك كان هناك معنى للإضراب والعصيان المدني، لذلك فإن المقاومة الشعبية بحاجة لإبداع في الأفكار، تتناسب مع الظرف الراهن، مثل الزحف على الحواجز فإنه بحاجة لإعادة نظر، لأن الاحتلال يستنزف الجماهير عليها".

ويتابع: "الأمن الإسرائيلي يترصد بشكل كبير لأي محاولة من الفصائل لعودة العمل في الضفة، لذلك هو غير معني بأي اتفاق بين الفصائل والسلطة، مجرد قدر محدود بين السلطة وحماس مزعج للاحتلال، لذلك يتربص للكادر الفصائلي، الذي استهلك واستنزف كثيراً في المرحلة الماضية، لذلك فالقضية بحاجة لوقت".

وأضاف عرابي: "الهبة التي شهدناها في 2014 و2015 كانت عفوية وغير مؤطرة لكنها لم تستطع الاستمرار، وفي نفس الوقت لم تنقطع عن التعبئة الوطنية، وكانت في نفس الوقت متأثرة بحرب غزة، لذلك فإن الفصائل إذا لم تلتقط الفرصة وتقوي العمل الوطني والتعبئة فإن الهبات لن تتمكن من الاستمرار".