شبكة قدس الإخبارية

"الخبير النفسي" ... أسلوبٌ احتلاليّ جديد لملاحقة الفلسطينيين

thumbs_b_c_398ed93d28abf2c2bd12712bb0a516e0

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: تنتهج سلطات الاحتلال العديد من الطرق لملاحقة الفلسطينيين وقمعهم وزجهم في سجونها، فمنذ احتلال فلسطين حتى يومنا هذا تُطور من أدواتها لفرض مزيد من السيطرة والتضييق بحق الفلسطينيين.

رصدت مؤسسة الضمير منذ شهر نيسان الماضي أسلوباً جديداً تتبعه سلطات الاحتلال في إطار ملاحقتها للفلسطينيين للكشف عن منفذي العمليات العسكرية بحسب ما تدعيه، وهذا الأسلوب يتمثل في اعتقال الشخص، واستدعاء "خبير نفسي" لمقابلته، وطرح عدّة أسئلة عليه تتعلق بعمليات عسكرية تدّعي سلطات الاحتلال أنها نُفذت في فترات سابقة. 

هذه المقابلة يسبقها اقتحام لمنازل المعتقلين في منتصف الليل وتفتيشها وتخريب محتوياتها، ومن ثم اعتقال الشخص ونقله إلى حاجز عسكري لمقابلة "الخبير النفسي". 

المؤسسة قالت في بيانها إن أسلوب اقتحام المنزل والاعتقال الهمجي يوحي للشخص أنه معتقل بهدف التحقيق والسجن، بهدف ترهيبه، على الرغم من أنه يخضع للأسئلة المحددة في غرفة على الحاجز العسكري ثم يجري الإفراج عنه مساء اليوم ذاته.

وثقت مؤسسة الضمير عدّة حالات لأشخاص جرى اعتقالهم فجراً وخضعوا للاختبار بواسطة "الخبير النفسي"، وهذه الحالات تم اعتقالها منتصف الليل، وبعضهم أثناء فترة منع الحركة الذي فرضته الحكومة الفلسطينية في إطار منع انتشار فيروس كورونا. وخضع معظم الأشخاص لذات الاختبار من ناحية طبيعة الأسئلة ومضمونها، بالإضافة إلى أن معظمهم جرى إخضاعهم للاختبار على حاجز قلنديا العسكري شمال القدس.

حالات لمعتقلين خضعوا للاختبار بواسطة "الخبير النفسي"

يفيد الأشخاص الذين جرى اعتقالهم لمقابلة "الخبير النفسي" أن هذا الشخص الذي يعرف عن نفسه "بالخبير" ويدعي أنه دكتور في علم النفس، يقوم بإخضاعهم لاختبار يتضمن عدّة أسئلة[1] يجب أن يجيبوا عليها، وقبلها يكون المحقق قد هدّد المعتقلين أنه في حال تبين أن المعتقل كاذب في أجوبته، سيتم تحويله للتحقيق في مراكز التحقيق، وفي حال تبين أنه صادق، سيتم إطلاق سراحه. وتعرض هؤلاء المعتقلون لذات الإجراءات وخضعوا لذات الاختبار الذي يتضمن ذات الأسئلة وأُطلق سراح جميعهم بعد إنهاء الاختبار.

أفاد معظم المعتقلين الذين وثقت معهم مؤسسة الضمير أن الأسئلة التي يتم طرحها بها خيارات متعددة، بالإضافة إلى عرض صور وخرائط وأسئلة حولها.

أفاد المعتقل (ع. ح) أنه جرى اعتقاله يوم 13/4/2020 بعد اقتحام منزله ما يقارب الساعة 5:00 فجرًا، قام الجنود بمصادرة جهاز الحاسوب والهاتف المحمول واقتياده مقيّداً إلى “بيت إيل” حيث خضع لفحص طبي. ثم نُقل لمكان آخر عَلِم بعد إطلاق سراحه أنه حاجز قلنديا العسكري، حيث أُخضِع لاختبار من قبل "الخبير النفسي" الذي وجه له أسئلة تتعلق بتواريخ معينة يدّعي بأنه تم فيها تنفيذ عمليات عسكرية، حيث خضع لما يقارب الـ30 سؤالًا، وبعد إنهائها، أبلغه المحقق الذي كان متواجداً أنه سيتم إطلاق سراحه وهذا ما حدث فعلاً وأُفرج عنه مساءً.

أما المعتقل (ث. ب)، أفاد بأنه جرى اعتقاله بتاريخ 6/7/2020 بعد أن اقتحم ما يقارب 30 جندياً من جيش الاحتلال منزله الساعة 4:00 فجراً، وقاموا بتفتيش المنزل ثم نقله مقيداً إلى “بيت إيل”، حيث مكث في العراء حتى ساعات الصباح إلى أن تم نقله إلى حاجز قلنديا.

أعلمه المحقق أنه سيخضع لاختبار يتضمن عدّة أسئلة في حال كان صادقاً سيطلق سراحه، وإذا لم يكن سيتم تحويل ملفه إلى مركز تحقيق المسكوبية. 

حضر "الخبير النفسي" وبدأ بطرح الأسئلة التي تتعلق بعمليات إطلاق نار تدّعي سلطات الاحتلال أنها نُفذت في وقت سابق، استمر طرح الأسئلة عليه لما يقارب ساعتين ونصف وجرى إعادة الاختبار لمرتين إضافيتين. بعد انتهائه، حضر المحقق وأبلغه أنه سيتم إطلاق سراحه، وبعد ما يقارب ثلاث ساعات من الانتظار أُطلق سراحه.

أطلع المعتقل (ع. ش) مؤسسة الضمير على مجريات اعتقاله أيضًا، حيث أفاد أنه اعتُقل في أواخر شهر آب بعد اقتحام منزله الساعة 4:00 فجراً، وعُرض عليه الاختبار المذكور بعد نقله لحاجز قلنديا، إلا أنه رفض الإجابة على أيٍ من الأسئلة، وحينها قام المحقق بتهديده بأنه سيتم تحويله لمركز تحقيق المسكوبية في حال استمر بالرفض. أصرّ المعتقل على رفض الخضوع للاختبار وبعد ما يقارب الساعة تم إطلاق سراحه.

استخدام وسائل جديدة للكشف عن العمليات العسكرية

إن استمرار سلطات الاحتلال في التحايل على المعتقلين من خلال تطوير أساليب تحقيق مختلفة تسعى في مضمونها إلى ربط الشباب الفلسطيني بعمليات تدعي أنها نُفذت، يُظهر سياسة الاحتلال في نزع المعلومات من المعتقلين الفلسطينيين بطرق غير قانونية وبغير إرادتهم، سواء من خلال التحايل باختبارات وأسئلة غير مباشرة أو من خلال التعذيب وسوء المعاملة الذي تمارسه سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين لنزع الاعترافات وإدانتهم بوجه غير مشروع.

وفي محاولة للكشف عن سبب استخدام سلطات الاحتلال لهذه الاختبارات والأسئلة، وكيف تخدم هذه الاختبارات مساعي الاحتلال في الكشف عن العمليات المُدعى بها، أفادت رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية د.سماح جبر بأن هذا الأسلوب الجديد ما هو إلا فحص أمني بغطاء نفسي، تسعى سلطات الاحتلال من خلاله إلى إيهام المعتقل بأنه يتعرض لفحص نفسي، وفي الحقيقة فإنه يتعرض لفحص أمني ثمن التجاوب فيه الإفراج، ويخدم الهدف الأمني.

كما أفادت أن الاختبار النفسي يجب أن يجري وفق معايير معينة تبدأ بقبول الشخص على الخضوع للاختبار وليس إجباره، وفي هذه الحالة فإن المعتقل اختطف من منزله معتقلاً وأُرغم على الخضوع للاختبار. كما أنه في الاختبارات النفسية يجب أن يتم اطلاع الشخص على الهدف من وراء هذا الاختبار. 

وأكدت د.جبر أن المعتقل يكون فاقداً لحريته وبالتالي ليس هناك جدوى لفحصه نفسياً طالما أنه معتقل، وبالتالي مُرغماً على إجابة أسئلة الاختبار.

تُظهر معظم الحالات التي خضعت للاختبار المذكور أن سلطات الاحتلال تستمر في ملاحقة الأسرى المحررين بوسائل وأساليب مختلفة، حيث أن معظم المعتقلين الذين قدّموا إفادتهم لمؤسسة الضمير حول خضوعهم للاختبار هم من الأسرى المحررين، اعتقلوا سابقاً وبعضهم لمراتٍ عدّة، وتعرضوا للتحقيق في مراكز التحقيق التابعة للاحتلال. 

كما تبين أن العديد من الحالات تربطهم صلة قرابة أو صداقة مع معتقلين حاليين يحاكموا أو جرى محاكمتهم على تهم تتعلق بعمليات عسكرية.

إن هذا "التصنيف" الذي تعّده سلطات الاحتلال لكشف عقلية الشباب الفلسطيني من خلال الخضوع لاختبار يحدد "مدى خطورة الشخص على الأمن" ويسعى لجمع معلومات مسبقة عن الشخص للكشف عن أي عمل مستقبلي، يُظهر استهداف الاحتلال المستمر للمعتقلين السابقين على خلفية ماضي المعتقل، ويهدف إلى ترويع الأشخاص وترهيبهم كجزء من إيصال رسالة مفادها أن الأسير المحرر الذي يمتلك ماضي تعتبره سلطات الاحتلال ماساً بالأمن؛ ملاحق بشكلٍ مستمر وهو عرضة للاعتقال في أي وقت.

إن تنوع أساليب الاحتلال في التحقيق وتطورها على مدار الزمن يهدف في نهاية المطاف لفرض مزيد من السيطرة بحق الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى تحييد الأشخاص عن العمل النضالي نظراً للملاحقة الدائمة، بما يخدم أهداف الاحتلال الاستعمارية الإحلالية لإنهاء الوجود الفلسطيني وانتهاك لحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.