شبكة قدس الإخبارية

حرب 1982.. عن قتال الفلسطيني وانعكاس الاجتياح على مستقبل الثورة

أحمد العاروري

فلسطين المحتلة - خاص بقدس الإخبارية: في مثل هذه الأيام من شهر أغسطس 1982، انسحب مقاتلو الثورة الفلسطينية، من العاصمة اللبنانية بيروت، بعد صمود وقتال استمر لمدة 88 يوماً، أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي اجتاح مناطق واسعة من لبنان، بهدف إخراج الثورة الفلسطينية.

كان للاجتياح نتائج كبيرة على الواقع السياسي والعسكري، للثورة الفلسطينية.. "قُدس الإخبارية" حاورت قائد المدفعية للقوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة في حينها، واصف عريقات حول عدة قضايا تتعلق بالحرب:

بدايةً، لنعود إلى اللحظات الأولى للحرب كيف كانت الأجواء حينها؟ وما هي الظروف التي سبقت اندلاعها؟

كنت حينها قائداً للمدفعية ومتواجداً في قرية اسمها "تفاحة الزهراني" في جنوب لبنان، والعدوان لم يبدأ في حزيران 1982، بل قبلها بعام حين شنت "إسرائيل" حرباً على الفلسطينيين في الجنوب، واستمرت لأسبوعين، وحينها خسر جيش الاحتلال الجولة، باعترافه، ولأول مرة طلب وقف إطلاق النار، واضطر للاعتراف بمنظمة التحرير، عن طريق المبعوث الأمريكي للبنان فيليب حبيب، بعد الأداء الرائع للمدفعية الفلسطينية.

منذ ذلك الوقت حتى عدوان 1982، كانت "إسرائيل" تشن معارك كبيرة متفرقة، بهدف اختبار قدرة الفلسطينيين، مثل "تقطيع الجسور"، واختراق العمق اللبناني، في قرية الكفير، وجسر الليطاني، وحرش "علي الطاهر" وغيرها.

إلى أن جاء الرابع من شهر حزيران 1982، وكان هناك دلائل على اقتراب العدوان، من بينها تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينها، مناحم بيغن الذي قال إن الوقت اقترب للتخلص من المدفعية الفلسطينية وصواريخها التي تقصف مستوطنات شمال فلسطين.

برأيك، هل كان الاستعداد الفلسطيني لمواجهة العدوان كافٍ؟ أم أن الظروف الميدانية والسياسية والأمنية في لبنان لم تسمح للثورة الفلسطينية بحرية الحركة والعمل؟

الاستعداد الحرب والتصدي للعدوان، كان موجوداً لكن بمقياس تواضع ميزان القوى، نحن نتحدث عن أقوى جيوش العالم والمنطقة، ولديه مخزون من السلاح والقوة التدميرية، ولديه حلفاء داعمين مثل الولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن المقاومة الفلسطينية، ليست بقوة جيش ولا على أرضها، ولا تملك ميزان قوى كالذي يملكه جيش الاحتلال.

والفلسطيني غريب وليس على أرضه، وممنوع على الفلسطيني أن يكون قريباً من التجمعات السكانية اللبنانية، وهذا يعني انكشافه أمام طيران ومدفعية العدو الإسرائيلي، ولا يملك الفلسطيني أن يتصرف في الجغرافيا اللبنانية كما يريد، مثل حفر الأنفاق وغيرها، ومع كل هذا قاتلنا بما توفر لدينا من إمكانيات، لا نستطيع أن نقول أننا صمدنا، لأن الصمود كان في بيروت وليس في الجنوب، لأن في الجنوب كنا مكشوفين للقوات الإسرائيلية، بحكم الظروف السياسية والميدانية، وقد استغلينا وجودنا في بيروت من أجل إدارة قتال أفضل.

وهناك تجارب صمود في المخيمات الفلسطينية، تحدث عنها قادة جيش الاحتلال، تسميات "أشبال الحجارة" و"جنرالات الأربي جي"، هي تسميات أطلقها جنرالات إسرائيليون، بعد القتال العنيف الذي قابلوه خلال احتلالهم لهذه المخيمات، ومما ساعد الفلسطيني على الصمود هناك، هو الطبيعة السكانية وشكل البنايات في المنطقة.

ما هو "التكتيك" العسكري الذي اتبعه جيش الاحتلال في تقدمه وعملياته العسكرية في جنوب لبنان؟

الجيش الإسرائيلي اعتمد على الاختراقات في العمق وتجاوزوا قوات المقاومة الفلسطينية، وقسموها، من خلال الحرب الخاطفة السريعة والتقدم على أرض الخصم، فأنت عندما تنزل قواتك شمال صيدا، يصبح من هم جنوبها في حصار محكم، وبذلك حرموا المقاتل الفلسطيني من مساندة رفاقه.

جيش الاحتلال الإسرائيلي يملك إمكانيات هائلة بالنسبة لنا، في القفزة الأولى من الاجتياح كانت بثلاثين ألف جندي، وحصار بيروت كان بمئة ألف.

الشهيد صلاح خلف "أبو إياد" في خطاب منتشر له عقب اجتياح لبنان، يتحدث عن أن أحد الأسباب التي لم تساعد الفلسطينيين في المعركة، كانت حرمانهم من التمركز في مواقع استراتيجية مثل: جبل لبنان، وظهر البيدر، وغيرها… ما رأيك بهذه الخلاصة؟

صحيح، نحن لم نختر طبيعة القتال وقد فرض علينا القتال في أرض غير قتالية، فمثلاً عندما كنت قائداً للمدفعية، لم أكن أختار الموقع الأنسب لموضعة المدافع، بل المتاح لي، مع كل هذا كان هناك قتال، وإعاقة لتقدم القوات الإسرائيلية، كانت تقديرات شارون أن يستمر القتال لمدة 48 ساعة فقط، لكن قوات الثورة الفلسطينية صمدت لمدة 88 يوماً.

أرئيل شارون وزير الحرب في دولة الاحتلال حينها، يعتبر "مهندس" الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وضع عدة أهداف من الحرب كان أهمها: تهجير الفلسطينيين كافة وإقامة دولة لهم في الأردن، وإنشاء دولة عملية "لإسرائيل" في لبنان.. هل نجح بذلك؟

لم ينجح شارون في تحقيق أهدافه، الفلسطينيون بقوا صامدين وقاوموا، وكان هدفه إخلاء الفلسطينيين كلياً من لبنان، صحيح كان هناك خروج للمقاتلين، لكن المخيمات بقيت.

في مذكرات ضباط من المدفعية الفلسطينية، هناك حديث عن مخطط من جيش الاحتلال لاستهداف عناصر المدفعية الفلسطينية واغتيالهم، ماذا تذكر من تفاصيل عن تلك المرحلة؟

في 9 أيار 1982 استشهد الضابط بسلاح المدفعية نجم بدوان، من قرية كوبر قضاء رام الله، على يد عميل اعترف فيما بعد أن ضباط المخابرات الإسرائيلية، جندوه من أجل قتلي لأنني كنت أشغل منصب قائد المدفعية.

العميل تسلل إلى داخل جهاز المدفعية، بعد تجنيده، وقد نجح أن يرافقني بعد أن أقام علاقات مع مرافقين لي، وطلب أن يرافقنا إلى بيروت، وتعرف على بيتي، ثم عاد لوحده، وبعد أن طرق على الباب، وخرجت لمقابلته بملابس النوم، وعندما فتحت الباب طلبت منه أن يدخل، لاحظت الارتباك عليه، فغادر المكان بسرعة.

وبعد أن عاد للضابط الإسرائيلي، أخبره أنه لم يتمكن من اغتيالي بكاتم الصوت كما كان مخططاً له، نتيجة ارتباكه، وكانت صدفة وقدر رباني حماني حينها.

حين علم الضابط الإسرائيلي بفشله باغتيالي، طلب منه أن يغتال الضابط المسؤول عنه في المدفعية، فقتل الشهيد بدوان، حينها حققنا مع الشاب، فاعترف لنا بعمالته وبكل المخطط الذي وضعته مخابرات الاحتلال، وكان بقتل الضابط بهدف دفعنا لإقامة بيت عزاء، فتحضر الطائرات الإسرائيلية وتقصف المكان، وتقضي على كل الضباط المتواجدين.

لكننا نقلنا بيت العزاء إلى حيث يسكن شقيق الشهيد بدوان، في سوريا، وعممنا على أجهزة اللاسلكي أن العزاء سيكون في مبنى المدفعية الفلسطينية، ومنعنا في الوقت ذاته الأهالي من الوصول للمكان لحمايتهم من القصف المحتمل، وبالفعل حضرت الطائرات وقصف المبنى وتركته ركاماً، لكنها عادت خائبة بعد أن أفشلنا مخططها بالقضاء على ضباط المدفعية، ولو نجحوا بقتلنا لكان تلك ساعة الصفر لانطلاق الحرب.

هناك رأي يقول أن المقاومة الفلسطينية لم تكن مقبولة من المجتمع في الجنوب، هل توافق على هذا الرأي؟ أم أن هناك مبالغات في قياس الحالة المجتمعية حينها؟

 في الحقيقة أن سكان جنوب لبنان احتضنونا وعاملونا كأهل، كان عندي أكثر من 60 موقع مدفعية وصواريخ، في الجنوب، ولم يقل لي يوماً أحد غادر المواقع، لكن "إسرائيل" نجحت في زرع عملاء لها، حاولوا إثارة الفتن بين المقاومة الفلسطينية وحركة أمل وفصائل أخرى، وبين الفلسطينيين بشكل عام واللبنانيين، لكن بشكل عام لم ينجحوا.

انسحبت من جنوب لبنان، بعد الاجتياح، ولم يطلق علينا أي لبناني النار، رغم أن هذه فرصة لتصفيتنا، وقد أقمنا علاقات اجتماعية مع الجنوبيين، ابن عمي استشهد في لبنان، زوجته شيعية، وهذا أحد الشواهد على العلاقة التي بناها الفلسطيني في المنطقة.

بعد اجتياح لبنان، اندلعت مقاومة عنيفة ضد قوات الاحتلال باعتراف الإسرائيليين، ماذا كان دور الثورة الفلسطينية في دعم هذه المقاومة؟

المقاومة الفلسطينية باعتراف اللبنانيين كانت هي "المعلم" للمقاومة اللبنانية، وهذا سمعته في خطابات حسن نصر الله، وأكد أنهم يعتزون بها وبنموذجها.

بالإضافة إلى أن تسميتي لم تكن قائد المدفعية الفلسطينية، بل قائد مدفعية القوات اللبنانية الفلسطينية المشتركة، وكان لنا غرفة عمليات مشتركة، يدخلها اللبناني قبل الفلسطيني.

ما هي أهم الدروس المستفادة فلسطينياً خاصة على المستوى العسكري من حرب 1982؟

الدرس الأكبر، أن تقاتل عدوك على أرضك، عندما تكون على أرضك، فإن حاضنتك الشعبية أقوى، وتطوع الجغرافيا لصالحك، مثلاً في قطاع غزة، تمكنت المقاومة من بناء أنفاق.

ميزان القوى لا يقاس بالقوة العسكرية، مثلاً أنا كخريج الجيش الأردني ودارس لعلم المدفعية في أميركا وبريطانيا، لو كنت في جيش نظامي، لم أكن لأقاتل، بالظروف التي كنا نعيشها، حيث لا توجد حماية للمدفعية ولا تغطية جوية.

لكن في الثورة الفلسطينية، طوعنا الظروف لصالح العمل الفدائي، من خلال توزيع المدافع على مناطق متباعدة، حتى المدفع اشترك في حرب العصابات، مدفع الفدائي أصبح فدائي.

عندما يكون عدوك يملك طائرات، ويستطيع أن ينفذ إنزالاً على المدافع، لكن "الإرادة" دائماً هي السلاح، في قلعة شقيف في أي علم عسكري، يمكن لمقاتلين على بعد أمتار من الجيش الذي كان يسمى بأنه لا يقهر، ولا يوجد لهم إسناد، أن يصمدوا ويتقلوا من الجيش الإسرائيلي، أكثر من ما قتلته الجيوش العربية، خلال مواجهاتها مع "إسرائيل"، في فترة زمنية تقدر ب72 ساعة.

ما هي النتائج التي ترتبت على الواقع الفلسطيني بعد اجتياح لبنان؟

فقدنا جبهة قتالية مع "إسرائيل" كنا نتشارك مع أشقائنا اللبنانيين في إدارتها، ولكن باعتراف الإسرائيليين أخرجت عدواً هو منظمة التحرير من لبنان، لتواجه بعدو أشد شراسة هو المقاومة اللبنانية.

هناك مقارنات دائمة بين حربي 2006 و1982، تتعلق بأداء المقاومتين هل هناك مجال للمقارنة نظراً للظروف المختلفة؟ وما هي مجالات المقارنة؟

القوات الفلسطينية صمدت 88 يوماً، في بيروت، واللبنانيين صمدوا في جنوب لبنان 33 يوماً، الصمود اللبناني عززه أن القوات الإسرائيلية، لم تتمكن من تجاوز القرى على الحدود، ونحن لم تتمكن من تجاوز حدود بيروت.

كنا محاصرين ولا نملك عمقاً كالذي لدى حزب الله، في سوريا والعراق وإيران، كقائد مدفعية كنت أحاول تدبر أمري من القذائف وغيرها، في ظل الحصار الشديد الذي تعرضنا له.

كيف تتذكر لحظات انسحاب مقاتلي الثورة الفلسطينية من بيروت؟

كان فرحاً ممزوجاً بالألم، الفرح بأننا لبينا رغبة الإخوة اللبنانيين، أن لا تتدمر بيروت بسبب الفلسطينيين، والألم أننا أجبرنا على ترك سلاحنا الثقيل والمدفعي.