شبكة قدس الإخبارية

لحظات لا تُنسى.. عن البلسم الذي مسح على جرح الشجاعية

118069939_505925700237135_7807638960537126380_n
أحمد العاروري

تلك كانت أشد أيام السجن مرارةً، كنَا نتلوى قهراً على أخبار المجزرة المندلعة في غزة، وإدارة السجون تحاصرنا من جانب آخر، وزادت من قمعها حينها بعد خطف المستوطنين الثلاثة في الخليل.

في الليلة التالية لمجزرة الشجاعية، التي أراق فيها الاحتلال دماء أكثر من 74 فلسطينياً معظمهم من الأطفال والنساء، كنا نتمترس كل على المذياع على سرير السجن "البُرش"، نتابع الأخبار القادمة من القطاع.

كانت الأنباء تتحدث عن مقتلة عظيمة ألحقتها المقاومة، بجنود الاحتلال، الذين دخلوا إلى حي الشجاعية، لكن خبر خطف الجندي لم يكن قد أعلن بعد.

قبل خطاب أبو عبيدة، كان السجان يمر من أسفل النوافذ المسلحة بالحديد تعلوها الأسلاك الشائكة، كي يقطع "الأسلاك" التي يمدها الأسرى كي يزيدوا من جودة البث الإذاعي.

عندما وصل السجان إلى غرفتنا، وبدأ بممارسة هوايته التخريبية، وقف أحد الأسرى وقال له كلمة كأنها ردت إليَ روحي: "معلش قطع أسلاك قد ما بدك، بكفي قتلنا منكم كل هالجنود".

كنا وسط هذه الهجمة البشعة من إدارة سجون الاحتلال علينا، تزامناً مع معركة غزة، نحتمي بكل إنجاز للمقاومة، بكلّ رصاصة، وصاروخ نسمعه قادماً من بعيد، بعد أن يهبط على النقب المحتل.

المشهد الذي لن أنساه أبداً ما حييت، عندما أعلن أبو عبيدة عن خطف الجندي، هُنا انطلقت فرحة جماعية من قلوب الأسرى في كل السجون، كأنها قنبلة موقوتة وحان موعد انفجارها.

ضحكات، بكاء، تكبيرات، صراخ، سجدات شكر لله، كلها اجتمعت في غرف الأسرى، بعد خطاب أبو عبيدة، وكأنه مسح على قلوبنا بعد الجرح الغائر الذي تركته مجزرة الشجاعية.

بعد هذه الحفلة الجماعية بخطف "شاؤول أرون"، حضر مدير القسم "أمل"، وتوعد الأسرى بعقوبات مشددة نظير تكبيراتهم وفرحتهم، لكن كل هذه الغطرسة الفارغة، قابلها الأسرى بالسخرية من الضابط الذي حاول تكذيب الخبر.

إلى الشجاعية، التي روت بدمها زهرة الحرية، للشجاعية التي تتفتح كل يوم على زناد المقاتلين، لها وقد أغرقت "إسرائيل" في بحر نهارها، للشجاعية التي لا تنام، لجرحها الذي لا يبرئ، لها وهي تهذب غطرسة جنود النخبة الصهيونية، لدمها الذي يهتف في كل يوم "لا تصالح".