شبكة قدس الإخبارية

ما معنى "التطبيع" وكيف مارسته الإمارات؟

9d1073c9435842c613500929908919bf
د. عبد السلام معلا

يتردد مصطلح التطبيع عادة في سياق العلاقة بين متناقضين، كالاحتلال مثلًا والرافضين لوجوده، وهو يعني جعل العلاقة بينهما طبيعية، في الوقت الذي تحول فيه أسباب جوهرية دون فعل ذلك.

وعليه، فإن التطبيع يعتبر عملا خارج سياق المعقول أو العرف أو المنطق، ولو لم يكن الأمر كذلك لما سمي الفعل تطبيعا. من جهة أخرى فإن التطبيع كإجراء يستلزم وجود تكافؤ بين الطرفين حتى يأخذ دلالته الصحيحة. إذ إنه فعل ثنائي الاتجاه يقوم على التكافؤ والتبادلية، بينما يؤدي التطبيع الذي تنفذه أي جهة عربية أو فلسطينية دورا يسدي الخدمات في اتجاه واحد فقط، وهو الاحتلال الإسرائيلي.

وهذا ليس تحليلا بل نتيجة ناجزة في ضوء تجارب تطبيعية سابقة معه. وفي ضوء دلالتي التطبيع المشار إليهما فهل ما تم بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي يسمى تطبيعا؟ ثمة مؤشرات كثيرة رشحت فيما مضى تشير لوجود علاقة دافئة بين الطرفين، ما يعني أن إعلان التطبيع ليس سوى إشهار لعلاقة قائمة بالفعل، أو أن ما كان يتم في الغرف المغلقة ومن تحت الطاولة سابقا، بات يجري الآن تحت الأضواء الكاشفة، وهذا يؤكد على أن الجديد بين الطرفين ذو صلة بتطوير العلاقات القائمة بالفعل بينهما وليس تطبيعا لها.

قامت الإمارات بأدوار حثيثة في العقد المنصرم ولا تزال لوأد حراك الشعب العربي الهادف للتغيير السياسي، وتوفير شروط حياة أفضل للناس، وهي مناشط تخدم بقاء إسرائيل في المقام الأول، لأن الحراك الشعبي العربي يستهدف النظام السياسي العربي الذي وفر أفضل الظروف لبقاء الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأته وحتى اليوم.

فكيف يصح بعد ذلك القول بأن الإمارات اليوم توقع اتفاق تطبيعي مع الجهة التي عملت ولا تزال في خدمتها؟ من جهة أخرى، فإن الدور الوظيفي الذي لعبته الإمارات ولا تزال في غير مكان من الوطن العربي خدمة لإسرائيل يسلبها صفة التكافؤ اللازمة لإبرام اتفاق تطبيعي معها، فهل ثمة تكافؤ بين الفاعل وبين الأداة التي يستخدمها، وهل يمكن للعلاقة بين العبد وسيده أن تصبح في ليلة وضحاها علاقة بين سيد وسيد؟ لكل ذلك فإن ما جرى بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي لا يعتبر تطبيعا وفقا للمفهوم المثبت أعلاه، وإنما يعد ترقية للخدمات التي تقدمها الأولى للثانية، وتعزيزا لإمكانياتها في مواجهة الأمة على نحو استراتيجي.

ولذلك، فإنه لا يمكن فصل التطبيع عن سياق الصراع الشعبي/ الرسمي العربي، كخطوة تهدف لتعزيز بقاء النظام في مواجهة آمال الأمة بالانعتاق من أسر مرحلة الجزر والتيه التي تعيشها من جهة، كما يعزز مواقع إسرائيل في استهداف كل من إيران وتركيا من جهة أخرى.

لا يتعاطى الاحتلال الإسرائيلي مع التطبيع مع المحيط العربي بوصفه هدفا نهائيا بين الطرفين، بل كخطوة تحسن وضعيته في مواجهتنا، وليواصل بعدها مساعيه الهادفة لفرض هيمنته المطلقة علينا، وفي ضوء ذلك فهو يجتهد لسلخ الفئة المطبعة وجرها لتصطف معه في مواجهة الأمة وقضاياها، وفي حالة كهذه فإن مصطلح التطبيع لا يعبر البتة عن واقع الحال، بل يخفي خلفه جملة من الدلالات والحقائق الصارخة، كما يخفي مصطلح المشروبات الروحية سوأة الخمرة في وعي المتلقي النظيف.