شبكة قدس الإخبارية

"بدنا نعيش".. سمٌّ مخابراتيٌ إسرائيليٌ على مواقع التواصل

images
سامح الطيطي

في صيفِ عام 2016، وبعدما فشلت سياسة الحكومة الإسرائيلية في ترويضِ الشعبِ الفلسطيني للتنحي جانبًا عن صفِّ المقاومةِ الفلسطينية، خاصةً بعد حروب غزة الثلاثة في الأعوام "2009، 2012، 2014"، وتبيانِ حجم المعاناة التي يعيشها الشعب في قطاع غزة، وقد عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 2006 في تضييق الخناقِ على القطاع تحديدًا في صيفِ 2005 حينما دحرت المقاومة الفلسطينية المستوطنين وأفرغت جزءًا كبيرًا من مستوطناتهم.

 لكنها اليوم بدأت في حملاتٍ إلكترونية لتشويه صورة المقاومة وتحويل الشعب من ناعتٍ للاحتلال بكلِّ صوره الإجرامية، إلى مادحٍ للكيانِ ومخابراته، والتي بدأت تشكل مواقعًا بحروفِ اللغة العربية؛ لتسهيلِ وإيجادِ آلية تواصل تزيل كلّ الفوارق والحواجز التي وجدت باسم الوطنية، تبدأ بتقديم المساعدة؛ لإزالة المنعِ الأمني، وفحص الاسم إن كان مسموحًا لصاحبهِ الدخول "لإسرائيل" أم لا، إلى الارتباط والتخابر، هذه السياسةُ كانت المخابرات الإسرائيلية تدفع آلافًا من الدولارات وإن كانت بشكلٍ مؤقت، لمن تنجح في تجنيده لصالحها سابقًا، اليوم بهذه الدواعي يتم إسقاط خيرة الشباب في وحلِ العمالة دون خروجٍ منه إلا للهاوية ليس إلا.

تستهدف صفحة "بدنا نعيش"، التي تم إنشاؤها في 1 يونيو 2016، وتحظى بمتابعة 21.083 شخص على موقع الفيسبوك، الجمهور الفلسطيني خصوصًا في قطاعِ غزة، وقيادة الفصائل الفلسطينية في الضفة المحتلة، مستغلةً بذلك الظروف الحياتية التي يعيشها الفلسطينيون، واستغلال قادةُ المقاومةِ للشبابِ الفلسطيني في الضفة والقدس؛ لتنفيذ عمليات ضد الأهداف الإسرائيلية، لهذه الأسباب أُنشئت الصفحة وثلاثون صفحةً لكباتنةِ المخابرات الإسرائيلية منذ عام 2018، وهي صفحاتٌ شخصية افتتحوها كنشاطٍ علنيٍّ، وبدأوا ينشرون عليها منشوراتٍ حُظيت بمتابعة الآلاف جلّهم من المجتمع الفلسطيني.

وذكرت "صحفية إسرائيلية" في صحيفة هآرتس: "أنَّ هذه الصفحات يشاركُ فيها إسرائيليون بعلم النفس والتسويق ومستشرقون ورجال استخبارات، وهدفها الأساسي تجنيد الجواسيس وتلقي معلومات أمنية، وعلى الرغم من تزينها بآيات من القرآن الكريم وأمثلة عربية وأمنيات بالخير والسعادة للفلسطينيين"، إلا أن السمَّ لا يخلو من باطنِ منشوراتهم، هذه الحرب النفسية التي بدأت المخابرات الإسرائيلية شنها؛ لتشويه صورة الفلسطيني المقاوم، وإحلال بدلًا منها الذي يساوم من أجل قوتِ يومه.

وفي الآونة الأخيرة شهد موقع الفيسبوك مع بداية أزمة كورونا في شهر شباط 2020، إنشاء صفحات كباتنة المخابرات الإسرائيلية، والتي تحمل أسماءهم الوظيفية؛ لدواعٍ أمنية، ونشر أرقامهم الخاصة لتطبيق الواتساب، وكأنه يقول للفلسطيني: "لا داعٍ للبحث عن آلية التواصل معي من أجل تقييم وضعك الأمني، الآن كل السبل باتت بين يديّك وفي المتناول، فقط عليك إرسال الرسالة، وسأقوم بالردِّ عليها."، بهذه السياسة تبدأ آلية التواصل بالتفاعلِ تدريجيًا ليجد الفلسطيني نفسه أمام الضابط داخل مكتبه، ويقوم بتسليم معلومات يعتقد أنها بديهية وفي ذات الوقت تكون أمنيةً بشكلٍ بحت، لأن آلية عمل الجهاز تُبنَ على معلومةٍ صغيرة يتوسع بها كيفما أراد، وهذا ما كان يحدث في العديد من العمليات التي كُشفت عن طريقِ معلومةٍ صغيرة أو خطأ صغير لا يذكر، وعليه يكون التواصل مع هذه الصفحات هي تسليم للمعلومات وعادة ما تكون أمنية.

سقطت محاولات المخابرات الإسرائيلية في خلقِ مجتمعٍ تابعٍ لكيانٍ استوطن أرضه وقتل من دافع عنها، وما الأسرى في سجون الاحتلال الذين بلغ تعدادهم 5000 آلاف أسير خير دليلٍ على ذلك، هم في أقبية السجون لأنهم رفضوا الذلة، واليوم تحاول عبر ثلاثين صفحةٍ وأكثر نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك من خلق هذا المجتمع الذي يتبع المخابرات الإسرائيلية، لتتحكم به وفي اهتماماته التي تخلو من قيم الوطنية والمقاومة؛ لزرع قيمٍ مشبوهةٍ تبحث عن سبل العيش تحت بساطير الاحتلال، ففي الوقت التي كانت تحصد المخابرات الإسرائيلية من كلّ منطقة فلسطينية عميلًا أو اثنين وأكثر قليلًا، اليوم باتت قادرةً على تنجيد المجتمع كاملًا بواعز رفع المنع الأمني والإغراءات المُقدَّمة للشباب الفلسطيني بشكلٍ خاص.

وقاعدة تقول: أن المنافسة بين ضباط المخابرات الإسرائيلية ليكونوا ناجحين في أعمالهم، قدرتهم على تجنيد أكبر قدرٍ ممكن من العملاء في كلِّ منطقة يكون مسؤولا عنها الضابط، وإذا ما فشلَ في ذلك يتم تنحيته عن منصبه للبحث عن موقع جغرافي أكثر خصوبةً للعمل المخابراتي، واليوم مواقع التواصل الاجتماعي وفي ظلِّ عدم وجود مؤسساتٍ وطنيةٍ ومدارس تثقيفية لتعزيز القيم الوطنية داخل كلّ فلسطيني، ستظلُّ أرضًا خصبة للمخابرات الإسرائيلية التي تسعى بشكلٍ حقيقي لإزالة الحاجز الذي خُلق منذ سنواتٍ طويلة بدوافعٍ وطنية، ليكون هناك تواصل يفتقد لمن يوجه صاحبه قبل أن يَرسل رسالته للمنسقِ أو كباتنةِ المخابرات الإسرائيلية، ويبدأ تدريجيًا في غرسِ قدميّه في وحل العمالة، دون أن يدري، بدلًا من غرس ثقافةٍ وطنيةٍ مقاومةٍ تجابه هذه السياسات القديمة الجديدة.