شبكة قدس الإخبارية

أسئلة يتجنب الإعلام طرحها حول تطورات القضية الفلسطينية

صورة تعبيرية
عبد الستار قاسم

تركز المقاربات الإعلامية والتعليقات والتحليلات في الغالب على ما يقوم به الصهاينة من اعتداءات على الفلسطينيين خصوصا والعرب والمسلمين عموما.

وفي كثير من الأحيان يتم اختصار التركيز على أشخاص في الكيان الصهيوني وتوجيه هجو واسع وعميق ضدهم.

منذ سنين والتركيز على بنيامين نتنياهو الذي يصفه الإعلام العربي والفلسطيني باليميني المتطرف الذي يريد تقويض عملية التفاوض وحل الدولتين.

وكاستنتاج من الطرح الإعلامي، الصهاينة قابلين لحديث العقلاء والعلة بنتنياهو فقط، وإذا غاب نتنياهو فإن الحقوق الفلسطينية ستصبح في متناول اليد.

كيان قام على الغزو والسرقة والعنصرية والإجرام، وشرد ملايين الفلسطينيين وتم دعمه من كل قوى الشر الاستعمارية في العالم ما زال يمكن تصنيفه ضمن قابلية العقلانية.
لا يوجد في الكيان الصهيوني من هو ليس متطرفا حتى اليهود الذين يقولون إنهم ضد التطرف. لو كان هؤلاء غير متطرفين لما احتلوا مساكن فلسطينيين يرتمون في مخيمات اللجوء على مدى عقود، ولما قبلوا العيش على أرض ليست لهم.

ولا يوجد رئيس وزراء صهيوني ليس متطرفاً أو يمينياً حتى لو ادعى الاعتدال. حمامة السلام بيريس كان إرهابيا وقتل الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين. وكذلك كان باراك وليفني وجولدا وليفي وبن غوريون، الخ.
أي أن العلة بوجود الكيان، وليس بشخص معين دون آخر. هؤلاء قاموا على القتل والإرهاب والإجرام ويستمرون في ذلك.

لكن ضيق الأفق الذي يلف وسائل الإعلام دائما هو التركيز على حملات ضد ما يقوم به الصهاينة بحق الفلسطينيين وغيرهم، ولا يوجد تركيز على ما لا يفعله الطرف الآخر دفاعاً عن نفسه، أي الطرف الفلسطيني والعربي، أو ما يفعله لصالح الصهاينة.
إعلامنا فلسطينياً كان أو عربياً فيه بعض الخير للفلسطينيين يتحدث بإسهاب عن مصادرة الأراضي والبناء الاستيطاني، لكنه لا يسأل عن الاستراتيجيات الفلسطينية في المحافظة على الأرض ومحاصرة الاستيطان.

في الحديث عن تهويد القدس، ماذا فعل العرب والفلسطينيون من أجل المحافظة على عروبة القدس؟ أين هي الجهود والسياسات التي تم اتباعها منذ عام 1967 من أجل تعزيز الوجود العربي، في القدس والمحافظة على المقدسات؟ هناك قرارات كثيرة عربية وفلسطينية، ويجب فتح دفاتر هذه القرارات.

بالنسبة للأغوار المهددة بالضم وفق القوانين الصهيونية، ماذا فعلنا من أجل زيادة عدد السكان في الأغوار؟ وكيف قدمنا الدعم للمزارعين الغوريين من أجل أن يشيدوا بيوتا أو عششاً لمساعدتهم على استثمار الأرض والتوالد؟ عدد سكان الأغوار تقلص منذ عام 1967. لا اللجنة الفلسطينية الأردنية المشتركة ساعدت الأغوار ولا السلطة الفلسطينية. ذهبت الأموال للقوادين والسحيجة والمنتفعين المنافقين للقيادات الفلسطينية والأردنية.
حاولنا (بعض الكتاب والمثقفين) منذ السبعينات مع منظمة التحرير أن توجه الأموال، التي كانت مخصصة من قبل القمة العربية نحو مساعدة العمال والفلاحين، لينتشروا سكانياً وسكنياً في أرجاء الأرض المحتلة عام 67.

في حينه لم تكن الرؤية الاستيطانية الصهيونية مكتملة وكان بالإمكان تحقيق الانتشار السكني والسكاني، بقليل من الأموال،. لكن هذه الإمكانية كانت مرتبطة بالحرص على فلسطين وشعبها. الإعلام لا يسأل حول هذه الأمور.
نشهد الآن موجة التطبيع العربي مع الصهاينة، هل يسأل الإعلام حول حق الفلسطينيين بمساءلة دول الخليج، عن توجهاتها الخيانية في حين أنهم يعترفون بالكيان الصهيوني وينسقون مع الصهاينة أمنياً.

والتنسيق الأمني أشد خطراً على القضية الفلسطينية من التطبيع. لماذا نطلب من العرب أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين؟ هذا ليس لتبرير التطبيع العربي، وإنما من أجل وضع الفلسطينيين عند مسؤولياتهم الوطنية.

وتتذمر القيادة الفلسطينية بأن الأموال تنقصها، والسؤال يجب أن يكون: أين ذهبت الأموال التي حصلت عليها السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاق أوسلو؟ لماذا يستشري الفساد في الصفوف الفلسطينية دون تحديد مسؤوليات وطرح أسماء؟ ممنوع نشر أسماء الفاسدين والمطبعين الخونة وتفاصيل اللقاءات مع الصهاينة.

لماذا على الفلسطيني أن يستقى أخبار القضية الفلسطينية والتفاوض والتنسيق الأمني من الإعلام الصهيوني؟ ولماذا لم تحصل عمليات تحول اقتصادي في الضفة الغربية من أجل تخفيف اعتماد الفلسطينيين على أموال قادمة من جهات أخرى؟ ولماذا كان بعض العلاج الفلسطيني قائماً على رفع الضرائب والرسوم على الناس، بدل التركيز على الإنتاج وانتهاج نظرية الاعتماد على الذات؟ ولماذا الارتباط الاقتصادي مع كيان غاصب يعمل على إلغائنا من الوجود؟
وماذا فعل الفلسطينيون على المستويين الرسمي والشعبي في مواجهة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؟ وماذا فعلوا حتى الآن في مواجهة صفقة القرن؟ ولماذا لم تتحقق وحدة وطنية فلسطينية لغاية الآن؟ ولماذا لا يحترم محمود عباس القوانين الفلسطينية ويرحل؟ وكيف للفلسطينيين أن يكونوا مؤثرين وهم لا يملكون ميثاقا يجمعهم، وكيف ينظمون حياتهم في غياب مشرع، وتحميل السلطات لأناس ثبت فشلهم اجتماعياً وسياسياً وتفاوضياً وثقافياً وأخلاقيًا عبر الزمن؟
المعنى، من يبحث عن حلول، عليه أن يسأل أولا عما يجب أن يقوم به قبل أن يطلب من الآخرين تحمل المسؤولية بالنيابة.

العزوف عن طرح الأسئلة النقدية ذات البعد التحليلي لا يحرر الفلسطينيين من مسؤولياتهم، ولا يدين الآخرين المقصرين، ويؤدي إلى مزيد من الخراب في الساحة الفلسطينية.
يجب أن يساهم الإعلام في دفع الفلسطينيين نحو القيام بواجباتهم الوطنية، وإلا يكون الإعلام شريكاً في ترك الفلسطينيين غافلين أو مستغفلين.