شبكة قدس الإخبارية

لبنان يضع رأسه على كتف شبابه

اللوحة للفنان التشكيلي اللبناني يونس الكجك
هنادي العنيس

كتف واحد من الشمال إلى الجنوب وحتى أقصى البقاع، جمع الشباب اللبناني اليوم، وسط غياب الحكومة، وصمود المواطن الذي يمثله الجيل الجديد المتحرر من العقلية السياسية التقليدية، وأولويته هي: لبنان أولاً.

لينطلق في تحرك يلفه الواجب الوطني والإنساني معًا، مفرغًا السموم كلها من بطنه، رافعًا شعار "اللا طائفية" في ظل دستور دولة تشترط عليه أن ينتمي لحزب ما كي تعطيه حقه، ويمد يد عونه متخذًا دور المؤسسات لمساعدة الذين تضررت لقمة عيشهم نتيجة الأزمة المعيشية في البلاد.

وفي ظل هذه الظروف المأساوية التي يعيشها اللبنانيون وسط سوداوية المشهد، يظهر الشباب درجة كبيرة من المسؤولية الاجتماعية،في وقت يقدم فيه النظام خدماته كعمل خير لا كواجب عليه وكحق للمواطن.

لتُعلن المبادرات الخيرية من بيروت، إلى طرابلس شمالاً، وصيدا وصور جنوبًا، وحتى مناطق أخرى، وتنشط تباعًا لتسهيل حياة المتضررين ومساعدة الجميع على حماية أنفسهم.

"لن ينقذ الناس سوى تضامن الناس مع الناس"، شعار أطلقته مجموعة من الفاعلين في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، ضمن مشروع "تضامن الناس" مؤمنين بفاعلية العمل الجماعي الذي أظهر تضامن كبير بين اللبنانيين واللبنانيات على كافة الأصعدة، وليكون "دليل تضامن" منصة مفتوحة تجمع المبادرات الاقتصادية والاجتماعية البديلة، وتعمل على تبادل الخبرات والتجارب والدروس بين مختلف التحركات التعاونية والتشاركية والتضامنية لتحقيق أكبر أثر اقتصادي واجتماعي في أسرع وقت.

التحرك الجماعي من خلال المنصات الرقمية لعب دورًا كبيرًا أيضًا، وأيده الشباب بالترحيب والتقبل.

"لبنان يقايض" مجموعة رقمية على موقعفيس بوك، انتشرت بين اللبنانيين رغم حداثتها، يحاول فيها المواطنون سد حاجات بعضهم بعضًا على مبدأ المقايضة بتبادل ممتلكاتهم الخاصة، في حين حصلت حالات كثيرة على مساعدات دون أي مقابل، ليتعمم مبدأ التكافل الاجتماعي ويصبح جزءًا من نضال الشعب اليومي.

ويبدو أن الوضع الاقتصادي المتأزم بات كفيلاً بتحويل التهديد إلى فرص، لإيجاد بدائل محلية، تغني عن الحاجة إلى الخارج.

ففي وقت يعتمد فيه لبنان بشكل شبه كلي على الاستيراد من أجل إشباع حاجات سوقه من السلع الغذائية، انطلقت مبادرة "كُنْ" التي تهدف بالمساهمة في التقليل من الاعتماد على استيراد المنتجات الزراعية، لا سيما القمح، الذي يشكل عنصر أساسي في الغذاء اليومي للبناني.

وذلك من خلال التشجيع على الإنتاج المحلي، من قبل متطوعين، بتوفير المزارع وتقديم الآلات الزراعية وغيرهما، والمأمول هو القدرة على إنتاج البذور من مختلف المحاصيل الزراعية، والوصول إلى مراحل متقدمة من موضوع الاكتفاء الذاتي، والقدرة على تغطية السوق اللبناني من القمح.

وقامت المجموعة بزرع القمح في منطقة بتبيات في المتن الأعلى لقضاء بعبدا، ليتم اقتسام الحصاد بين مزارعين المنطقة وعائلاتها المحتاجة، بينما يخصص الجزء المتبقي لإعادة الزرع والمساهمة بالتصدي لأزمة القمح القادمة.

ليفرض اليوم الشباب اللبناني خطواته الواعية مع لبنان الجديد المنفتح على بعضه، والمصر من خلاله على رفع شعارات موحدة لمبادرات مجتمعيةيبذل فيها جهدهمن أجل احتواء الجميع وحماية بقائهم،مُثبِتًا أهليتها وقدرتها على أن تكون فاعلة في التغيير المنشود للحياة السياسية التي اعتمدت في تقسيم المصالح على الاصطفاف الطائفي والمذهبي.

إذًا، هي تحركات الشباب الناجي لأجل الجميع، فلا هي تحركات أحزاب ولا تحركات طوائف انتهت صلاحيتها ولا تريد أن تصدق، منفذين بذلك أكبر وحدة للتركيبة اللبنانية، ليس منذ انتهاء الحرب الأهلية، بل منذ تأسيس لبنان الكبير.