شبكة قدس الإخبارية

الإبعاد عن الأقصى.. استهداف الوجود الإسلامي وإعادة تشكيل سلوك روّاده

1535374034309283
براءة درزي

لا تتوقف مساعي الاحتلال إلى بسط سيطرته الكاملة على الأقصى، والتمهيد لتنفيذ مخططاته التهويدية في المسجد. وعلى الرغم من أنّه نجح في إحداث اختراقات على بعض المستويات وفي بعض المحطات إلّا أنّه لا يزال يواجه عقبات تمنع تقدّمه الكامل وتحقيق مشاريعه كافة، التي منها التقسيم المكاني والزماني والسيطرة على المنطقة الشرقية من المسجد التي فيها باب الرحمة. ومن العقبات التي تمنع تنفيذ هذه المخطّطات العنصر البشري المدافع عن المسجد حضورًا، ورباطًا، وتحذيرًا من المخاطر والتحديات التي ترتبط بسياسة الاحتلال في الأقصى.

ولذلك، فإنّ الاحتلال، الذي يعمل على تقييد وإنهاء كل ما من شأنه أن يشكّل مظلّة حماية للقدس والمقدسات، لجأ إلى سياسة الإبعاد عن المسجد، عبر حملات إبعاد واسعة يستكمل بها سياسة الإبعاد الجماعي التي فرضها قبل حوالي خمسة أعوام. وفيما أصدر الاحتلال في عام 2019 ما مجموعه 355 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى فقد توالت منذ بداية العام الحالي قرارات الإبعاد حتى بلغت 236 في النصف الأول من العام، منها 206 قرارات بالإبعاد عن الأقصى، و24 قرار إبعاد عن القدس القديمة، وستة قرارات بالإبعاد عن القدس، وفق تقرير صادر عن مركز معلومات وادي حلوة.

وعلاوة على اعتقال المرابطين والمرابطات وحراس الأقصى، فقد طالت قرارات الإبعاد شخصيات دينية وحقوقية وصحفية، وشهد أواخر شهر أيار/مايو وشهر حزيران/يونيو أعلى معدل اعتقالات تزامنًا مع إعادة فتح الأقصى بعد إغلاقه في ظل جائحة كورونا، وكان من بين المبعدين أمين المنبر رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري الذي سلّمه الاحتلال، في 2020/6/4، قرارًا بالإبعاد عن الأقصى أربعة أشهر بعد قرار بإبعاده في كانون ثانٍ/يناير. كذلك، شملت القرارات المحامي خالد زبارقة، وهو من الداخل الفلسطيني المحتل، الذي سلمته الشرطة أمر الإبعاد عن الأقصى في 2020/6/28 على أن يعود لاستلام قرار إبعاد لمدة أطول. وقد تمحور التحقيق مع زبارقة حول قيامه بفعاليات في المسجد تشكّل مساسًا بأمن الاحتلال. والمحامي زبارقة هو محامي الشيخين عكرمة صبري ورائد صلاح، وقد تعرّض للاعتداء من قوات الاحتلال في 2020/6/3 لدى مشاركته في التّصدي لاقتحام منزل الشيخ عكرمة صبري.   

كذلك، قررت شرطة الاحتلال مساء السبت 2020/6/27 إبعاد يوسف مخيمر، رئيس هيئة المرابطين في القدس، عن الأقصى مدة أسبوع، بعدما قادته إلى التحقيق على أثر خروجه من المسجد حيث دارت التحقيقات حول هيئة المرابطين التي يرأسها. وفي 2020/7/6 قررت سلطات الاحتلال منع مخيمر من دخول الأقصى ستة أشهر.  

وكان للصحفيين نصيب من الإبعاد عن الأقصى، ففي 2020/6/6، سلمت سلطات الاحتلال الصحفية سندس عويس أمر إبعاد عن الأقصى ثلاثة أشهر. وكانت سلطات الاحتلال أبعدت الصحفين عبد الكريم درويش وأمجد عرفة عن المسجد في كانون ثان/يناير 2020 عشرة أيام. وتعمد قوات الاحتلال إلى استهداف الصحفيين الذين ينقلون بعدسات كاميراتهم الاعتداءات الإسرائيلية في الأقصى، لمنع توثيق هذه الاعتداءات ونقلها إلى العالم.

حملات الإبعاد التي يشنّها الاحتلال ضدّ المقدسيين وفلسطينيي الداخل المحتل عام 48 تأتي في إطار "تجفيف منابع الرباط" في الأقصى التي تكثفت في عام 2015 مع حملة "الإبعاد بالجملة" التي أطلقها الاحتلال عبر قرار حظر ما أسماه تنظيمي المرابطين والمرابطات في آب/أغسطس وقرار حظر الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي في أيلول/سبتمبر ومعها كلّ المؤسسات المرتبطة بها، وما كان لذلك القرار من تداعيات بالنسبة إلى حملات شد الرحال إلى الأقصى ومصاطب العلم التي كانت تعقد فيه. هذان القراران كان الاحتلال استبق إصدارهما عبر فرض إبعاد جماعي للنساء بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين في الفترة الصباحية وذلك في شهر رمضان 2014 فكان يمنع طالبات مصاطب العلم من الدخول إلى الأقصى يوميًا.

ولا يمكن فصل سياسة الحظر والإبعاد هذه عما سبقها من سياسة عزل القدس والأقصى ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد عبر تكثيف الحواجز في محيط المدينة بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، وكذلك الجدار العازل الذي عزل القدس عن امتدادها الفلسطيني، ومنع أهل غزة من زيارة الأقصى، علاوة على سياسة القيود العمرية التي اعتمدها الاحتلال لتقليص عدد الوافدين إلى القدس للصلاة في المسجد، فكانت الحواجز والجدار والقيود العمرية سياسة إبعاد مقنّعة إذ لم تأخذ شكل قرارات صريحة صادرة بحقّ أشخاص بعينهم.  

إذًا، تتقاطع الهجمة الإسرائيلية المتصاعدة على رواد الأقصى والمرابطين، والشخصيات الدينية والقانونية، والصحفيين، مع سياسة الاحتلال في القدس عمومًا لجهة رسم المسار الذي يتعيّن على الفلسطينيين سلوكه حتى يكونوا خارج دائرة استهداف الاحتلال، إذا قُيّض لهم أن يخرجوا منها! فالخطيب على المنبر لا يمكن أن ينبّه إلى المخطّطات الصّهيونية التي تُحاك للأقصى، ورجل القانون لا يمكنه أن ينخرط في الدفاع عن المسجد أو يحذر من مشاريع الاحتلال التّهويديّة فيه، والصّحفيون غير مسموح لهم أن يوثّقوا اعتداءات الاحتلال، والمرابطون لا يمكنهم عمارة المسجد والتصدّي لما يحضّر له.

وتبقى غاية الاحتلال بسط سيادته الكاملة على الأقصى، ولذلك يتطلّع إلى تذليل أيّ صعوبات تحول دون ذلك، وفي مقدمتها الموقف الشعبي، وهذا ما يفسّر حملات الإبعاد التي تستهدف الوجود الإسلامي في المسجد وتحاول إعادة تشكيل اتّجاهات السّلوك لدى أيّ مسلم يتوجّه إليه لتكون منسجمة مع ما يفرضه الاحتلال من قيود وقواعد، لتبدو الخيارات محصورة بين الدخول إلى المسجد والمكوث فيه وفق المحدّدات الإسرائيلية من جهة وبين الإبعاد عنه من جهة أخرى مع تطويق أيّ إمكانية  لانطلاق مقاومة شعبيّة مثل هبّتي باب الرحمة وباب الأسباط وما قبلهما.. فهل ينجح الاحتلال في مسعاه؟