شبكة قدس الإخبارية

معاذ جراد.. عن لوعة الحرمان من العودة لفلسطين

أحمد العاروري

طولكرم - خاص قُدس الإخبارية: في كل يوم منذ إبعاده القسري عن فلسطين، كان قلب معاذ جراد، يشتعل شوقاً للعودة إلى طولكرم التي ولد فيها وتربى وحفظ أزقتها وشوارعها.

لم تتحق أمنية معاذ بالعودة حياً إلى طولكرم، لكن عائلته أصرت على أن تنفذ وصيته، التي طالما رددها: "إذا متت يابا ادفنوني في تراب فلسطين".

يقول نجله عبد الرحيم جراد "لقُدس الإخبارية": في انتفاضة الأقصى كان والدي مطارداً من قبل الاحتلال، لنشاطه المقاوم مع كتائب شهداء الأقصى، وحصلت معه مشاكل صحية في الطحال، وتراجع وضعه الصحي كثيراً جراء ذلك.

ويتابع: "بعد تفاقم وضعه الصحي تواصل والدي، مع قريب له يعمل طبيباً في الأردن، ونصحه أن يسافر عنده كي يشرف على علاجه، لأن أوضاع المستشفيات في الضفة المحتلة، كانت صعبة جداً جراء ظروف الانتفاضة وغيرها".

"بعد التواصل مع الصليب الأحمر تم نقل الوالد بسيارة الإسعاف، وهناك أوقفها ضباط الاحتلال، الذين تأكدوا أن والدي في وضع صحي خطير وقد لا يبقى على قيد الحياة، سمحوا للإسعاف بإكمال طريقها إلى الأردن، بشرط التوقيع على إبعاده عن فلسطين"، يقول عبد الرحيم.

بعد انتقاله للأردن أجرى معاذ عمليات جراحية للطحال واستعاد صحته، وعاش مع أقاربه في الأردن، لكن شوقه للعودة إلى فلسطين لم يهداً، كما يؤكد نجله.

ويضيف: "في العام 2008 أخبر الأطباء والدي أن لديه التهابات في الكبد، وأنه في حال لم يستجب للعلاج، يمكن زراعة بديل عنه، وبعدها بعامين توقف الكبد عن العمل نهائياً".

ويروي عبد الرحيم أن الفحوصات الطبية التي أجرتها العائلة، أظهرت تطابقاً بين أنسجة عمته والدة الأسيرين "صبحي، وماجد جراد"، مع والده، فتوجهت إلى الأردن، وأجرت عملية تبرع بجزء من كبدها لوالده، وقد نجحت العملية.

وبعد العملية بقي معاذ يتابع العلاج على الأدوية مع الأطباء، ولكن في العام 2018  تراجع وضعه الصحي مجدداً.

ويوضح عبد الرحيم: "في شهر رمضان خاصة مع انتشار كورونا، وعدم قدرته على التوجه للمستشفى باستمرار خوفاً عليه من تلقي العدوى نتيجة ضعف المناعة لديه، بدأ وضعه بالتدهور أكثر".

يقول عبد الرحيم: "مشاكل الكبد سببت للوالد فشلاً في الكلى، وحين اتصل بنا الأطباء وقالوا لنا أن الأعمار بيد الله، تمهيداً للقادم تيقنت أن والدي في وضع صحي خطير جداً، سيودي بحياته، وبدأت أحاول أن أتماسك أمام أشقائي كي أقويهم وأصبرهم".

في 21 من الشهر الحالي توفي معاذ بعد معاناة مع المرض، بعيداً عن مدينته وعائلته، بقرار من الاحتلال الذي أراد أن يبعده عن فلسطين إلى الأبد.

يقول نجله: "نتيجة توقف التنسيق الأمني تواصلنا مع السلطات الأردنية التي حصلت على موافقة من الاحتلال، لنقل جثمانه إلى فلسطين".

ويضيف: "كنت طوال الوقت قبل أن يصل جثمانه إلى فلسطين، قلقاً بشدة أن يحتجز الاحتلال جثمانه، لأننا تعودنا على إجرامه وغدره".

"كانت جنازة الوالد حاشدة شارك فيها كل الذي عرفوا الوالد، وتعاملوا معه، وسمعوا عن أخلاقه وطيبته وحبه للناس، والأهم أننا حققنا له وصيته أن يدفن في فلسطين"، يقول عبد الرحيم.

ويتابع: "كان الوالد دائماً ما يحمل صورة طولكرم ويعدد شوارعها، بالأسماء والحارات، كان دائم الدعاء أن يمن الله عليه بالعودة ويكحل عيونه برؤية فلسطين".

في الانتفاضة الأولى ودع معاذ شقيقه مأمون الذي ارتقى برصاص جيش الاحتلال وهو يزرع علم فلسطين، وشقيقه الشهيد زياد جراد الذي أصيب برصاصة من قناصة الاحتلال خلال الاجتياحات في مخيم طولكرم، يروي عبد الرحيم.

وقبل إبعاده عن فلسطين ذاق معاذ مرارة هدم الاحتلال لمنزله، الذي ضم ذكريات العائلة، انتقاماً من دورها في المقاومة.