شبكة قدس الإخبارية

الفهود وفلسطين: الأمميّة السوداء والثورة الفلسطينية

922
سماح ادريس

تقديم

في 19 آب 2014 ، بعد عشرة أيّام على مقتل مايكل براون (18عامًا) على يد شرطة فيرغيسون (ولاية ميزوري)، أصدرت الجبهةُ الشعبيّةُ لتحرير فلسطين بيانًا أعلنتْ فيه دعمَها لكفاح السُّود في الولايات المتّحدة. وبنبرةٍ مفعمةٍ بالثقة، صرّح البيانُ ضمن عنوانٍ فرعيّ: "ستسقط الإمبراطوريّةُ من الداخل." ووصفت الجبهةُ الشعبيّةُ مايكل براون بـ "الشهيد،" وهاجمتْ وحشيّةَ الشرطة، واصفةً إيّاها بأنّها "جزءٌ لا يتجزّأ من عنصريّةٍ منهجيّةٍ ومتكاملة" في الولايات المتحدة. ورأت أنّ مجتمعات السود "داخل حدود الولايات المتحدة تواجه قمعًا عنصريًّا استعماريًّا كولونياليًّا." الأهمّ أنّ البيان حثّ "جميعَ الفلسطينيين، وخصوصًا جاليتنا الفلسطينيّة في الولايات المتحدة، على مواصلة جهودهم وتكثيفِها من أجل دعم حركة تحرّر السود... فهناك تواريخُ طويلةٌ من هذا العمل، ومن المهمّ لكلّ جالياتنا أن توسِّع روابطَ الكفاح والتضامن وتعمِّقَها."[1]

بعد ستّة أعوام، وفي أعقاب اغتيال الشرطة لجورج فلويد، شهِدْنا الضربةَ الأولى الموجَّهة "من الداخل" إلى الإمبراطوريّة الأميركيّة، حين سيطر المحتجّون في مِنْيابولِس على منطقةٍ بأكملها وأحرقوا مركزًا للشرطة. في مُناخٍ كهذا يَجْدر بنا تذكُّرُ تلك "التواريخِ الطويلة."

من هذه التواريخ الطويلة التاريخُ المجيدُ المرتبطُ بالعلاقة بين حزب الفهد السود (Black Panther Party) [يُعرف أيضًا باسم "الفهود السود"] وفلسطين. في 30 آب 1969، أعلنتْ جريدة The Black Panther (الفهد الأسود) في عنوانٍ عريضٍ أنّ الصهيونيّة (القوميّة اليهوديّة) + الإمبرياليّة = الفاشيّة." وقد تعقّب الفهودُ السودُ تاريخَ الصهيونيّة ونشوءَ إسرائيل، فوصفوا "القوميّةَ اليهوديّة" بأنّها أحدُ أوجه الإمبرياليّة العالميّة.[2] قبل شهر من ذلك التاريخ، كان المهرجانُ القوميُّ الأفريقيّ قد انعقد في الجزائر، وأدّى [القائدُ] الثوريُّ في المنفى ألدريدج كليِفِر (Eldridge Cleaver) دورًا بارزًا في هذا الحدث الأمميّ. ومن تلك الفترة، تبرز صورةٌ أيقونيّةٌ، تَجْمع كلِيفر والماريشال دونالد كوكس من حزب الفهود السود، يرفعان يدَ ياسر عرفات، دلالةً على التضامن المشترَك. الرسالة كانت واضحة: الصهيونيّة هي عدوُّ حركاتِ التحرّر في فلسطين، وفي أميركا السوداء، وفي العالم الثالث بشكلٍ أوسع.

بعد أسبوعيْن من شجب جريدة الفهد الأسود لـ "القوميّة اليهوديّة،" لاحظتْ مذكّرةٌ داخليّةٌ صدرتْ عن وكالة الاستخبارات الأميركيّة (CIA) "قلقَ الجنرال بونْستِيل" من ظهور الدريدج كلِيفر في "بانمونجوم [كوريا الشماليّة]، وهو يحثُّ على عددٍ من القضايا، بما فيها تحريرُ فلسطين."[3] هذا القلق نبع من قرار حكومة كوريا الشمالية دعوةَ كلِيفر إلى حضور "المؤتمر العالميّ لصحافيّي العالم أجمع في القتال ضدّ العدوان الإمبرياليّ الأميركيّ" في أيلول 1969 في بيونغيانغ. أنْ يستدعيَ كلِيفر سخطَ تشارلز بونْستيل (Bonesteel)، قائدِ القوّات الأميركيّةِ في كوريا، أثناء جولة كلِيفر في جمهوريّة كوريا الديمقراطيّة الشعبيّة، فذلك دليلٌ على خوفٍ حقيقيّ تملّك المخابراتِ الأميركيّةَ والإدارةَ العسكريّةَ الأميركيّةَ من حَراك السُّود الجذريّ. وأن يُخصِّصَ بونستيل، وهو أحدُ أرفع الموظّفين العسكريّين في شرق آسيا، حثَّ كليِفر على مسألة "تحرير فلسطين" بالذات، فذلك يعني أيضًا أنّ انخراطَ السود الأمميَّ في قضيّة فلسطين بالذات قد استدعى قلقًا خاصًّا من طرف المؤسّسة الأميركيّة [الحاكمة] وشبكاتِها الاستخباريّة المختلفة.

وإذا كان تاريخُ انخراط "الفهود السود" في القضيّة الفلسطينيّة معروفًا، فإنّ حالتيْن أُخرييْن تستحقّان تفصيلًا أوسع: حالة روبرت ف. ويليامز من ولاية كارولاينا الشماليّة، و"رابطة العمّال الثوريين السود" في ديترويت.

الحالة الأولى تُظهر كيفيّة ابتداع مساراتٍ عابرةٍ للقوميّات من أجل إنتاج المعرفة وتبادلِها، وتُظْهر كذلك أهمّيّةَ بلوغِ دولٍ ومساحاتٍ ثوريّةٍ تسهِّل حصولَ ذيْنك الإنتاج والتبادل. أمّا الحالة الثانية، فتمثّل بعضَ إمكانيّات التضامن العابر للقوميّات، وبعضَ حدودِ هذا التضامن أيضًا، من أجل تعزيز إمكانات الثورة المحلّيّة.

 

روبرت ف. ويليامز و"التحالف الشرّير بين المبيدين الوحشيين"

كان روبرت ف. ويليامز نموذجًا اللإنسان الثوريّ العابرِ للقوميّات (transnational) في الستينيّات من القرن العشرين، وأشَّرَ مثالُه على حقبةٍ جديدةٍ من الأمميّة السوداء. فحين كان رئيسَ فرع مونرو لـ "الجمعيّة الوطنيّة لتقدّم الشعوب الملوَّنة" (NAACP) سنة 1957، تصدّرَ الدفاعَ عن هانوفِر تُمْسِن وفَزِي سِمْسِن، وهما صبيّان أسودان اتُّهِما بتقبيل بنتٍ بيضاءَ في مونرو. وبرز ويليامز بتعبيره عن حاجة السُّود إلى تبنّي تكتيك "الدفاع الذاتيّ المسلّح،" وذلك بعد أن أَطلق عناصرُ من"كلو كلوكس كلان"[4]النارَ على فرع الجمعيّة المذكورة. وكان ويليامز يعتقد أنّ العنصريين "يَبْلغون ذروةَ شرّهم وعنفِهم حين يمارسون العنفَ بحصانة."[5] وكان هدفُه أن يَنزع عن البيض هذه الحصانةَ. وبعد أن اتُّهم، زُورًا وبهتانًا، بالخطْف (في حين أنّه كان يستضيف زوجًا من البِيضِ لحمايتهما من حشودٍ غاضبة)، فرّ إلى كوبا.

 

أشّر مثالُ روبرت ف. ويليامز على حقبةٍ جديدةٍ من الأمميّة السوداء (ويليامز في الصين)

 

في كوبا أسّس ويليامز "إذاعةَ ديكسي الحرّة" بمباركةٍ من فيديل كاسترو، وبُثّتْ باتجاه جنوب الولايات المتحدة. كما أنّه نشر مطبوعةً بعنوان The Crusader (المُحارِب). سنة 1965، سافر ويليامز إلى فيتنام الشماليّة، ولاحقًا في العام نفسه استقرّ في الصين. وهناك، في بكين، ألقى ويليامز، إلى جانب ماوتسي تونغ، خطاباتٍ أمام تجمّعاتٍ حاشدةٍ، مندِّدًا بالعنصريّة والإمبرياليّة في الولايات المتحدة.

تبلور التزامُ ويليامز بالقضيّة الفلسطينيّة أثناء إقامته في الصين، حين أُتيحت له فرصةُ لقاء ممثّليْن عن حركة فتح في نيسان 1968. هذا التاريخ ذو دلالة لأنّه يأتي بعد شهرٍ على "معركة الكرامة" البطوليّة، وفيها صدّت قواتٌ من حركة فتح والجيشِ الأردنيّ هجومًا إسرائيليًّا شرسًا، ونتيجةً لذلك استقطبتْ حركةُ المقاومة الفلسطينيّة تأييدًا من أرجاء متعدّدةٍ في العالم. يلاحِظ ويليامز أنّ "هذا اللقاءَ المثمِرَ جدًّا زوّده بفهمٍ أوسعَ للقضايا المتعلّقة بالكفاح الوطنيّ الذي يخوضه الشعبُ العربيّ ضدّ الاعتداء الإسرائيليّ والصهيونيّة التوسّعيّة." وتحليلُ ويليامز، الذي مهره بتوقيع "رئيس منظّمة العمل الثوريّ في المنفى،" جديرٌ بأن نقتبسَه بالتفصيل:

"... أنا مقتنع بأنّ إسرائيل تباشر مهمّةَ إبادةٍ شريرةً للشعب العربيّ... فبدعم الإمبرياليّة الأميركيّة والبريطانيّة، تسعى الصهيونيّةُ العالميّةُ إلى تقليد النهب والاحتلال الأوروبييْن لأراضي السكّان الهنود الأصليين، المسمّاةِ اليوم أميركا. الشعبُ العربيُّ اليوم مهدَّد، من قِبل الصهيونيّة، بمصير الهنود الأميركيين نفسه... هناك تشابهاتٌ كبيرةٌ بين كفاح الشعب العربيّ وكفاح الشعب الأفرو-أميركيّ. نحن نحارب من أجل البقاء على قيد الحياة ضدّ تحالفٍ شرّيرٍ لمُبيدين وحشيّين (a sinister alliance of brutal exterminators). نحن منخرطون في قضيّةٍ مشتركةٍ من أجل العدالة والبقاء. سننتصر بأيّ ثمن. وانطلاقًا من روح المقاومة المشتركة ضدّ قوى الطغيان الشرّيرة، أُعلن بفخرٍ التضامنَ مع إخوتنا المقاتلين في فلسطين ومع الشعب العربيّ بأكمله."[6]

إنّ اعتبارَ ويليامز إسرائيلَ "جزءًا من تحالفٍ شرّيرٍ لمبيدين وحشيين" يزداد صحّةً إذا لاحظْنا الخطّةَ الإسرائيليّة-المغربيّة المشتركة لخطف واغتيال المناضل اليساريّ المغربيّ المهدي بن بركة، أحدِ المؤسِّسين الثقافيين لـ "المؤتمر القارّيّ في هافانا" (1966).[7]ومن نافل القول إنّ تقويمَ ويليامز للوضع الفلسطينيّ أثّر في أتباعه في الخارج.

حين عاد ويليامز إلى الولايات المتحدة، كان أحدَ الموقِّعين الستّة والخمسين على وثيقةٍ مهمّةٍ نُشرتْ في 1 نوفمبر 1970 في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان "نداء من أمريكيين سُود ضدّ دعم الولايات المتحدّة للحكومة الصهيونيّة في إسرائيل." وأعلن هذا النداءُ "التضامنَ الكاملَ مع إخوتنا وأخواتنا الفلسطينيين،" وشجب بقوةٍ الدعمَ الأميركيَّ لـ"المذبحة" التي نفّذها "الملك حسين ضدّ اللاجئين والفدائيين الفلسطينيّين" أثناء معارك أيلول الأسود. أمّا نقدُه الأقسى فخُصِّص لإسرائيل. وقد أعلن الموقِّعون على النداء أنّ إسرائيل، شأنَ جنوب أفريقيا وروديسيا، دولةُ استيطانٍ بيضاءُ (white settler-state). وعليه، فقد دعموا إعلانَ عرفات في كانون الثاني 1969 رؤيةً سياسيّةً من أجل "فلسطين حرّةٍ" تتّسم بـ"دولة ديمقراطيّة عَلمانيّة غيرِ عرقيّة يتمتّع فيها كلُّ الفلسطينيين – المسيحيين واليهود والمسلمين  – بحقوقٍ متساوية."[8]

 

أعلن الموقِّعون على النداء أنّ إسرائيل "دولةُ استيطانٍ بيضاءُ"

 

اللافت أنّ ويليامز لم يوقّع الوثيقةَ من كارولاينا الشماليّة، بل من مدينة ديترويت. وكان ويليامز قد عاش فترةً بسيطةً في ديترويت في مناسبتيْن منفصلتيْن: سنة 1942 وسنة 1948 (عام النكبة الفلسطينيّة بالمناسبة)، حيث عمل في صناعة السيّارات وكان عضوًا في اتحاد عمّال السيّارات (UAW 600). وقد اكسبتْه دعواتُه إلى "الدفاع الذاتيّ المسلّح" في مواجهة عنصريّة البِيض مؤيِّدين كثيرين في ديترويت؛ وحين اتُّهِم بالخطف سنة 1961، شكّل ناشطون من المدينة "لجنةَ الدفاع عن روبيرت ويليامز."

في العام 1969، استقرّ ويليامز من جديد في ديترويت، وانخرط في شبكة عمل هؤلاء الأنصار والمؤيِّدين. ولكنّ المجتمعَ الجديد [في ديترويت] بات مختلفًّا جدًّا عن المجتمع الذي تركه قبل سنوات. فأفكارُ ويليامز باتت تتبنّاها منظّماتٌ ثوريّةٌ بارزةٌ وذاتُ هيبةٍ محلّيّةٍ وعالميّة. وليس مصادفةً أنّ إحدى أكثر منظّمات السُّود الأمميّة تأييدًا للفلسطينيين على الأرض، وأعني "رابطة العمّال الثوريين السود،" نشأتْ في ديترويت؛ وأنّ كثيرين من الناشطين الشباب الذين شكّلوا هذه الرابطةَ كانوا طلّابًا متحمّسين لويليامز، وأنّ بعضَهم زاره أثناء سنوات المنفى في كوبا.

 

فلسطين في ديترويت: "عام العصابات البطوليّة"[9]

إذًا، أثناء أواخر الستينيّات من القرن العشرين، كانت مدينةُ ديترويت معقلًا لأبرز منظّمات السُّود تأييدًا لفلسطين في الولايات المتحدة. تأسّستْ "رابطةُ العمّال الثوريّين السود" سنة 1969 بعد دمج عددٍ من الاتّحادات الثوريّة المتعدّدة، بما فيها "حركةُ اتحاد دودج الثوريّ" (DRUM) التي أدّت الى إضرابٍ غيرِ منظّم في مصنع سيّارات دودج الرئيس في أيّار 1968. وقد سيطر أعضاءُ حركة DRUM في نهاية المطاف على إدارة تحرير جريدة The South End، وهي الجريدةُ اليوميّة لطلّاب جامعة ولاية وَيْن (WSU)، وكانت تَطْبع 18 ألف نسخة يوميًّا وتملك ميزانيّةً قدرُها 125 ألف دولار.[10] مؤيّدو DRUM هؤلاء، ولا سيّما جون واطسون (Watson)، حوّلوا الجريدةَ المذكورة إلى ناطقٍ باسمهم. وكانت مقولةُ واطسن الأساسيّة أنّ هذه الجريدة "لا تخصُّ الجامعةَ، ولا الولايةَ، بل لا تخصّ الطلّابَ أنفسَهم كطلّاب،"[11] وإنّما هي "مرفقٌ عامٌّ يخصّ الشعبَ بأكمله"؛ ما يعني أنّ عليها أن تتصرّف كأداةٍ تمثِّل ما يتجاوز طلّابًا داخل حرمٍ جامعيّ. وعليه، فقد صُمِّمت الجريدةُ في الأساس لكي تنظِّم العمّالَ السودَ بعد إضرابٍ غيرِ منظّم في "مصنع هامترَمِك للتجميع." وسُرعان ما جمع واطسون شلّةً من الراديكاليين السُّود، وضِمنهم: لُوك ترِبّ (Tripp)، ومايك هاملِن (Hamlin)، وجنرال بيْكر (Baker)، وتشارلز "ماو" جونسون (Johnson)، والمحامي كَنِثْ كوكْرِل (Cockrel). وهذه المجموعة شكّلتْ لاحقًا الكادرَ الأساسَ في "رابطة العمّال الثوريين السود." جميعُ أعضاء نواة هذه المجموعة النواة تقريبًا كانوا على صلةٍ بروبرت ف. ويليامز، وكان جنرال بيْكر عضوًا في "لجنة الدفاع عن روبرت ويليامز" (تشكّلتْ سنة 1961)، كما أنّ كثيرين آخرين سبق أن زاروا ويليامز في هافانا ضمن وفودٍ تضامنيّة.

 

كانت ديترويت معقلًا لأبرز منظّمات السُّود تأييدًا لفلسطين: رابطة العمّال الثوريين السود

 

لئن كانت جريدة The South End مصمَّمةً لأن تكون أداةً تحريضيّةً في صفوف العمّال، فقد كانت أيضًا مخزونًا للأخبار والتحاليل الثوريّة من مختلف أرجاء العالم. وقد كشفت الافتتاحيّةُ الأولى للجريدة عن أهدافها الجديدة: "تعود The South End إلى ولاية ويْن بنيّةِ ترويج مصالح المُفْقرين والمقموعين والمستغَلّين والعاجزين، من ضحايا الرأسماليّة والإمبرياليّة الاحتكاريّة البيضاء والعنصريّة." وإذ تعهّدت الافتتاحيّةُ بـ "اتّخاذ الخط الحازم [أو المتشدِّد] دومًا،" فقد جاء عنوانُ الجريدة الرئيس على الشكل الآتي: "The Year of the Heroic Guerrilla" (عامُ العصابات البطوليّة).[12] وغالبًا ما وُزِّعت الجريدةُ خارج الحرم الجامعيّ، ولاسيّما في المصانع على امتداد مدينة ديترويت. وجاء أحدُ أكثر إصداراتها إثارةً للجدل في أواخر كانون الثاني 1969 حين نشرتْ مقالًا تدافع فيه عن حركة فتح الفلسطينية الفدائيّة. وليام كيِسْت، رئيسُ جامعة ولاية ويْن (WSU)، دان الجريدةَ فورًا، واصفًا إيّاها بـ "المعادية للساميّة" وقال إنّها "تذكّر بألمانيا زمن هتلر."[13] ومع أنّ الجريدة سمحتْ بالردود وبالرسائل الموجَّهة إلى رئيس التحرير دفاعًا عن إسرائيل، فإنّ المسؤولين في المدينة [ديترويت] وفي الولاية [هيوستن] انضمّوا إلى الهجوم عليها. وصعّدت الجرائد المحلّيّة مثل ديترويت نيوز وديترويت فري بريس، فضلًا عن محطّات التلفزة، الهجومَ على الجريدة. وفي 3 شباط تعرّضت مكاتبُ الجريدة لحريقٍ متعمَّد.

فوجئ واطسن وإدارةُ الجريدة بردّة الفعل، وسرعان ما أدركا أنّ التضامن مع فلسطين خطٌّ لا ينبغي تجاوزُه. يتذكّر أحدُ أعضاء هيئة التحرير أنّ "افتتاحيّة الصفحة الأولى عن حركة فتح" فتحتْ "أبوابَ الجحيم."[14] دافع واطسن عن الجريدة ضدّ مزاعم "العداء للساميّة،" وشرح بصبرٍ طويلٍ أنّ أعضاءَ هيئة تحرير الجريدة من اليهود [أنفسِهم] يَدعمون الانتقاداتِ السياسيّةَ الموجَّهة إلى إسرائيل. ثم ذهب أبعدَ من ذلك، فقال إنّه لمّا كانت ديترويت وتوليدو في ولاية أوهايو هما الموطنَ الأكبرَ للجاليات الناطقة بالعربيّة في أميركا الشمالية، فإنّ جريدة  The South End ستكون صوتَ هذه الجاليات بقدْرِ ما هي صوتُ أيٍّ سواها.[15] لاحقًا، سافر واطسن إلى الشرق الأوسط في أوائل العام 1971، حيث التقى ممثِّلين عن منظّماتٍ ثوريّةٍ عربيّة، ثم عاد إلى الولايات المتحدة وفي جعبته أفلامٌ تروِّج للقضيّة الفلسطينيّة.

خلاصة

تقدِّم سِيَرُ روبرت ف. ويليامز، و"رابطة العمّال الثوريين السود،" و"حزب الفهود السود،" أمثلةً دقيقةً على الترابط بين الأمميّة السوداء والثورة الفلسطينيّة. ويبيّن حَراكُ ويليامز دوائرَ إنتاجِ وتبادلِ المعرفة العابرةِ للقوميّات في المواقع الثوريّة، ويجسِّد اعتمادَ الثوريّين العابرَ للقوميّات على هذه الأماكن والفضاءات من أجل إحداث ذيْنك الإنتاجِ والتبادل. أمّا تجربة رابطة العمّال، فتسلِّط الضوءَ على دور التضامن الأمميّ في تأجيج الثورة داخل الولايات المتحدة. وأمّا نموذج حزب الفهود السود، فيُظهر كيف تقوِّي الأمميّةُ الهيبةَ والشرعيّةَ العالميّتيْن للمنظّمات الثوريّة التي تتحدّى الرأسماليّة والعنصريّة والإمبرياليّة.

إنّ على المحاربين في الخطوط الأماميّة اليوم في مِنيابولِس أن يستدعوا إلى أذهاننا كلماتِ الشهيد فريد هامْتِن (Hampton)، رئيسِ فرع شيكاغو في حزب الفهود السود، الذي استُشهد وهو في الحادية والعشرين من عمره : "إذا تجرّأتَ على النضال، فستتجرّأ على النصر. أمّا إذا لم تتجرّأْ على النضال، فاللعنة، لأنّكَ لا تستحقُّ أن تنتصر!"[16]

 

*المصدر: الأدب، ديريك آييد- ترجمة سماح إدريس